بأنامله وحضوره الموسيقي الاحترافي، استطاع أن يثبت للغرب أننا شعب يملك حضارته وتميزه وإبداعاته، ويرى أن دعم "المؤلف الموسيقي السوري" هي مسؤولية وطنية و رسالة للعالم.
"راجي سركيس" عازف بيانو سوري بدأ دراسته الموسيقية منذ عمر ستة أعوام مع والدته أستاذة البيانو "ماري لور سمعان".
انتسب إلى معهد "صلحي الوادي" للموسيقا فدرس على يد العديد من الأساتذة العرب والخبراء الروس القديرين وتخرج من المعهد العالي للموسيقا بالتوازي مع إجازة في الطب البشري من جامعة دمشق بعد دراسته على يد الخبير الروسي العالمي "فيكتور بونين"، تخلى نهائيا عن الطب و انتقل إلى باريس لتبدأ رحلته الموسيقية الاحترافية مع أساتذة كبار أمثال "ماريان ريبيسكي" و"جان فاسينا" و"جيرمين مونييه".
eSyria التقى العازف الأستاذ "راجي سركيس" وكان الحوار التالي:
*حزت على الجائزة الأولى في "علوم التعليم والأداء بالبيانو" في فرنسا ، وعلى أثر ذلك وجهت لك الدعوة لتكون عضواً في اللجنة التحكيمية بالمعهد العالمي للموسيقا بباريس رغم أنك "سوري" ماأثار ذلك دهشة الكثيرين فهل لك أن تُطلعنا أكثرعلى هذا الأمر؟
**إن ما يميز المجتمعات الاختصاصية هو تلك المساحة التي تكثر فيها الفرص وتبتعد عن المحسوبيات في التحصيل المهني والاحترافي فالتصنيف فيها يعتمد بالدرجة الأولى على القدرات و المؤهلات الشخصية ، وحصولي على الجائزة الأولى من L’Ecole Normale de Musique de Paris كان حافزاً لدى إدارة مؤسسة موسيقية أخرى وهي المعهد العالمي كي توجه لي دعوة لأكون عضواً في لجنته التحكيمية ، أما ماأثار دهشة الكثيرين فباختصار هو كون صاحب الجائزة والتقدير سوري الجنسية، والحقيقة أن هذا الموضوع لايؤُخذ بعين الاعتبار بقدر مايتعلق بالمؤهلات التي نملكها والإنجازات التي نحققها.
*درست خلال مسيرتك الموسيقية لدى العديد من الأساتذة والخبراء، هل لك أن تُحدثنا بشكلٍ موجزعن أهم الخبرات الموسيقية التي حصلت عليها؟
**بالفعل لايوجد أستاذ تتلمذت على يده إلا وعلمني الكثير، فوالدتي علمتني مبادىء الصولفيج وهي من عرفتني على آلة البيانو ودفعتني للتعلق بها ، أما الدكتورة "سحر ملحم" فأعطتني مبادىء الاسترخاء العضلي ، وتعرفت مع الدكتور"غزوان زركلي" على فوائد أسلوب التعليم الجماعي .
بالنسبة للخبراء الروس ، فقد كانت لي سنوات طويلة بالعمل معهم اكتسبت فيها خبرات جمة ألخصها في إعدادهم للعازف ليس كمؤد فحسب وإنما كموسيقي وإنسان مفعم العواطف والأحلام على حد سواء، وكانت أولى خطواتي في الاحترافية مع الخبير الروسي "فيكتور بونين" حيث تعلمت منه الجدية وتدريب الذاكرة الحفظية بمختلف أنواعها، أما في فرنسا فكان هناك تطور كبيرعلى الصعيد التخصصي .
مع الخبيرالعالمي البولوني "ماريان ريبيسكي" تعلمت التعامل الاحترافي مع المسرح والجمهور، ومن الأستاذة الكبيرة "جرمين مونييه " أصبح لدي خبرة في تعلم وسائل استحضارأي قطعة موسيقية والتمكن منها.
أما الأستاذ والمعلم "جان فاسينا " فقد استرجعت معه أسس التعامل مع الآلة من الناحية الفيزيولوجية وتسخير كل مصادرالطاقة الكامنة بهدف إصدارالصوت المثالي.
*من خلال خبرتك الموسيقية، ماالفرق بين المدرسة الروسية وبقية المدارس الموسيقية؟
**تتميز المدرسة الروسية بكونها تهتم بالمخيلة العاطفية والطاقة الانفعالية للموهبة والعمل على إبرازها وتطويرها منذ الصغر، حتى أنها حين تتناول النص أو العمل الموسيقي تتجاوزه لتغذي التأثير الدرامي المقابل أي التأثير الموسيقي العاطفي للعازف على الجمهور.
والمدرسة الألمانية فهي مدرسة تعطي الأولوية للقالب والشكل مع التقيد الصارم بتفاصيل النص بشكل أساسي، أما الجانب العاطفي عندها فمضبوط و محسوب وهومسخر لخدمة النص والشكل العام بحيث لايتم إظهاره إلا في اللحظات المراد والمخطط لها مسبقا ..
أما المدرسة الفرنسية هي بشكل عام أكثر ألواناً لكنها تجتمع في انضباطيتها وبنيانها الدقيق المتراص .
*في "مهرجان الخريف" في باريس وقع الاختيارعليك لتكون مستشاراً فنياً، فكيف تم اختيارك؟
**بداية يعتبر هذا المهرجان و عمره خمس وأربعون سنة الأهم عالميا و يهتم بآخر الإبداعات المعاصرة في الفنون كافة والعام 2006 تناول "الشرق" والموسيقا الجادة المعاصرة فيه، وهنا تم توجيه الدعوة لي كمستشار فني للقسم الموسيقي من المهرجان كوني قدمت رسالة الدكتوراه الخاصة بي في جامعة السوربون بباريس في الأعمال الجادة للمؤلفين الموسيقيين السوريين المعاصرين .
*في عام 2007 قُمت بإحياء حفل موسيقي مميز أثار ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية ، وهو "كونشرتو البيانو للمؤلف السوري"حسان طه" ، حيث قام بإهدائه لك، وقد أديتموه مع الفرقة السمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو "ميساك باغبوداريان" في احتفالية "دمشق عاصمة الثقافة العربية بدار الأوبرا بدمشق ، مارأيك بهذا العمل وبالحدث ككل؟
** الحدث بحد ذاته هوسابقة في العالم العربي ، فقالب الكونشيرتو بشكل عام والبيانو بشكل خاص غير مألوفين نظرا لأسباب عدة على رأسها المناخ الموسيقي السائد، يضاف إلى ذلك الصعوبات الجمة المتعلقة بأدائه الموسيقي، وعندما رأيت الخطوط الأولى للعمل شجعت الأستاذ "حسان طه" على إنهائه فقد وجدت طريقة طرحه لهذا القالب المعقد مثيرة للاهتمام لاحتواء الكونشرتو على عناصر من إرثنا الثقافي الشرقي حيث حاول أن يقدمها وفق وجهة نظر موسيقية معاصرة ، وهذا الأمر غاية في الصعوبة خاصةً فيما يتعلق بطريقة معالجته لدور البيانو، وفي الحقيقة لقد عزفت خلال مسيرتي الموسيقية العديد من أعمال كونشرتو البيانو، إلا أن هذا الكونشرتو يجذبك في عزفه بطريقة غريبة لحظة الشروع مع الاوركسترا بتحويله عمليا من مجرد مجموعة نقاط سوداء على ورق أبيض إلى جمل وألحان
وايقاعات تخترق القلب والعقل على حد سواء.
*"حوار من قدموس إلى أوروبا" عمل آخر جمع اسميكما وهوثمرة مشروع ضخم كنت قد طرحته على مفوضية الاتحاد الأوروبي في سورية ونال تمويلها ، كيف أتيت بالفكرة و كيف نفذتها؟
**المشروع أساسا يحمل عنوان "شرق و غرب...حوار الأطفال السوري الأوروبي" وقد تم تغيير اسمه بناء على طلب الأستاذ "طه" كي يتوافق مع فكرة العمل الموسيقي والتي هي من اختياره وإعداده والتي انسجمت تماما مع فكرتي الأولية والخطة العامة لها. في الحقيقة بعد اطلاعي على العرض الذي طَرَحته المفوضية الأوروبية والذي لم يحمل في طياته أي موضوع أو فكرة، ولم يكن أكثر من دفتر شروط عادية وجدت الفرصة سانحة كي أقدم مشروعاً ثقافيا موسيقيا تربويا يعالج برؤية وأسلوب محلي معاصر موضوعين اثنين : الحوار بعيدا عن الكليشيهات و التعاريف النمطية السائدة ، وقيمة الفن في الدول النامية، واخترت الأستاذ طه لتأليف الجزء الموسيقي منه والذي نفذه اثنان وعشرون عازفا ستة منهم أوروبيون يمثلون ستة دول مختلفة بالإضافة إلى كورال أطفال "ألوان" ومجموعة من أطفال SOS على مسرح دار الأوبرا بقيادة "ميساك باغبوداريان" وبرعاية "جمعية النهضة الفنية"، ويتم حالياً إعداد الجزء الثاني منه بالتعاون مع وزارة التربية.
*هل لديكم خطة أو مشروع لعزف "كونشرتو البيانو " أو "حوار من قدموس إلى أوروبا" خارج سورية؟
** لدينا كل ما يلزم لتحقيق ذلك لكن ينقصنا الرعاية والاهتمام بمثل هذه الأعمال النوعية القادرة على اختراق الفكر الاستشراقي الاستعلائي، ومع كل الصعوبات فإنني أسعى بكل جدية و إصرار للترويج المؤلفين السوريين خارج سورية كما في داخلها، وذلك من الأمورالحساسة والهامة التي حان الوقت للجهات صاحبة القرار أن تؤدي دورها المسؤول في دعمه وتشجيعه للمشاركة في عالم يصارع الغرب لاحتكار أدواته ومفاتيحه لنؤكد للعالم أجمع قدرتنا على الإبداع والابتكار.
*أنت مؤسس مسابقة "معهد صلحي الوادي" للبيانو وواضع أسسها و قوانينها الداخلية، فلِمَ يغيب اسمك عن كل ما يتعلق بها؟
**هذا صحيح باعتراف الوسط الفني وشهادة القائمين عليها وأنا جد مسرور لاستمرارها فقد كان ذلك أحد أهدافي، أما عن أسباب تغيبي عنها فياليت أحدا يخبرني كيف وتحت أية حجة وبأي حق، يمكن لأحد أن يجردك من ثوبٍ سهرت الليالي الطوال في حياكته !
على كل حال ، ماأتمناه لهذه المسابقة وما سعيت جاهداً على تحقيقه هو المصداقية و الكفاءة والبعد عن المحسوبيات والأطر الشخصية الضيقة .
*ماهو أهم"حدث" لايزال يحمل مكانة خاصة في ذاكرة الموسيقي "راجي سركيس"، وماأهم جائزة؟
**أهم حدث يتعلق بحياتي المهنية حدث عام 1996 عندما شاركت بمسابقة عالمية للمواهب الشابة بالدار البيضاء في المغرب، ففي تلك الرحلة اتخذت القرار بالتخلي نهائيا عن الاختصاص في الطب البشري والتفرغ كلياً و أكاديمياً للموسيقا بهدف الوصول إلى الاحترافية .
أما أكثر جائزة تعنيني فهي الجائزة الأولى في شهادة علوم التعليم التي حصلت عليها من
L’Ecole Normale de Musique de Paris بإجماع لجنة التحكيم وتهانيها الكتابية.
أسس هذه المدرسة Alfred Cortot وهوأهم عازف بيانو فرنسي في القرن العشرين وأراد من خلالها أن يجابه المعهد العالي للموسيقا في باريس والذي كان على خلاف جوهري مع مناهجه الموسيقية فتحولت بجهوده إلى واحدة من أهم المدارس الموسيقية في العالم، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن تخرج منها أهم العازفين والمؤلفين من مختلف الجنسيات والدول، كما تعتبرالامتحانات لنيل الشهادات العليا فيها من أصعب التحديات التي يمكن أن يواجهها كل موسيقي يطمح إلى الإحترافية إذ تقوم على نظام المسابقة أي التصفية على عدة مراحل، وحصولي على الشهادة يعني لي الكثير فقد أثبتّ لنفسي قبل أن يكون ذلك تحدياً للآخرين أنني قادرعلى التطور والإنجاز والمنافسة .
*اهتمامك بالمؤلفين السوريين و أعمالهم يدفعنا للسؤال عن مشاريع أخرى تتناولهم؟
**هذا صحيح. إنني أعمل ومنذ ثلاث سنوات على مشروع سنوي يجمع المؤلفين السوريين تحت عنوان "ملتقى المؤلفين السوريين" وكما قلت سابقا أضحت هذه المشاريع ضرورة وطنية ملحة تسعى للإعتراف بجهود المؤلفين السوريين ودعمها من خلال عرض وتسويق أعمالهم محلياً وعربياً وعالمياً، كما أن لهذا المشروع فوائد نقدية ذاتية عن طريق خلقته حالة علمية أكاديمية موضوعية تُخرجنا من حالات "أشباه المؤلفين والعازفين" التي تفيض بها مجتمعاتنا. إن مسؤولية دعم المؤلف الموسيقي السوري هي مسؤولية وطنية إذ أن الأدب الموسيقي والفكر الإنساني الحضاري هو مسؤولية تخص الجميع ، وليست حكراً على أحد.
*ماهي المشاريع المستقبلية القادمة؟
**هناك عمل ضخم نقوم بإعداده يتعلق بمرور مئتي عام على ولادة الموسيقار "شويان"، وسيكون عملاً غير كلاسيكي، وحين نعلن عنه سنقدمه في سورية وخارج سورية.
يذكر أن راجي سركيس:
-من مواليد دمشق عام 1972
-بدأ تعلمه لمبادئ الصولفيج و البيانو وهو في السادسة من عمره على يد والدته السيدة ماري لور سمعان التي يُردّ لها الفضل في عشقه للموسيقا، والتي قدمته للجمهور للمرة الأولى عازفاً منفرداً على مسرح القباني في مقدمة برنامج الحفل لعازف البيانو الفرنسي " إيريك برشو" ولما بلغ الحادية عشرة من عمره.
-بعد أن أتم دراسته الموسيقية بدرجة امتياز في الصولفيج و البيانو في المعهد العربي للموسيقا بدمشق، و حصوله فيما بعد على دبلوم في الموسيقا و البيانو من المعهد العالي للموسيقا بالتوازي مع دبلوم في الطب العام من كلية الطب البشري في جامعة دمشق، قرر أن يترك نهائياً امتهان الطب و التفرغ كلياً لاحتراف الموسيقا.
-قدمت له منحة دراسية من قبل منظمة " العصيمي" السويسرية أبواب الاختصاص في الموسيقا إثر تقديمه مشروع تخرجه من المعهد العالي للموسيقا الذي تمثّل في أدائه لكونشرتو البيانو الثاني " لسيرجي راخمانينوف" بمصاحبة الأوركسترا السورية بقيادة المايسترو الراحل " صلحي الوادي" على مسرح قصر العظم، فاختار باريس لتحقيق مبتغاه.
-في فرنسا، تابع تحصيله الدراسي العالي ليفوز بالجائزة الأولى لعلوم التعليم و الأداء على البيانو بإجماع لجنة التحكيم
وتهانيها الكتابية من “L’Ecole Normale de Musique de Paris/ Alfred Cortot”. تلا ذلك الجائزة و التقدير نفسه من المعهد العالمي للموسيقا في باريس، حيث وجّهت إليه دعوة ليصبح عضواً ثابتاً في لجنته التحكيمية.
-حاز على جوائز في الأداء على البيانو في مسابقات عالمية في فرنسا والمغرب