يحدثك المبدعون العالميون عن حالة الإبداع التي تحاور روحهم فترحل معهم إلى تلك الجزر والمغر التي تكتظ بالأحلام لتنسج لوناً قريباً منهم، حينئذ تسمي ذلك ملاك الإبداع، وهنا لملاك الإبداع عند التشكيلي السوري "عمر حمدي" حالة لونية خاصة، فالأرض واللون هما عنصران مهمان من عالم "مالفا" الذي ينسج من اللون أساطير وحكايات إنسانية تتجول في مخيلة قراء الفن كما أخبرنا خلال لقائنا به.
موقع "eSyria" التقى التشكيلي السوري "عمر حمدي" الملقب بـ"مالفا" وأجرى معه هذا الحوار الذي اتسم بكثافة اللون فيه إلى جانب الوطن الذي يعبر عنه "مالفا" بكلماته النابعة من فرز الألوان في قلبه، حيث كانت الأرض المعيار الأهم في حديثنا، فإليكم اللقاء التالي.
"مالفا" لا يمكن التعريف به إلا كواحد من أهم الفنانين المعاصرين وأكثرهم موهبة وقدرة على تجسيد الحركة الحية في الرسم الانطباعي والتجريدي معاً، إنه يقدم عوالم جمالية تشكيلية حديثة، تنشلنا ولو للحظات من دوامة القلق والاضطراب والمعاناة المتواصلة، فهو يجسد بألوانه الصاخبة بالحيوية والحركة والانفعال مظاهر القلق والاختناق، ويتوغل أحياناً في التعبير التلقائي والفطري في الاتجاهين التكويني والتلويني معاً، كرغبة في العودة إلى بداية التكوين الأولى، حيث لا أسئلة معقدة ولا خوف من مصير إنساني يحمل المزيد من مظاهر القلق والاضطراب والترقب والموت
** يمنحني السفر مخزوناً إضافياً للمعرفة، معرفة الآخر بقديمه وجديده، فلكل شعب أو دولة تاريخه وثقافته، تراثه وتطوره، كل هذا يزيدني تجربة ولوناً، وقناعة بأنني إنسان، وبأنني الكل وبأن الكل هو أنا، من هنا أرسم بهذه المعرفة، وبهذا الحس المطلق، كما أشارك بثقافة الحوار الجديدة على أسس نشأت على حوافها لغة الحضارة والتاريخ، نعم من هنا أرسم هذا السفر، مغترباً أبحث عن وردة في بداية نموها، وعن شجرة تشبه الزيتون، وجسد يشبه جغرافية المكان الذي ولدت فيه، وتشبه ذلك الأفق البعيد المملوء بالشوق والمغامرة.
** اللون هو كل شيء، يدخل العين ثم يترجم إلى شكل ما عن طريق الضوء، بلا ضوء لا يوجد لون، فهو الدم الذي أرسم به، هو محترفي منذ الطفولة، وبه اتصل مع هذا العالم الكبير، أمنحه كل شيء، حياتي، أطفالي، عشقي وخبزي، ليمنحني هو الآخر أسراره ولا نهائياته، هكذا ولدنا معاً، وهكذا نودع.
** لوحاتي تحمل ألوانها حيث تكون، وحيث أتواجد، لكن الشرق يبقى واضحاً في ترجمة اللون؛ وهو في النهاية كالبحر له شواطئه، صخبه، هدوءه وتحولاته، إنه المغامرة الكبرى للوصول إلى اللوحة، الحدث، هو وجهٌ للمعاصرة ورؤيا للمستقبل، إنه مثل الأرض، مكان نعمل فيه لنكون جديرين به.
** إني لا أحمل اتجاهاً ثابتاً، أو حدوداً تحترم الاتجاهات الفنية عبر التاريخ، أنا خارطة مفتوحة لهذا العالم، سوري وعالمي في آن واحد، أما عن بانوراما التجريد، فهو كما قلت وليد لحظة، تفرز فيها مخزونك وثقافتك، والمغامرة التي ترافقك لحظة العمل، وفي النهاية هو عمل، هو "عمر حمدي"، تجريدي، تعبيري، انطباعي أو واقعي، كل هذا لا يعنيني، بقدر ما تحملها اللوحة من إسقاطات وأحاسيس ومسؤولية.
** أنا لا أفترس اللون، بل أفرز لوناً، وهذا اللون أدعه يرسم نفسه في عيني، ويتحول كما يريد إلى مدن، حقول، حوار، أشكال وقلب ينبض بالإنسانية، الحب والجمال، لأن الحياة مقدسة وجميلة، ولأن الحياة جديرة بألوانها، تراثها ومؤثراتها.
** الفن لغة حوار يحمل الماضي، الحاضر والقادم، وهو الوجه الكبير لهذه الأرض، وكلنا نحمل مسؤولية الأرض وقدسيتها، وبأن نكون جديرين بالمستقبل الذي نشارك فيه، نأخذ ونعطي بصدق ومعرفة.
** الفن شهادة عصر، وبلا شك يحمل بعده السياسي، أو الاقتصادي منذ بدء التاريخ، وهو المترجم الدائم للمؤثرات أو المناخات المحيطة به؛ لأنه فعل سلام، وفعل محبة، بل إنه فعل حضاري يتطور من أجل الأفضل، وهو التزام بالحق، وبالدفاع عن النفس، وعن الإنسان في كل مكان، هو المعادلة الأخرى للحروب والكراهية والقتل، إنه لغة الحياة، مقدسة بلا زمان أو مكان.
** نعم كنت حمالاً، ومازلت، وبائع تذاكر في السينما، ومازلت، أرسم وطني في عيني، ومازلت، وأنا ذاهب دائماً باتجاه الوطن...لأنه العالم.
الناقد التشكيلي "أديب مخزوم" في حديثه عن "مالفا" يقول: «"مالفا" لا يمكن التعريف به إلا كواحد من أهم الفنانين المعاصرين وأكثرهم موهبة وقدرة على تجسيد الحركة الحية في الرسم الانطباعي والتجريدي معاً، إنه يقدم عوالم جمالية تشكيلية حديثة، تنشلنا ولو للحظات من دوامة القلق والاضطراب والمعاناة المتواصلة، فهو يجسد بألوانه الصاخبة بالحيوية والحركة والانفعال مظاهر القلق والاختناق، ويتوغل أحياناً في التعبير التلقائي والفطري في الاتجاهين التكويني والتلويني معاً، كرغبة في العودة إلى بداية التكوين الأولى، حيث لا أسئلة معقدة ولا خوف من مصير إنساني يحمل المزيد من مظاهر القلق والاضطراب والترقب والموت».