النحت من الفنون القديمة المرتبطة بالتماثيل والأصنام التي عثرت عليها في المناطق الأثرية القديمة، حيث تطور هذا الفن في سورية وتحول إلى جزء من الحركة التشكيلية السورية التي أصبحت لها مكانة كبيرة من الحركة الفنية العالمية.
موقع "eSyria" التقى النحات السوري "صالح نمر" مدرس في معهد الفنون التطبيقية، ونحات له خبرة طويلة في مجال الفنون التطبيقية، وللوقوف على أهمية الأعمال المنفذة عند "نمر" والخامات المستخدمة في أعماله، كان لنا معه اللقاء التالي.
إن التشكيل والتكوين لديه يعتمد على التخلص من الجاذبية الأرضية عبر منحوتة متحررة فيها حركة ديناميكية، إضافة إلى استخدامه لرموز دقيقة وجميلة، كما أننا نلاحظ أن الفنان يركز على المضمون والموضوع بشكل كبير وبدقة، كما أن هناك منحوتات وصل فيها إلى مرحلة متميزة وجيدة وأصبح فيه التكوين متحركاً وجميلاً مع حداثة واضحة، أما القيمة البصرية التي رأيتها في أعماله الأخيرة فإنها تمتلك قيمة عميقة وحركة فيها غنى تعبيري وحركة تشكيلية قوية، وهنا أود القول بأن الفن تحرر في بداية القرن الماضي من الواقعية المباشرة فأصبح في داخل الفنان حرية أكثر بتبسيط الأشكال الواقعية وصياغة تشكيلات خاصة به، و"صالح" أحد هؤلاء الفنانين
** إني أعمل على كل الخامات، فبوجهة نظري أن النحات ليس نحات خشب أو معدن، حيث إني لا أخصص هذه المسألة باعتبارها ليست أكاديمية، فأنا اعتبر الفنان الذي هو النحات من المفترض هنا أن يعمل على جميع الخامات باعتباره يملك جميع الأدوات بشكل صحيح إن كانت حرفية أو فنية، فامتلاكه لهذه المواد تجعله يعمل على جميع الخامات سواء أكانت من الخشب، المعدن، أم البرونز، وهنا كل معرض أقيمه له خصوصية ويعتبر كبحث بالنسبة لي، كل معرض يقدم لي تجربة جديدة، فإن البحث يملك طاباع أكاديميا ويتطلب مقومات وإمكانات ويحتاج إلى شيء نظري نحصل عليه من خلال الدراسة والرؤية والتفاعل مع المعارض الأخرى، وهذا البحث هو بحث عملي يعتمد على المعرفة والرؤية ويعتمد على شيء له علاقة بالعمل بشكل مباشر يمكن أن يكون التقنية، التكنيك أو الآلات، ومن خلال هذه الفوائد كلها يمكن أن يكون البحث ذا فائدة تقدم النتيجة المطلوبة حتى تكون الرؤية واضخة من خلال العمل، لتتناسب النتيجة مع الجهد المطلوب والبحث الجاري.
** نعم صحيح، فالعمل الكبير يحتاج إلى إمكانية كبيرة وجهد أكبر، بالإضافة إلى مكان أكبر لمشاهدة العمل وقراءته بشكل صحيح، حيث للعمل الكبير رونقه الخاص، والفنان هنا يرتاح بالتعامل مع مادة ضخمة، وأنا يمكن أن يكون عملي على ذلك من هذه الزاوية، ويمكن أن يكون له علاقة بالفكرة فهناك أعمال تكون جميلة على الرغم من صغرها وأخرى أجمل عندما تكون أكبر.
** من خلال عملية البحث يحتاج النحات إلى فلترة طويلة لإقامة معرض خاص به، أقصد بفترة طويلة تحتوي على نضج فكري أكبر، فالمنحوتة يمكن أن تطول في عملها سبعة أشهر، ومن خلال العمل يتراسم الوعي الفني المعرفي، وهذا الوعي يمكن أن يتدرج لإنجاز حلول لتبسيط الفكرة والدخول إلى الاختزال أكثر، فالتكثيف أكثر، ذلك لأن العمل القديم يصبح غير قادر على تعبئة فكرك، وكما قال أحدهم الفن هو قول أشياء كبيرة بمفردات صغيرة، ففي معارضي السابقة بحثت في موضوع الأسطورة والحضارات القديمة، كما استعرت رموز وإشارات كثيرة فيها، أما في معرضي الأخير فاعتمدت على الاختزال والتكثيف، السطوح والنسب، فحتى في بعض المراحل يمكن إلغاء نسبة وإضافة كتلة أخرى للوصول بالعمل إلى الحدود التجريبية الإيحائية، وهنا وصلت إلى درجة يمكن لقارئ العمل الفني أن يتذوقه، وانتقلت في المراحل الأخيرة؛ إلى التجريبية الإيحائية والتبسيط، العمل الفني يجب أن يقول شيئاً ما، وحتى يقول الفنان مقولته يجب عليه الاعتماد على الكثير من الأشياء كالرموز والعناصر الحيوانية، ومحوري الأساسي هنا الذي أعمل عليه هو الإنسان، فأنا أريد قول ما بداخلي من خلال الأعمال وإلى جانب ذلك أعمل على الناحية الجمالية البصرية، فأحاول تقديم فكرة مع تركيب جمالي بصري.
** إنني دائماً أقدم القضايا القديمة المتجددة، فقضايا الإنسان هي واحدة منذ فجر التاريخ إلى الآن، نحن نختزله من خلال الصراع بين الخير والشر، فهذا الصراع أدى إلى مواضيع ثانوية أخرى يتجلى بالحرب، الصراع والفلسفة، وتجليات الخير والشر تظهر بأشكال مختلفة من خلال عصور مختلفة، وهي نتاج وعي بشري، ونتاجات الوعي البشري يختلف من عصر إلى آخر حسب احتياجاته، فكل المبدعين معنيون بهذه العملية وبالتالي يختزلون هذا الواقع من خلال قلوبهم من صفة واقعية إلى الصفة الفنية، وهنا هذه القضايا إن كانت الأمومة أو الطفولة أو الحرية هي قضايا الفن القديمة المتجددة، ومشاكل قديمة متجددة يمر بها الإنسان، والفنان هنا من أهم الناس المعنيين بكشف هذه الحالة، يجب على الفنان أن يبقى فناناً يقدم قيمة بصرية مع حالة إنسانية قد تكون عامة أو خاصة بمشاعره ويحس بها، وفي هذه الحالة يقوم بخدمة قضية قديمة متجددة والتي تكون قضية الصراع بين الخير والشر.
** إن الخامات لها علاقة كبيرة بالفكرة، فعندما أريد قول شيء ما، بالتأكيد يمتلك فكرة أو مخزوناً ما، وهذه الفكرة يمكن أن تتركب على الحجر أو الخشب باعتبار أن لهم خواص يمكن تسميتها شخصية المادة، فشخصية المادة تفرض نفسها بأن تتلاءم مع الفكرة أو لا، فمثلاً يمكن أن يكون الحجر، وذلك لأن الحجر يرمز إلى الثبات والاستقرار، والخشب يتحمل فراغات يمكن تعليقه على الجدران ويمكن أن يكون حراً في الهواء، والمعادن يمكن تشكيلها بطريقة مناسبة، فهناك قضايا تخدم الفكرة من خلال الخامة وفرض شخصيتها على الفنان.
وهنا يقول النحات "علي خضر" عن رأيه بأعمال "صالح نمر": «إن التشكيل والتكوين لديه يعتمد على التخلص من الجاذبية الأرضية عبر منحوتة متحررة فيها حركة ديناميكية، إضافة إلى استخدامه لرموز دقيقة وجميلة، كما أننا نلاحظ أن الفنان يركز على المضمون والموضوع بشكل كبير وبدقة، كما أن هناك منحوتات وصل فيها إلى مرحلة متميزة وجيدة وأصبح فيه التكوين متحركاً وجميلاً مع حداثة واضحة، أما القيمة البصرية التي رأيتها في أعماله الأخيرة فإنها تمتلك قيمة عميقة وحركة فيها غنى تعبيري وحركة تشكيلية قوية، وهنا أود القول بأن الفن تحرر في بداية القرن الماضي من الواقعية المباشرة فأصبح في داخل الفنان حرية أكثر بتبسيط الأشكال الواقعية وصياغة تشكيلات خاصة به، و"صالح" أحد هؤلاء الفنانين».