تعد الموسيقا السورية من الأصناف الموسيقية التي تطورت كثيراً في المرحلة الأخيرة من عمرها، ولعل انتشار العازفين السوريين بشكل كبير بين أنواع موسيقية مختلفة كان دليلاً على غنى الهوية الموسيقية في سورية رغم تعدد اتجاهاتها.
موقع "eSyria" بتاريخ 5/8/2010 التقى "باسل رجوب" عازف آلة "الساكسفون" ليحدثنا عن ألبومه الجيد ويتطرق إلى غنى الهوية الموسيقية في سورية، فكان لنا معه هذا اللقاء.
إن "خمير" خليط بين الموسيقا الشرقية وموسيقا الجاز التي ألفتها بنفسي، وهناك إدخال للموسيقا التركية والإيرانية بشكل عام فيه، بالإضافة إلى أن الألبوم يتضمن أغنية واحدة أرمنية تغنيها "لينا شماميان"
بداية يحدثنا عن ألبوم "خمير" فيقول: «إن "خمير" خليط بين الموسيقا الشرقية وموسيقا الجاز التي ألفتها بنفسي، وهناك إدخال للموسيقا التركية والإيرانية بشكل عام فيه، بالإضافة إلى أن الألبوم يتضمن أغنية واحدة أرمنية تغنيها "لينا شماميان"».
عن معنى تأليف موسيقا تركية أو إيرانية لفنان سوري، يقول "باسل": «بإمكاننا القول إن الإحساس الخاص بالموسيقا بشكل عام مأخوذ من الموسيقا التركية أو الإيرانية، بمعنى أنه ليس عربياً شرقياً بالمعنى الحرفي، بل نستطيع أن نقول إنها موسيقا فيها الروح الشرقية بشكل عام "إيرانية، تركية، أذربيجانية، أرمينية"..إلخ».
أما إجابته عن اختياره لهذه التوليفة وبهذا الشكل فكان: «يرجع ذلك للتأثر بهذه الأنواع الموسيقية لكونها موجودة لدينا أساساً في سورية، يضاف إليها أيضاً الموسيقا اللبنانية، المصرية، والكثير من الموسيقا التركية في المناطق الشمالية خصوصاً، بالإضافة إلى وجود الموسيقا الإيرانية فيها، ومن كل هذا تأثرت وظهرت في ألبومي الأخير».
وعن الصيغة النهائية للألبوم، وإن كانت آلة "الساكسفون" قد فرضت هويتها عليه يقول: «تستطيع أن تعزف على آلة "الساكسفون" الموسيقا التركية أكثر من الموسيقا العربية الشرقية، فتصميمها صادف أنه يتناسب من ذاك النوع من الموسيقا أكثر من تناسبه مع الموسيقا العربية الشرقية، ولهذا تجد في الوطن العربي هناك خمسة أو ستة عازفين يعزفون على هذه الآلة بشكل احترافي ولكنهم أيضاً متأثرين بالموسيقا التركية أكثر، لأن طبيعة هذه الآلة تجبرك على الاقتراب من الموسيقا التركية أو الإيرانية أو حتى الموسيقا الأرمينية بشكل أقل نتيجة لطبيعة صوت الآلة. وأنا صادف معي الخياران بأني أعزف "الساكسفون" ومتأثر بهذه الموسيقا فكان الأمر مصادفة بالنسبة لي».
وأجاب عن سؤالنا: خلال التحضيرات لهذا الألبوم هل أخذ بالحسبان أو راعى كيفية تقبل الجمهور السوري لمثل هذا العمل؟ فقال: «كما قلت الهوية الموسيقية في سورية متعددة الاتجاهات، هناك القليل من الفنانين الذين يعملون على موسيقا بملامح سورية واضحة، فلا نستطيع القول عنها بأنها موسيقا عربية بالمفهوم العام، مثلاً هناك قدود في "حلب"، وهي طريقة معينة للمقامات وخاصة بـ"حلب"، وهذا ينطبق على أنماط في "الشام، اللاذقية، الجولان وحوران"، فهذا البلد لا يوجد له هوية كبيرة مثل الموسيقا الإيرانية مثلاً، وعلى أرض الواقع إذا فتحت الراديو فإنك لن تجد ما يسمى موسيقا سورية، ربما تستمع لـ"صباح فخري" أو للقدود لتسمع موسيقا من "حلب"، ويمكن أن تجد في "السويداء" أغنية جديدة كل فترة زمنية طويلة، فلا نستطيع القول إننا نملك هوية موسيقية واضحة في سورية، بنفس الوقت إذا ذهبت إلى "حلب" أو المناطق الشمالية من سورية تجد الموسيقا التركية أكثر حضوراً من الموسيقا التي وصلتها من باقي الأماكن السورية، وهذا أمر طبيعي أن تكون متأثراً بهذه المناطق، وإذا ذهبت إلى "دير الزور" مثلاً تجدها متأثرة بالموسيقا "العراقية"، فلا نستطيع القول إننا نملك موسيقا سورية بشكل واضح هذا هو المشهد الموسيقي في سورية، فكل منطقة متأثرة بموسيقا المنطقة التي تجاورها».
وعن إمكانية القول إن مثل هذا العمل وبهذا التنوع، يمكن أن يحقق انتشاراً أوسع وسماعاً أكثر في سورية أو في العالم يقول "باسل رجوب": «من الواضح أن ما ينتشر في سورية هو الفن الشعبي، فإذا فتحت الراديو تجد 99% موسيقا شعبية، و1% تجد "فيروز" بين الساعة السابعة والتاسعة صباحاً، وأكثر من هذا لا يوجد، فهذه المعادلة المتعلقة بالانتشار محدودة في سورية بما أن 90% من الناس يستمعون للموسيقا الشعبية، أو ما يسمى حالياً بالموسيقا التجارية، أما في العالم فهذه مسألة أخرى ولم أفكر فيها بعد».
وعن شعوره بالمقامرة في هذه التجربة يجيب: «لا أشعر بأني أقامر، أنا لا أؤمن بهذه الطريقة في التفكير، لقد وزعت ثلاثة ألبومات لـ"لينا شماميان"، والمفاتيح المتعلقة بالنجاح واضحة جداً في سورية، ليست عبارة عن أمر مدروس تصل إليه من خلال الترتيب وفق معادلة رياضية، هناك بعض مفاتيح النجاح التي قد تكون بالمصادفة وغير متعلقة بالعمل الدؤوب، فأنا أطرح هذه الموسيقا التي أحبها فقط لا أكثر، ليس لدي طموحات أن تكون هذه الموسيقا على الراديو طوال اليوم، أو أن تكون في أماكن غير مناسبة لها».
وعن طموحه في أن تحقق أعماله انتشاراً أوسع وأن تدوم، يقول "باسل رجوب": «أجل، نحن الموسيقيون السوريون دائماً نطمح أن يكون الاهتمام بنا أكثر، وأن نحصل حتى على 1% مما يحصل عليه الفنانون الآتون من الخارج، هناك أسماء إبداعية سورية كثيرة، وأنا أتمنى أن يُسأل هذا السؤال لماذا لا نركز على أن يكون هناك هوية إبداعية لهذا البلد؟ ويكون الموسيقيون جزءاً من هذه الهوية، نصدرهم ونهتم بهم كمبدعين أفضل من أن نعمل مهرجانات نأتي بـ 90% من الفنانين من خارج البلد ونعطيهم 90% من ميزانية العمل الثقافي، فهذه أمنياتنا نحن الموسيقيون، وحسب خبرتي بالعمل الذي حصل بمشروع "لينا" من الأول، فالمسألة غير متعلقة بالتسويق بقدر ما هي متعلقة بأننا لا نملك شركات إنتاج أو سوق لبيع الأقراص المدمجة، فهذا أمر يحتاج للمجيء بالعكس من الخارج، هناك أشخاص عملوا مشاريع مهمة وانتظروا وقتاً طويلاً دون دعم، وهناك من عمل مشروعاً صغيراً في الخارج ووجد الدعم المناسب له، وهذا ما حدث مع "لينا"، لولا جائزة "مونتي كارلو" في عام 2006 كان يمكن ألا تجد أحداً يعمل حفلة لها، من هنا أقول إن التسويق هو المقامرة في سورية، إضافة إلى أن الأمور مقسمة هنا، فمثلاً في الصيف يوجد مهرجانات وفي الشتاء لا يكون هناك أي نشاط، وإذا علقت حرب في أي مكان في العالم بالصيف تتوقف الأنشطة، فهنا تكمن المقامرة، وهذا له علاقة بكيفية طرحك للأمر».
"نارك عباجيان" موسيقي وعازف "كيبورد"، يقول: «العمل الأخير لـ"باسل رجوب" عمل مهم وذو سوية فنية راقية جداً، ومن المفروض أن يكون هناك تشجيع أكثر لهذه التجربة الإبداعية بما أنه موسيقي سوري ومهم، ولكن كعمل موسيقي فهو طبعاً عمل خاص، فالتنوع الموسيقي واضح جداً فيه، حيث خلط بين الموسيقا الشرقية والغربية المائلة للون التركي أكثر، واللون كان مميزاً جداً، أما "باسل" فهو عازف بارع جداً كما أن الموسيقيين الذين معه مهمون أيضاً».
أما الأستاذ "نادر عيسى" عازف "ساكسفون" وصديق لـ"باسل رجوب"، فيقول: «حسب معلوماتي "باسل" يقضي ما بين ثماني أو تسع ساعات من التمرين يومياً، وهو تخرج في المعهد العالي للموسيقا كعازف "ترنبيت" ومن ثم اتجه لـ"الساكسفون" وخلال سنتين أو ثلاثة استطاع أن يقطع شوطاً لا يقطعه الآخرون بخمسة عشر عاماً، بالنسبة لي كعازف "ساكسفون" وصديق قديم لـ"باسل" أقول رأيي وبكل صراحة بأن "باسل" أهم من يعزف "الساكسفون" في سورية».
السيدة "رحاب ناصر" مديرة دار الفنون تقول: «أنا أعتبره كعازف "ساكسفون" مهم جداً، وهو صاحب مشروع جاد، فأول مرة أقمنا نشاطاً لـ"باسل رجوب" في "دار الفنون" كان في عام 2008 عند إطلاقه ألبومه الأول وبمشاركة من "لينا شماميان" وهذا ألبومه الثاني يطلقه أيضاً من "دار الفنون"».