"تأتي تجربة الفنان التشكيلي "وضاح السيد" الأخيرة في رحلة بحث تنوعت مناحيها، إلى أن وصلت لحالة بعد التأمل، يسعى من خلالها للانعتاق في فضاء تشكيلي رحب، هذا ما ظهر في معرضه المشترك الذي أقيم مؤخراً في صالة "السيد" والمعنون "نيرفانا".
موقع eSyria التقى الفنان وعن تجربته الأخيرة كانت البداية. عن سبب اختيار "نيرفانا" عنواناً للمعرض، حدثنا أن: «"النيرفانا" هي حالة، وليست موضوعاً، أصول الكلمة هندية، تعني طريقة من التواصل والتسامي الروحي مع الخالق، أخذت روح وجوهر فكرة "نيرفانا" لنعيش حالة تنتمي للـ"نيرفانا"، في الدار (دار السيد للفنون) عندما نرسم اللوحة، نجسد حالة روحية في الطريق لإنجازها، وهي تتمثل بحالة "النيرفانا" بشكل ما، فحين نسمو بعلاقتنا مع اللون المرسوم على السطح الأبيض، تظهر حالة التسامي الروحي في العمل الفني، هذا أمر تلقائي، غير خاضع للتخطيط، لأن التخطيط ربما يؤدي إلى الافتعال والتصنع».
سوف أتكلم عن حالة التلقي المباشرة التي وصلتني، فأنا لست ناقداً، أعمال "وضاح السيد" تغوص في الحالة الداخلية والانفعال الذاتي العميق، الذي لا يلبث أن يطفو على سطح اللوحة فاضحاً الحالة التي تعيشها المرأة في تلك اللحظة
وعما إن كان يعتقد أن التقنية التي استخدمها (ضربات عنيفة، وسماكة في اللون) قد خدمت حالة التسامي التي يسعى إليها، أجاب: «هذا الأمر يختلف من كيمياء شخص لآخر، كلٌ يعبر عن حالته المختلطة بكيمياء روحه بطريقته، لذلك لوحتي هي غير لوحة أي فنان آخر، وموضوعي غير موضوعه، هذه الحالة موجودة في التاريخ البشري، ويمكن أن نشعر بها داخلة فينا بإطار معين، وتأخذ شكل الأسطورة بسبب صفات "النيرفانا"، التي يصعب الوصول إليها، من التخلي عن الشهوات إلى التأمل والانعتاق.
هناك طريق لهذا أدعو إليه عندما أشتغل اللوحة، بمعنى أن حالة التسامي الروحي هي بانتسابي إلى لوحتي، إلى الروح المحضة فيها، إلى تلك العلاقة الروحية الخاصة. بعض اللوحات أو بعض الطرق الفنية تنتسب لحالات فكرية، أو تجارب حياتية معينة تنتج عنها اللوحة، أما اللوحة التي ننتجها في الدار (دار السيد) تنتسب لحالة روحية محضة، فيها محاولة للتسامي، والابتعاد عن الضوء، البهرجة والزينة، لذلك تجد في لوحتي الأنثى تأخذ هذا الشكل المقدم بها، وأراها بوابة للتعبير عن معاني نبيلة، وسامية في الحياة».
وإذا كانت "النيرفانا" التي تخصه بحاجة لوحدة الشخص وخلوته مع ذاته بعيداً عن الرفيق، يقول "وضاح": «أنا أتقصد الوحدة وأركز عليها، بل أتمناها دائماً في لوحتي، وأسعى لأن يقرأ المشاهد نفسه فيها، لا أن يقرأ الآخر أو يقرأني، ربما عند رؤية حالة الحيرة، قد يكون داخل نفس المتلقي حيرة، ونقلت له باللا وعي من داخل لوحتي، آخرون وقفوا وشاهدوا اللوحة بتعليق مختلف تماماً، لا أستطيع القول بأن هذا يمتلك الحقيقة المطلقة، وغيره لا يمتلكها، بل أركز على عنوان مهم جداً، وهو الإيحاء، إذا فقدت اللوحة إيحاءاتها، وتحولت إلى مشهد مباشر، ينطق بنص واحد، فهذا يسيء إلى اللوحة، وينال من مقامها وقيمتها، أعتبر الأمر الصحيح هو أن رؤية لوحتي وتحليلها بصرياً مع بداية اللا وعي لدى المشاهد، وبالتغلغل ضمن الحالة البصرية، فالإنسان يتكلم ما قرأه وربما يكون قد قرأ نفسه».
وعن مرد استطالة المرأة لديه، وعلاقته بأنماط من الرسم القديم كالفرعوني مثلاً، يوضح: «من المؤكد أن هذه الاستطالة، أو نسب الجسم الأنثوي لدي ترجع لحالة من اللا وعي لدي، حالة بصرية، ربما تركيبتي تعتمد نسبة كبيرة (95%) على الحالة البصرية، اللا وعي لدي والذوق البصري يميل وينتمي لحالة الاستطالة لا أستطيع أن أقول أكثر من هذا، لا أعمل حالة التطاول كنوع من التشبيه أو التقليد لنمط تشكيلي أو لنمط رسم قديم.. لا.. فهذه حالة لدي باللا وعي».
وباستخدامه أكثر من أسلوب في لوحاته، وأكثر من تكنيك، يوضح: «أنا أرى أني أعمل بطريقة واحدة، وأعرف بالضبط ما أعمله، عملية البناء اللوني والتشكيلي هي بالطريقة ذاتها، تتكرر لكن بتكوينات مختلفة. لذلك في بحث بصري متأنٍ لكل لوحة، نكتشف الصيغة الحركية ذاتها، الشكل، الطريقة، لكن بتكوينات جديدة.. طبعاً أؤكد هذا الكلام 100%، لأني أعيش هذه الحالة، وأعرف ما أعمل تماماً.. لكن هناك بين اللوحات المشاركة في المعرض زمن معين، من الممكن أن يغير الحالة اللحظية، اللوحة الأولى (أشار إلى لوحات معلقة على الجدار) فيها الحركة الشديدة، لأنها ترسم لحظتها، وقتها، لذلك أنا اعترض على فكرة منتشرة في محيطنا الثقافي، تقول بأنه يجب أن تتشابه اللوحات تقنياً».
وعما إن كان يعتبر أنه من المعيب أن يستخدم الفنان التقنية ذاتها؟ يجيب: «هذه فكرة يروج لها.. لا أفترضها عيباً، لكوننا دائماً حينما يتقدم فنان بشكل ما، يقولون: إن هذا مجرب بارع، واللوحة هي مختبر للتجارب، عملياً عندما يكرس هذا الشيء بفهم اللوحة، فإن عملية التجريب تأتي ضمن النسق الروحي لدى الفنان، هو يجرب باستمرار، ولديه مسؤولية تقديم الجديد دائماً، ولا يمكنه تقديم الأمر ذاته. أنا على مدى 20 سنة أسمع من يدعون أنهم نقاد تشكيليون هذا الكلام وأعترض عليه بشدة. وإذا سمعت آراء وأفكار أكبر الفنانين التشكيليين في العالم تجد أن لديهم نفس الاعتراض ولكن بشكل مبطن، أو ربما بشكل مباشر. ومنهم الأستاذ الفنان "عمر حمدي- مالفا" الذي يعترض بشدة على هذا الكلام، ويقول: أنا في كل لوحة لدي أسلوب، وكل لوحة عندي هي أسلوب بذاتها، وهي طريقة. فقد سألوه مرة: لا نشعر بوجود أسلوب موحد بين لوحاتك؟.. وهذا السؤال كان ضمن نطاق تلفزيوني.. فأجاب: أنا أسلوبي هو اللاأسلوب.. بمعنى أنه شخص مجرب، أكيد أن هناك ميولا بصرية، وأكيد أنه ينتمي لشيء معين معتمداً على ثقافته ومخزونه البصري».
السيدة "إلهام باكير" مديرة صالة "السيد" للفنون التشكيلية تقول: الفنان "وضاح السيد" يقدم تجربته الأخيرة في معرض "نيرفانا" وهو يحلق في عالم صوفي في محاولة للتوحد مع كل ما هو سامٍ، وقد سبق أن أقام معرضاً في هذه الصالة في عام 1996 وكان معرضاً ناجحاً، ويعود بعد غياب ليؤكد تألقه رغم الانعطافات التي حدثت في تجربته».
الفنانة التشكيلية "ساميا نحاس" تقول: «لقد سبق أن حاولت تعلم الفن في أكثر من مركز تعليمي ولكني لم أجد نفسي إلا من خلال التجربة التي خضتها في دار "السيد" للفنون، فقد تتلمذت على يدي الأستاذ "وضاح"، الذي لديه القدرة على التواصل مع جميع طلابه، ومنحهم أقصى ما يستطيع من العلم والمعرفة التي تخدم تجربتهم مهما اختلفت مستوياتهم، وأذكر أنه في الدرس الثاني لي في الدار كان قد قال لي في الدرس الأول كنت طالبة أما الآن فأنت زميلة، وهذه الكلمات جعلتني أشعر بثقة أكبر».
السيدة "هناء العيسى" تقول: «ما يشدني إلى لوحات الفنان "وضاح السيد" هي الحالة الوجدانية التي تشعر بها عند مشاهدتك الأعمال، فالمرأة عنده في حالة تسام، والحب عندها واضح في جمع الحالات، وهذه نقطة تحسب له بأنه استطاع تلمس الحالة الوجدانية للمرأة بشكل كبير، وكنت أعتقد أنه لا يستطيع الوصول إلى هذه الحالة من التلمس إلا المرأة الفنانة».
وتحدث "رامي العجوري" يدرس الفن دراسة خاصة، بالقول: «سوف أتكلم عن حالة التلقي المباشرة التي وصلتني، فأنا لست ناقداً، أعمال "وضاح السيد" تغوص في الحالة الداخلية والانفعال الذاتي العميق، الذي لا يلبث أن يطفو على سطح اللوحة فاضحاً الحالة التي تعيشها المرأة في تلك اللحظة».
والجدير ذكره أن الفنان "وضاح السيد" تخرج في كلية الفنون الجميلة في "دمشق" عام 1990، اختير كممثل للفن التشكيلي السوري للشباب في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1996، أسس دار "السيد" للفنون 1998، وهو متفرغ لتدريس الفن، ألف كتاب "التقنيات الروحية لتعليم الرسم" عام 2007.