بين المسيح والأرض يتنقل "جورج بيلوني" بألوانه وتقنياته التشكيلية ليرسم لنا لوحات جدارية تتعلق بصمت إبداعي وراء كل ذرة من التراب، ولينسج بذلك لنا أختاماً وصوراً بصرية لحضارة سورية تعبق منها رائحة الأرض.
موقع "eSyria" وخلال متابعته للمعرض الأخير الذي أقيم في "آرت هاوس" للفنان التشكيلي "جورج بيلوني" التقى مع عدة تشكيليين مختصين ليحدثونا عن عوالم تلك اللوحة والألوان التي ارتبطت بمفاهيم ورموز فلسفية داخلها.
الانطباع الأول الذي أخذته الارتباط بتاريخ الشرق والمنطقة، فهي لوحات تتطرق بعمق إلى هذا التاريخ الذي يكمن في حضارتنا، هناك تنوع في أعماله، وتصوف إلى حد معين، واعتقد أنه من الضروري أن يكون هناك طريقة لرموز غير مباشرة توصل المتلقي لنفس المكان الذي أصل إليه بالقيمة البصرية للشكل
البداية كانت مع التشكيلي "طلال معلا" الذي قال: «لا يعنيني الإشارات المباشرة باللوحة لأن الفنان بالنهاية لا يتعامل بوثيقة وإنما بلوحة بصرية وزمن نراه اليوم أو لا نراه، وهنا نتساءل هل تعبر هذه اللوحة عن أفكارنا المعاصرة، هل تعيش معنا فعلاً، هل نحن معجبون بهذا الشكل؟..هذا يعنيني قبل كل شيء، فالأعمال تحقق هذا الشيء، لأن فيها رائحة الأرض قبل رائحة الوثيقة، فيها رائحة استمرار الأرض وشيء من التراب الأحمر بشمال "حلب"، فيها استمرارية الإنسان والأرض المجبولة بدم المعرفة ولحم الأفكار التي تواردت على نفس المنطقة، وعندما يستخدم "جورج" هذه الموتيفات في أعماله اليوم يحاول أن يصل إلى شكل معماري معاصر أكثر يقدم من خلاله اللوحة، وذلك إلى جانب الموتيفات والعناصر والأختام والدوائر التي يستخدمها ليبني من الكل حالة لها علاقة بالعصر والزمن المعاصر، فلا يكفي أن يعود الفنان إلى التاريخ ليستقي من الوثيقة صورة بل يحوّل هذه الصورة أيضاً، عندما نرى وجها جانبيا لسومري كما أكد الملوك السومريون أن يرسم جانبياً ودون أن يكون هناك فرق بالشبه، يأتي "جورج" ويضع الشبه ويأتي في الوجه مباشرة هو لا يكتفي بالجانبي، بل يحاول أن يضيف من خلال أبحاثه البصرية أشياء معاصرة لتكون اللوحة بنت اليوم وليست بنت التاريخ».
يتابع "معلا": «هي لوحات موجهة للإنسان بشكل عام، حيث هناك أفكار يحولها الفنان إلى أشكال، فكل استخداماته وسائل لتصل الأفكار المعاصرة للناس، فهو يقول في لوحاته أن هذه الأرض التي رائحتها تغزو الأطفال اليوم قادرة على العطاء كما أعطت أكثر مما تكون متوجهة للكنيسة أو المسجد، إنها أعمال في إطار تشكيلي بصري يطرأ على هذا الجانب».
أما الفنان التشكيلي "جورج بيلوني" فيحدثنا قليلاً عن لوحاته قائلاً: «هذا العمل له علاقة بالرموز التاريخية قبل الميلاد في المنطقة التي أعيش فيها وصولاً إلى اللحظة الحالية، أعمل منذ سنوات على فكرة الرموز السورية القديمة وكيف تقدم بشكل معاصر من خلال لوحة تشكيلية معاصرة للمتلقي، هذا الموضوع يهمني من خلال الخصوصية المطروحة عبر اللوحة السورية؛ كيف أن تصل إلى العالم من خلال الواقع الحديث الذي نعيشه بفكرة قديمة».
يتابع: «أما التكنيك لدي فيخدم الفكرة كثيراً، حيث أعمل على الزمن والطبقات التي استمتع بها في اللوحة، وهناك مجموعة من الأعمال الجديدة التي اشتغلت عليها بفكرة الكولاج، وهناك أعمال تعطي فكرة "يسوع الإنسان" الذي كان يعيش كإنسان وليس كإله، وهنا برأيي يجب أن يكون أي عمل فني فيه الجانب المترابط هو الجانب الفكري والفني، يجب أن يكون هناك تناغم وتماش مع بعضها بعضاً، فالعمل التشكيلي إذا لم يلتق فيه العامل الجمالي مع العامل الفكري يسقط بشكل جاف مباشر».
الناقد التشكيلي "سعد قاسم" يقول: «هناك رابط بين اللوحات، فقد حاول أن يظهر القيمة الجمالية للوثيقة الورقية، وهو يعتبر أنها استمرار واحد مع بعضها من خلال الكتابات الورقية المسيحية والإسلامية، هو يأخذ هذه الصورة ويعود لمنطق التعتيق وإظهار القيمة الأثرية للعمل التاريخي القديم، وقد دخل بتقنيات التعتيق التي توحي بقدم العمل، البراعة كفنان تشكيلي أنه يلعب ببراعة شخصية وجهد شخصي كرسام وتشكيلي، ويطلعنا بنفس الوقت على القيمة الجمالية الموجودة بهذه الأشياء، أعماله الأخيرة ترجعنا إلى عالم تاريخي لا ينتمي لحقبة زمنية واحدة، حيث يوجد قاسم مشترك بين الإبداعات الفنية الموجودة في منطقتنا قديماً، وكلها في إطار فلسفة جمالية شرقية واحدة، إنه حضور قوي للتاريخ في أعماله، كما أن استخدامه للخاتم هو من ابتكارات الحضارات السورية عند البابليين والسومريين، فالخاتم كان يستخدم لختم وثائق تاريخية مهمة، وكانت وثيقة فنية مهمة جداً، وهو حاول استخدام أختامه على الوثائق مخلفاً لنا قيمة بصرية جمالية خاصة به».
الفنان التشكيلي "أحمد معلا" يقول: «بتصوري النزول لأي عنصر بصري وإعادة صياغته ودمجه وتحضيره، وتحويله من حالة رسمية إلى حالة فنية هو قدرة على خلع لبوس معين عن هذا الشيء وتحويله إلى قيمة أخرى، فالختم الذي كان يوحي بقدسيته الرسمية والصلاحية يتحول فجأة إلى بُعد فني مثل أي ختم مشاغب، فبالتالي تحويل المنجز البصري والرسمي إلى منجز ذي بُعد نوعي فنياً، يعني محاولة لإثارة الأسئلة حول قيمة الرسمي والمقدس، وجرأة التعامل مع مواضيع ذات طابع قدسي، هي نوع من محاولة الإشارة إلى أن هذه العودة للتاريخ مجدداً يعني أننا نملك هذا المكان من العالم، ويجب إعادة النظر في كل الأمور التي تحيطنا، هي العودة إلى الوثيقة بمعناها التاريخي، النفسي والروحي، بمعنى أن هؤلاء الناس الذين صنعوا هذه الثقافة هم أجدادنا، أما طريقة صياغة العلاقة مع الفراغ فهي جيدة، فالشكل وعلاقته بمفاهيم البنية البصرية للناتج مهمة، وهنا أتمنى أن ينتقل الفنان من قراءته للسطح بهذا الحضور الواحد إلى مجموعة من السطوح تتراكم، بمعنى طريقة دمجها مع بعضها بعضاً يمكن أن تشكل قيمة تشكيلية دون أن تكون لوحة، أتمنى أن يصنع أعمالاً ليست للجدران».
التشكيلي الشاب "خالد البوشي" يقول: «الانطباع الأول الذي أخذته الارتباط بتاريخ الشرق والمنطقة، فهي لوحات تتطرق بعمق إلى هذا التاريخ الذي يكمن في حضارتنا، هناك تنوع في أعماله، وتصوف إلى حد معين، واعتقد أنه من الضروري أن يكون هناك طريقة لرموز غير مباشرة توصل المتلقي لنفس المكان الذي أصل إليه بالقيمة البصرية للشكل».