اللون وحركة الريشة العشوائية تحلق في عالم اللوحة عند الفنان "عصام حمدي" "نوريم"، الذي يحوك لوحته بالكثير من الإبداع في اللا منطق واللا وعي، معبراً بألوانه عن إحاسيسه اللونية عبر خطوط لونية فارغة تحوم حول تخوم الإبداع التشكيلي لديه.
موقع "eDamascus" حول أعمال الفنان "نوريم" التقى التشكيلي "زهير حسيب" الذي قال: «إن "نوريم" يرسم في عالم يخص ريشته، فيحاول أن يخرج من إطار المدارس التشكيلية ليضع حروف ألوانه على سطح اللوحة ومن ثم يبدأ بعملية الخلط من خلال أصابعة وأدواته الخاصة، يتجول مع اللون في عالم خاص ليخلق بورتريهات تشكيلية تبعث الأسئلة في داخلنا، إنه من الفنانين التشكيليين السوريين الذين يمتلكون رؤية خاصة في العمل الإبداعي بادوات يمتلكه وحده».
إن "نوريم" يرسم في عالم يخص ريشته، فيحاول أن يخرج من إطار المدارس التشكيلية ليضع حروف ألوانه على سطح اللوحة ومن ثم يبدأ بعملية الخلط من خلال أصابعة وأدواته الخاصة، يتجول مع اللون في عالم خاص ليخلق بورتريهات تشكيلية تبعث الأسئلة في داخلنا، إنه من الفنانين التشكيليين السوريين الذين يمتلكون رؤية خاصة في العمل الإبداعي بادوات يمتلكه وحده
أما الفنان "عمر حمدي" "مالفا" فيحدثنا عن علاقة اللون بلوحات "نوريم" وعن إحساسه هو بأعمال شقيقه الفنان، فيقول: «في صيف 2008 سنحت لي الفرصة لأن أتعرف وللمرة الأولى على جملة من أعمال الفنان "نوريم" "عصام حمدي" الأخيرة، وكانت دهشتي بحجم المفاجأة كبيرة؛ لأنني أعرف "نوريم" منذ ولادته، كيف كان بعينيه الواسعتين، يتأمل بهدوء، وصمت، ثم سافرت إلى "فيينا" لأعود بعد ثلاثين عاماً، ولنلتقي ثانية، وهو لا يزال يتأمل بهدوء وصمت وخجل؛ يسحب جسده إلى زاوية الحوار، وكأنه بلا ظل، بلا صدى».
يتابع: «درس المحاماة، ولم يدرسها؛ لكنه ظل يملأ بالموسيقا والانتظار، وهو يحمل المسؤولية الكاملة اتجاه أفراد العائلة الكبيرة بعد غياب الوالد، يؤجل تراكماته سنة بعد سنة، إلى أن استقر على امتداد اللوحة الجديدة حيث يتحدث، تدرك بوضوح أنه يرسم بتفاصيل جديدة، وبثقافة منفردة متطورة، تسمع الكلمات المتبقية في آخر الليل وكأنها صدى لجدلية بين الفراغ والزمن، إيحاءات لوحة طرية، تحرضك على الرسم، وتتذكر أن الشوق للون بدأ بالتحرر، فيتركني ويصعد إلى الغرفة "المرسم"، أربع جدران وكأنها ساحة صراع بلا مخارج؛ يضع قماشاً واسع المساحة على الأرض المليئة ببقع اللون، وبقايا الأصابع الترابية، فراشٍ مرمية، صحون اللون الممدة، أقمشة وسجاجيد من أمكنة مهجورة؛ ثم يبدأ كالمحارب في ساحات الدم.
تتحرك الفرشاة مع الجسد في أربع اتجاهات، بلا رحمة أو تردد يقتل الفراغ الأبيض، تسيل الألوان وتتلاقى اللمسات السريعة كالأنهار، وكأن الفيضان في بدايته، وتمر اللحظات تسمع وقع الفرشاة، وقع سمفونية تأخذك إلى مجزرة إبداعية اسمها "اللوحة"، ثم تخرج اللوحة خارج رياضيات التكوين وتقنيات الاحتراف، مثل عروس فقدت عذريتها، نتأملها سوية، فأخجل من نفسي، أتحول إلى صمت، امتلئ بالسعادة وأصبح بلا ظل».
يضيف "مالفا": «هكذا أمضيت أيامي في مشغل "نوريم" خارج "دمشق"، وعدت إلى "فيينا"، إلى مرسمي مثل ذلك الراعي الذي فقد أغنامه، جلست في المساء، وضعت الموسيقا التي يسمعها "نوريم" وبدأت أكتب، أو ربما بدأت أحاول أن أتذكر الزخم الذي حملته معي من أعمال "نوريم"، حجومها، عوالمها، لغتها، انتماءها، وموقعها في عالم فن هذا اليوم.
تذكرت أعمال "sam francis، franz klein، William de kooning، jachsan Pollock" وتجربة "التجريدية التعبيرية" في بدايات 1947، هذه التسمية التي ذكرت لأول مرة في "ألمانيا" سنة 1919 في جريدة "شتورم" الألمانية حول أعمال "Kandinsky"، ولم تكن هذه التجربة الأمريكية حدودها نيويورك" فحسب، فسرعان ما تحولت إلى اتجاه عالمي أنثاء الحرب الباردة، وبعد دخولها قاعات "Guggenheim museum"، مع أن "جاكسون بولوك" كان دائماً معارضاً لهذه التسمية ومصراً على "drip painting" في اتجاه أعماله، كانت التجربة تعتمد على المقولة بأن الطبيعة "الواقع" عبارة عن فوضى والفنان يشكل تنظيماً لها، أو يسعى إلى تنظيم الفوضى الموجودة في داخل الفنان نفسه، لم يكن أولئك الفنانون يخشون التغيير، كما هو الحال عند "نوريم"، بأن يحطموا حدود اللوحة؛ لأن اللوحة تبدأ بلا بداية وتنتهي بلا نهاية، كان الفنانون وقتها، مثل "نوريم"، خلف البحث عن عالم اتحادي باستخدامه الضجة المتحركة، حتى يصل بها إلى الاستقرار، مع أن الرموز المستخدمة ليست بالضرورة يمكن فهمها أو البحث عن إيحاءات أو منتميات لها، لأن العمل الفني في النهاية بكليته وبدون أجزاء له تأثيره، أو إسقاطه البصري من خلال قوة اللون وقيم حركة الخط القادرة على الاتصال بالإحساس والمتعة؛ لأن اللوحة لم تعد لوحة وإنما حدث».
الإبداع في عالم "نوريم" له مفردات خاصة، عنها يقول "مالفا": «اليوم ومن خلال أعمال "نوريم" يمكنني القول بأن وعياً آخر، بدأ يتبلور لدى عدد قليل من الفنانين السوريين الذين يطرحون مشكلة "الإبداع" في مفردات الحرية، لتكون اللوحة غير مقروءة كما تعودنا أو لتفرض مسيرة لغز خاص، وأتساءل من أين كل هذا الزخم المتعدد المسارات والحيوية، من متحف بصري للذاكرة، من سفر في اللامطلق، تأخذك اللوحة إلى داخلها، تتحول إلى جزء من بنائها، تشارك رحلتها إلى عمل آخر بلا مكان أو زمان.
مفاجأة السر في العمل الفني، وكأننا نرى دون أن نرى، بين شبه التصوير وترجمة النظر، "نوريم" هذا العابر بين الحدود المفتوحة ليمنحنا خارطة إحساسه، وحضارة فن تقف على مفترق طرق، بين الحاضر والقادم، بين الموروث والتناقضات في مفاهيم الجمال، هذه الرؤيا الجديدة للوحة، مثل الفكر، هي مبدأ من الضوء والظل، لكن هذا الفكر تجريدي، لا يحمل نظريات أو أمكنة، كل شيء غير قابل للترجمة مثل طقوس بدائية، خارجة عن الجسد، قدسية الحركة، الجسد والخط يتحولان إلى روح المادة "اللون"، هذه المغامرة للوصول إلى "الحدث" بدلاً عن اللوحة هي في النهاية هذه الولادة في الإبداع، وهي التي تحمل جملة من الأسئلة حول نتاجات عصرنا هذا، لماذا الفن؟».
وينهي الفنان التشكيلي "مالفا" حديثه عن "نوريم" فيقول: «بين الرغبة والحدث، تنتشر الأسماء والأرقام، ذاكرة شعب، ذاكرة زمان، كل شيء بدأ يتحول إلى أبجدية جديدة، كل ما هو غير مرئي، يصبح مرئياً، يبتعد الموت عن سراب الروح، وتصبح النار بلا دخان؛ العالم بثقله المادي، ووجودية الكثافة بين الإنسان والشيء، ليكون التجريد وحده محرراً للفن، من أخلاقيات التصوير، والرواسب والعولمة.
إن غريزة المغامرة في العمق هي الأكثر ديمومة من واقع لا يجرؤ على الخروج من حدود العقل، هكذا اقرأ في أعمال "نوريم"، لأبحث عن لغة يكون فيها الواقع إحساساً في خصوبة أحادية اللون، في الخط، في الحركة، في السطح، أو في التأثير، هذه القيم في أعمال "نوريم" ليست لإعطاء قيمة للفراغ، وإنما هي في الرؤيا التي تحرر اللوحة من الولادة الميتة، أو المتأخرة، هذا الإرث الروحي في اللوحة عند "نوريم" لا يطرح في النهاية سؤالاً على الإبداع، أو على العالم، أو على التاريخ وحسب، وإنما هو سؤال مطروح على الفن ذاته، لأن الفن وحده في النهاية قادر على الجواب، أعمال "نوريم" استكمال للدور الرئيسي بين الإنسان والخلق، عبر عالمية التفاعل واتساعه إلى أفق مفتوح الأفق، لأن الفن يبدأ من حيث ينتهي».