ترسم بالضوء لا بالألوان، فتنشر أشعة ريشتها في ثنايا اللوحة لنشاهد عوالم من الطبيعة التي تعتبرها المعلم الأول، فيما تجري المياه في لوحاتها على عكس ما تشتهي الطبيعة، لأن الأنهار في الواقع ملوثة ومياهها آسنة، إلا أن ذلك لا يبعد الفنانة "عتاب حريب"- كما تقول في حوار مع موقع "eSyria"- عن حب المياه والأنهار لما فيها من غموض وأمل، خاصة أنها ابنة الفرات الذي كان خيراً على مدينتها "دير الزور" تارة، ويبتلع أبناء المدينة غرقاً تارةً أخرى، فرسمت قوارب النجاة التي تأمل أن تنقذ من يغرق فيه، متمنية أن تكون الزوارق "سفينة نوح".
أن الفنانة التشكيلية السورية "عتاب حريب" مُغردة على الدوام خارج سرب الفن التشكيلي السوري التقليدي، من حيث اختيارها لمواضيعها، ومضامين لوحاتها الشكلية، أو معالجتها التقنية وسبك مكونات عجينتها اللونية، وتعاملها مع سطوح اللوحات والتي تجد في الملونات المائية متنوعة السمات والخصائص مواد لائقة لتبيان نسيج لوحاتها البصري ومقولاتها الفنية السردية
** كنت أحب الرسم منذ نعومة أظفاري، لهذا فإن الإلهام لا يتعلق بلحظة معينة أو يأتي بوحي، لأنه يكون مرتبطاً بالطبيعة والحياة والذاكرة البصرية القديمة المتصلة مع الحاضر الذي يمثل بالنسبة لي الضوء والنور كي أرسم الطبيعة والبيئة الصامتة والأزهار والعمارة فضلاً عن نساء الفرات، ومن هنا فالطبيعة تشكل لي الملهم والمعلم الأول.
** حضور الماء مرتبط بالحالة وبخصوصية اللوحة، ومن ناحية فنية أحب الألون المائية، أما من ناحية الطبيعة فإن النهر فيه الكثير من الأمل والغموض، وكوني من الفرات الذي غرق فيه الكثير من الناس، والأنهار في بلادنا جافة عفنة، وانعكس ذلك على لوحاتي عبر الضوء الذي يصعد ويهبط تبعاً للخصوصية الفنية للوحة، كما أن الأنهار غير نقية وتقتل أولادنا، وقد مررت بحادثة أثرت فيي إذ غرقت ابنة أخي في حادثة غرق الفتيات في بحيرة زرزر، فالغرق حالة مؤثرة، وصرت أرسم الزوارق التي تمثل زوارق النجاة أو طسفينة نوح"، كما أن الغرق حالة عامة ومن المشاكل التي نعاني منها وبحاجة لإنقاذ.
** أحب الصراحة والصدق وهذا يظهر بالضوء، وأكره الغموض والاختباء خلف الأشياء والكذب وهذا يمثل الظلام، كما أني أحب ضوء الشمس، وهو يجعل الألوان تظهر، ولولا الضوء لم توجد الألوان، فالضوء يجعلنا نشاهد الأشياء ويعطي قيمة للوحة والألوان ولعناصر الطبيعة، علاوة على توزيع الضوء وتوازنه.
** الإنسان قليل التأثير في الحياة رغم أهمية دوره في الحياة، بيد أن الطبيعة والعمارة تبقى آثارها أكثر من الإنسان، فنحن نموت كبشر وتبقى آثارنا في الحياة التي نتركها بعد الوفاة، والطبيعة أقوى من الحياة وهي التي تبقى ولا تزول.
** بحكم أن المدارس متداخلة، فإن لوحاتي متداخلة بمدارس كثيرة أيضاً واطلعت على الكثير منها فبعد مئات السنين من أعمال الفنانين جرى تقييمهم وتصنيفهم ضمن مدارس معينة وبعضها كان متداخلاً بمدارس أخرى، وهذا مرتبط بالعصر الذي جاءت فيه، ولوحاتي ترتبط بهذا العصر والزمن الموجودة فيه الآن.
** الإنسان يحتاج للبهجة والفرح والمتعة بالحياة حتى يتوازن، ولو كان في أوضاع مأساوية وبحالة حزن كبير، فإن اللوحة لابد أن تحوي على فرح.
** تأثرت كثيراً بالبيئة المحلية فالمكان الذي عشت فيه انعكس على اللوحة بالشكل واللون، وكان ذلك واضحاً في أعمالي ورسمت نهر ووداي بردى بألوان الفرات فالشمس كانت عامودية والضوء في المنطقة كان جميلاً ورائعاً يعكس بيئة محلية صادقة وجميلة.
** الفنان مثل الإسفنجة يمتص الأفراح والأحزان، وأنا أعمل بعفوية دون تخطيط مسبق والحياة متغيرة ومتطورة. وهذا يدخل إلى الإنسان لتنهضم بداخله فتظهر بشكل آخر.
** بالتأكيد كلما تعددت الأدوات يتشتت الإبداع، ولابد من التركيز على جانب واحد كي يتمكن من الإبداع بشكل أكبر وأكثر، لكنني أعمل بهذه الأشياء كاستراحة، دون أن تؤثر على عملي الرئيسي، وبطبيعتي أعمل بشغف وحجم أكبر، والأساس بالنسبة لي الرسم.
** نعم أنا أُدرس في كلية الفنون الجميلة، وعلاقتي مع الطلاب والتدريس جزء مهم من رسالة الفنان التي يحاول إيصالها إلى المجتمع، وهي توازي الرسالة من اللوحة الفنية والمعارض، وكمدرسة أقدم للطلبة الأفكار وآخذ منهم، وبذلك يبقى الفنان على تواصل مع أفكار الآخرين، وأعمل مع الأطفال في ورشات عمل فنية، وأحب العمل معهم وشاركت مع أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، والآن أعمل مع أطفال الأيتام في ورشات عمل فنية.
الناقد التشكيلي "عبد الله أبو راشد" اعتبر في مقابلة مع "eSyria": «أن الفنانة التشكيلية السورية "عتاب حريب" مُغردة على الدوام خارج سرب الفن التشكيلي السوري التقليدي، من حيث اختيارها لمواضيعها، ومضامين لوحاتها الشكلية، أو معالجتها التقنية وسبك مكونات عجينتها اللونية، وتعاملها مع سطوح اللوحات والتي تجد في الملونات المائية متنوعة السمات والخصائص مواد لائقة لتبيان نسيج لوحاتها البصري ومقولاتها الفنية السردية».
كما أشار "أبو راشد" إلى: «أن حريب لا تنتمي إلى مدرسة فنية بعينها، بل جامعة لمجموعة من الاتجاهات والتداعيات الفنية من الواقعية التعبيرية والانطباعية الرمزية إلى فضاء التجريد وما بينها من تداخلات سرد نصيّة، ميدانها ذاكرة المكان السوري بكل مكوناته الطبيعية والاجتماعية وذكرياته وتاريخه وجمالياته وناسه، تجمعها في باقات رؤى فنية تشكيلية تُدلل عليها كفنانة مرهفة الإحساس وشفافة، ولها أسلوبيتها الخاصة وتفردها في ميدانها وتمايزها عن من عايشوها وجايلوها من أقرانها، وهي في لوحاتها أشبه بفراشة تشكيلية ملونة، متنقلة ما بين حدائق الفن التشكيلي السوري والحداثة التشكيلية العالمية».
وعن لوحاتها التصويرية ذكر "أبو راشد": «أنها مبنية على أساس التراكم الشكلي للملونات، المرصوفة في حسبة تقنية قائمة على جماليات الفوضى السردية المنظمة داخل أحضان السطوح، والتي تُحدد مكوناتها المتداخلة وتدريجاتها اللونية مصادر الضوء تبعاً للموقف البصري المنشود، وتبعاً لمحتوى العمل الفني التي تود إبرازه داخل مدارات اللوحات، سواء أكانت متعلقة برسم وتصوير المناظر الطبيعية، أم الطبيعة الصامتة أم الوجوه التشخيصية وسواها، فالضوء يتحدد وفق رؤيتها للأشياء، وموصولة بعجينتها التقنية قبل أية مسارات رمزية فالرسم والتلوين غير موصول ببقع الضوء وتناثره في لوحاتها، بقدر ما يكون انعكاس طبيعي لما يجول في خاطرها من تداعيات ومقولات فنية، تنقلها بإحساسها الخاص على سطح اللوحات وتغدو حينذاك محمولة بسمات الرمز في عين المتلقي».