استطاع خلال مسيرة فنية طويلة أن يكون بصمة خاصة في الحديث عن نفسه ووطنه، مستعيناً بريشته وعاكساً شخصيته المميزة التي يملكها.
يقال عن الراحل "غازي الخالدي" إنه استطاع إظهار جدية الحياة في لوحاته، وإن ريشته كانت لسانه، موقع "eSyria" التقى بعض الفنانين الذين عاصروا الفنان الدكتور "غازي الخالدي" للتعرف عليه أكثر، وبدأ مع الدكتور "حيدر يازجي" رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين: «يقال عن الأستاذ "غازي" إنه فنان راحل؛ إلا انه موجود بيننا والسبب يعود إلى أن هذا الفنان ملأ الحياة وشغل الدنيا، إنه من النماذج القليلة التي مرت على الحياة التشكيلية في سورية.
أنا أرسم للذي يريد أن يرى لوحاتي، أنا أرسم لنفسي، أرسم للناس، أحب أن يجد الناس قضاياهم ومشاعرهم وأفكارهم وأحاسيسهم في لوحاتي، أحب أن يروا أنفسهم وحياتهم في لوحاتي، لذلك أرسم لهم وأصر أن أرسم لكل الناس وليس لي وحدي أو لطبقة معينة تتذوق الفن
كان له أسلوبه الخاص في التعامل مع الزملاء عندما كان نقيبا أو حتى عضوا في نقابة الفنانين التشكيليين؛ التي كان له مواقف كبيرة في تأسيسها.
اجتماعياً؛ كان له طابع خاص هو محب ويحب ويتبادل الحب مع الناس، عندما تلتقي به، تجد أنه عبارة عن نافورة من الحب، له صوته الجميل ذو رنة معينة وابتسامته خاصة، كما كان لحبه للناس وللعلاقات الإنسانية التي كان يشبكها بين الجميع أثرا كبيرا في حياته، وقد قدم للكثيرين يد المعونة والمساعدة ولاسيما للفنانين الناشئين.
وليس عجيبا أن هذا الإنسان المربي درس الرسم، وكان يعشق موضوع التدريس ويجتهد في تقديم المعرفة التي عنده للأجيال القادمة وهذا الذي جعله يعمل لفترة طويلة مع "منظمة طلائع البعث" التي وهبها حياته لآخر أيامه وقد كرمته بأن اختارت أن تحمل إحدى المدارس اسمه.
"فنيا" هو من الفنانين الرواد الملتزمين بقضايا الوطن والأمة، رسم الواقعية الخاصة كما أرادها هو- فيها شيء من شخصيته-، وكان الحصان يلعب دورا كبيرا في الكثير من أعماله، اللوحة عنده مسؤولية.
وكان يعمل بالبحث الفني، والدليل على ذلك مشاركته بالمعارض الدولية وحصوله على درجة الدكتوراه وهو في الستين من عمره.
كان غزيرا بإنتاجه وعميقا بحبه للوطن وحبه لهذه الأمة، ترك الكثير من الأعمال والحب للوطن والانتماء، نتمنى أن يكون لنا قدوة جميعا كما كنا نقول له على سبيل الدعابة "نحن دائما نسمع صوتك في كل معرض من المعارض" رحمه الله كان موجود بيننا دائما وخالد بأعماله».
الفنان التشكيلي "أنور الرحبي" أمين السر العام لاتحاد الفنانين التشكيليين، ورفيق درب الفنان "الخالدي" حدثنا عنه قائلا: «"غازي الخالدي"؛ الذاكرة التي لا تنسى أبدا، هو الأكثر قدرة على إعطاء الصغير من المفردات؛ مساحة كبيرة، هذا الرجل لا يتكرر أبدا للأسباب التالية؛
أولاً الشخصية التي امتلكها، مختلفة في التعامل مع الإبداع والأصدقاء وبالتالي حتى في سهراته وجلساته فهو المضحك المبكي، أما ما يتعلق بالشخصية الإنسانية لغازي الخالدي، فهو يبكي كثيرا وعاطفي إلى حد أحيانا يقول فيه أنني متعب وأنا ضعيف، هو إنساني لحد ينفي نفسه بالواقع على سبيل المثال عندما توفيت والدته بقي عشرة أيام يقول أمي ورسمها بعمل يعتبر أجمل ما رسم الجلسة لامرأة .
أما فيما يتعلق "بالعاطفة" فهو دائما لا يسرقها بل هي جزء من تربيته هو يسمع لفيروز ولكنه لا ينسى عبد الوهاب، هو قريب من الماضي والحاضر وأنا أذكر في يوم من الأيام اتصل بي وطلب أن أحضر لعنده وجلسنا نشرب كأسا من الشاي وقال لي "أريد أن أريك شيئا" وأخرج لي أعماله التي رسمها بعد تخرجه في كلية الفنون بالقاهرة قلت له "ما هذه الأعمال الضخمة" قال "هذا هو غازي الخالدي".
لم يكن يوما من الأيام معزولا عن الشارع، كان استقرائيا محليا بالمفردة وإيصال الفكرة للناس الطبيعيين، عندما يتحدث كان يتحرك ويغرف أصابعه ببقايا شعره وهو يضع فولاره الأحمر أو الأصفر وهو علامة على أنه موجود دائما.
كان يحب من الأكلات "الفول من دون زيت" وكان يشرب الشاي بطريقة نهمة فهو يشرب ويحكي وكان يقول "سامحوني إذا طرطشت"،
هو قطار صغير لا يقف في كل المحطات، هو الزميل الصديق للفنان الصغير والكبير، هو ابن دمشق العريقة إنه علامة من علامات الفن التشكيلي في الوطن العربي».
درس الابتدائية في مدرسة "عمر بن عبد العزيز" بالجسر الأبيض وتابع دراسته الإعدادية في ثانوية "التجهيز الأولى" وحصل على الشهادة الثانوية من مدرسة أمية عام /1957/.
أمه كانت أول من شجعه واهتم بفنه عندما أقامت له أول معرض لأعماله عام 1950 في بيت الأسرة بالحريقة حضره عدد من الفنانين منهم "صبحي مارديني، عزيز شكري" كما شجعه خاله "فريد زنبركجي" على الرسم حيث أحضر له من مدريد أول علبة رسم كبيرة للألوان الزيتية، وتبرع له بإطار أنيق من الخشب لأول لوحاته الزيتية عام 1950.
تدرب على استعمال الألوان الزيتية في منزله على يد الفنان "محمد العاقل" وفي مدرسة التجهيز تتلمذ على يد مجموعة من الفنانين أهمهم "عبد الوهاب أبو السعود، رشاد قصيباتي".
سافر عام 1957 إلى مصر لمتابعة دراسته الجامعية بمجال الفنون وتخصص بالتصوير الزيتي، تخرج 1962 وعاد لسورية وعمل رساما في التلفزيون العربي السوري ومدرسا للرسم في ثانوية عبد الكريم الخطابي بدمشق وثانوية التل للبنين، وكلف 1963 بتأسيس مركز الفنون التطبيقية وأصبح مديرا له إلى 1968، وضع الوثيقة الأولى لتأسيس نقابة الفنون الجميلة 1969 وتفرغ للعمل النقابي إلى 1979.
عين أمينا عاما مساعدا للاتحاد العام للفنانين التشكليين العرب كما رأس عددا من لجان التحكيم قطريا وعربيا ودوليا، وكان عضوا للجنة العالمية للتحكيم في المؤتمر الدولي لمعرض الإنتراغرافيك في برلين 1976، وحصل 1996 على دكتوراه في علم الفن من الأكاديمية الملكية لندن.
عمل أستاذا لتاريخ الفن وعلم الجمال في المعهد العالي للفنون المسرحية 1978 وفي المعهد العالي للموسيقا 1992، له عدد من المؤلفات منهاً "أربعون عاما من الفن السوري، ناس من دمشق، عن تاريخ الفن السوري" وغيرها، توفي عام /2006/.
** من أقواله: «أنا أرسم للذي يريد أن يرى لوحاتي، أنا أرسم لنفسي، أرسم للناس، أحب أن يجد الناس قضاياهم ومشاعرهم وأفكارهم وأحاسيسهم في لوحاتي، أحب أن يروا أنفسهم وحياتهم في لوحاتي، لذلك أرسم لهم وأصر أن أرسم لكل الناس وليس لي وحدي أو لطبقة معينة تتذوق الفن».