تجربته الفنية بوابة مفتوحة على إنسانية الإنسان، ضمن مسارات تمتزج مع الطبيعة، بريشة تعبيرية وألوان واقعية، فتكون لوحة "لخليل عكاري".
موقع "eDamascus" التقى الفنان "عكاري" في حوار عن تجربته الفنية التي كان الإنسان جسدها، والطبيعة روحها.
أن لوحات "عكاري" لا تشبه لوحات الفنانين الآخرين، ويمكن أن تعرف لوحته دون توقيعه عليها، كونه حقق فرادة عن غيره، وهذا شيء لا يمكن أن يصل إليه أي فنان إلا بصعوبة بالغة
** حضور أي شيء معين في الفن مرتبط بأسلوب وسلوك الفنان وطريقة العمل لديه، فأنا أحب الطبيعة، ومتأثر بجمالها ونقائها بشكل كبير، وفي بعض الأحيان أرسم الطبيعة مع الإنسان لأنه جزء منها، وليس منفصلاً عنها، ما شكل تمازجاً بينهما، واختيار الفنان لموضوعاته يتعلق أيضاً بارتباطها الزمني، حيث كنت سابقاً أرسم "البورتريه" إضافة إلى الطبيعة التي ظلت مواكبة لأعمالي الفنية، بينما الآن قلَّ "البورتريه" كعمل فني مستقل، لكنه بقي حاضراً ضمن سياق معين يخدم اللوحة، كما أن الجسد الإنساني مهم بالنسبة لي، فرسمت لوحات عنه، ومهما رسمت عن الطبيعة، فإني سأعود إلى الجسد الإنساني وللإنسان، لأنه غايتي.
** الجسد الإنساني يمثل قمة الجمال بالطبيعة التي هي جميلة ورائعة، لكن الإنسان يبقى أجمل منها، بتناسقه وروعته وبجسده وخطوطه اللينة وحركاته اللامتناهية، إضافة إلى إنسانيته وإحساسه، وما يزيد جمال الطبيعة الأنسنة، حتى وإن لم يكن الإنسان في لوحة عن الطبيعة، فإنك تشعر أن الإنسان مرَّ من هنا، أي ينبغي أن يترك أثره الإنساني سواء أكان ذكراً أم أنثى، كما أن الأنثى التي يتغنى الجميع بجمالها وقدرتها على العطاء تشكل موضوعاً مهماً للرسم، وهذا ينطبق على الفنانين والأدباء القريبين من الواقعية والتعبيرية، لهذا السبب حضر الإنسان بقوة في الفن، فأي شيء نقوم به في الحياة يكون من أجل الإنسان الذي هو غاية كل شيء، فلا يمكن إلغاء الإنسان من الحياة كونه جوهرها.
** مزجت بين الإنسان والطبيعة، لأنها إذا كانت مجردة دون إنسان فمن الممكن أن تكون فوضوية، ووجود الإنسان يعطي الطبيعة حياةً أجمل، وهذا يرتبط بتدخل حضاري منه ليضع بصمته الجميلة فيها بعيداً عن الهدم والتخريب، وهذا ما ينعكس على لوحاته.
** أرسم الطبيعة بشكل تعبيري، واستخدم الألوان لأرسمها تعبيرياً وليس رومانسياً، فلا أرسمها "فوتوغراف" بل بإحساسي اللوني، لأشذب الطبيعة بأسلوبي، وأضيف عليها أموراً تتعلق برؤيتي الخاصة، وبما استوحيت من الطبيعة بريشة وألوان "خليل عكاري"، فألواني صريحة وتعبيرية، والجميع يعرفون أن هذه اللوحة لخليل، وبذات الوقت لا أزيح عن الواقعية، فالشجرة لا يمكن أن تكون غير شجرتي لأنها لي، وهذا الجبل لي وهذه الأرض أرضي، سواء أكان من ناحية اللون أم الخط.
** لم ألجأ إلى التعبيرية الصرفة، ولم أكتف بأحد الاتجاهين، فمزجت بينهما لأكون شيئاً خاصاً بي، وحتى تعرف لوحاتي من بين الكثير من اللوحات، فلا أتقيد بمدرسة معينة، إذ استفدت من التعبيرية باللون والمبالغة بالشكل والتعبير، فيما أستفيد من الواقعية بالخطوط واللون والتكوين والنسب، فمزجت بينهما لأكون لوحات خاصة بخليل عكاري.
** في الآونة الأخيرة قفز الفن التشكيلي قفزات نوعية إلى الأمام سواء من ناحية النوعية أم من ناحية الفنانين الشباب، حيث أضافوا لما قدمه الفنانين الأساتذة كثيراً، كطروحاتهم الفنية والفكر الفني والعمل الجاد والدؤوب، فأثبتوا وجودهم وبصمتهم الخاصة وتطورهم، وهذا مبني على أسس تركها الأساتذة القدامى الذين أسسوا الحركة الفنية في سورية منذ عشرينات القرن الماضي وحتى اليوم، مثل "توفيق طارق" و"ميشل كرشة" إلى "فاتح المدرس" وغيرهم.. إضافة إلى الجيل الذي تبعهم، وكلهم عملوا بصمت وبجد، ما هيأ للجيل الشاب مراكمة تجربته فوق تجربة الرواد، فما تركه لنا الفنانين الكبار من أساسات كبيرة أفادت الفن التتشكيلي السوري إلى اليوم وحتى للمستقبل، كما أن كلية الفنون الجميلة ساهمت بتخريج فنانين لهم بصمتهم التشكيلية الخاصة، كذلك دعمت وزارة الثقافة إلى حد ما الفن، ونطمح لأن يكون أكبر، فضلاً عن أن ظهور صالات عرض جديدة لعب دوراً في دعم الفن التشكيلي.
** أختلف معك في ذلك، فالشباب المقصود بهم من هم بالعشرينات من العمر تكون تجربتهم غير ناضجة، وصاحب الصالة بشكل أو بآخر لديه هدف تجاري، وهنا يأتي دور وزارة الثقافة والمعاهد الفنية والمراكز الثقافية كي تدعم هؤلاء الهواة حتى يكونوا فنانين كباراً، ومع ذلك تجد الفنان يرسم ويواظب على عمله الفني.
** طبعاً ومتفائل به، فالفن التشكيلي السوري بماضيه وحاضره وحتى في مستقبله يعتبر من أهم الفنون التشكيلية مقارنة مع الدول العربية، إذ يحوي تجديداً كبيراً، وهذا ليس كلاماً شوفينياً، لكن للأسف ينقص الفنانين الدعم المالي والمعارض الخارجية والدعاية والإعلان، وقد كانت سورية تدعم الفن التشكيلي سابقاً، ونأمل أن يعود ذلك بعدما تراجع اليوم.
كيف أثر ما يجري في سورية على الحركة التشكيلية؟
الأزمة التي تمر بها سورية ألقت بظلالها على الحركة الفنية، فسابقاً كنا نتغيب عن بعض المعارض نتيجة كثرتها، أما اليوم فتقريباً توقفت المعارض أو قلَّت، بعدما كان الفن التشكيلي في أبهى حلله، ونتمنى أن تزول هذه الأزمة وتمر على خير وسلام، حتى يعود للمعارض وللحركة الفنية ألقها كما كانت قبل هذه الأزمة.
ما الذي تود أن تضيفه في نهاية الحوار؟
** أتمنى من الدولة أن تزيد اهتمامها بالفن التشكيلي سواء حاضره أم ماضيه، ويكون ذلك عبر المدارس بداية، فحصة الفنون في الماضي كانت جيدة تقدم كل مفيد، وتستطيع أن تكتشف المواهب وتنمي الحس الفني للتلاميذ، أما اليوم فقد تراجع الاهتمام بها إن لم تكن ألغيت، وهذا نقيض ما يجري في أوروبا فأهمية حصص الفنون تعادل بقية المواد العلمية والأدبية الأخرى، فتنمي الإحساس الإنساني والتربوي عبر الفن وترفع من الذائقة الفنية للطلبة، وكل الحضارات القديمة والحديثة كان الفن عماد تقدمها وتطورها، وهو أحد مقاييس تطور الحضارة وتقدمها، بالتالي ينبغي الاهتمام بالفن في المدارس والمعاهد وصولاً إلى كلية الفنون والفنانين والمعارض، فلدينا طاقات مهدورة كثيرة ومهمة.
الفنان "محمد الوهيبي" اعتبر: «أن الفنان "خليل عكاري" أستاذ في الفن التشكيلي، لامتلاكه خبرة بطريقة بناء وتشكيل اللوحة، عبر عمل واقعي أكاديمي، فأبدع لوحات واقعية أعطته تفاعلاً ضمن الحس والبعد الاجتماعي، ليخرج من عباءة هذه المدرسة، بعد أن أوجد خطاً خاصاً به، إذ رسم الطبيعة ضمن رؤيته ونكهته الخاصة».
وقال "الوهيبي": «يعتمد "خليل" بإيضاح رؤية العمل الفني على تقنية خاصة به، لذا أخذ فيما بعد تركيزاً على الطبيعة، فله معرض خاص بثمار "الرمان" ضمن الحالة التعبيرية، حيث حاول إيجاد علاقة بين المدينة النائمة والمفتوحة، وأقصد "الرمان"، فتجدها بلوحاته مدينة من جمر وضوء».
وأضاف: «الطبيعة لديه تشكل حالة إنسانية وبنائية، فتأخذ مدىً كبيراً من الاتساع، وتقشفاً بوضع الأشجار والبيوت ضمن المساحة، لتحقق الاتصال البصري، إضافة إلى كمية الهواء الموجود باللوحة».
ورأى "الوهيبي": «أن لوحات "عكاري" لا تشبه لوحات الفنانين الآخرين، ويمكن أن تعرف لوحته دون توقيعه عليها، كونه حقق فرادة عن غيره، وهذا شيء لا يمكن أن يصل إليه أي فنان إلا بصعوبة بالغة».