تجريبي النّزعة، مجدّد في أعماله الفنية، يبتعد عن كل شيءٍ تقليدي، فدمج الرسم بالنحت لتحضر مشاعره وعواطفه في ثنايا اللوحة.
سكن الفن التشكيلي فيه، تاركاً بصمته الفنية على حياته، حتى صار يتعامل مع "الديكور" الدرامي كالوحة تشكيلية، يرتب عناصرها كأنها لوحة تشكيلية.
أن الفنان "فؤاد دحدوح" نحات من الطراز الأول، ورسام جيد، وبمعرضه "جداريات" عمل بين الروليف واللوحة أي النحت النافر، ضمن حساسية الرسم واللون حيث قدم الألوان بالرولييف والمنحوتات النافرة بالحجم الكبير ليعكس حالات خاصة
الفنان "فؤاد دحدوح" متخرج عام /1984/ من كلية الفنون الجميلة- قسم النحت، يرسم في حوار مع موقع "eDamascus" تجربته الفنية بالكلمة هذه المرة لا بالريشة كما هي العادة.
** في المشهد التشكيلي السوري تجد إما نحتاً أو رسماً، فأحببت أن أقدّم تجربةً مغايرةً على ذلك، معتمداً على التجريب، فدمجت الرسم والنحت معاً بأعمال جدارية منحوتة على مساحة /1.5-2م/ بأشكالٍ نافرةٍ ملونةٍ، وهذا ما لا يجري عادة بالنحت، حيث يلعب النّور والظّل دوراً فيه، فأحببت أن أثبت الظّل والنّور على اللوحة الجدارية، وأثبت الكتلة باللون لتحدّد الظّل والنور فيها، وهدفي أن أخلق شيئاً مفاجئاً للجمهور وللنقاد، وبأسلوبٍ جديد، كما أن للرسم قواعده الثابتة التي لا يجوز خرقها، إلا أن الفن مترابط مع بعضه، ولا يمكن أن يتجزأ، وهذه التجربة شكّلت صدمة للمتلقّي الذي يتوقع كما العادة أن يجد معرضاً متخصّصاً إما بالرسم أو بالنّحت، ليتفاجأ بأنه منحوت وملون أيضاً، وهكذا نوع من الفن كان موجود تاريخياً في عمل الفينيقيين والفراعنة كثيراً، فضلاً عن وجود فنانين كبار لوّنوا منحوتاتهم، وانقطع هذا المسار لعزوف الفنانين عنه، واتجاه بعضهم إلى الرسم، والبعض الآخر إلى النحت بشكل منفصل، فأحببت أن أعيد التجربة بأسلوبي.
** بالتأكيد هذا صحيح، والدمج بين النحت والرسم لا يخلو من المخاطرة، وأعتقد أني تخطّيت خطورة هذه التجربة، فالفن عموماً تجربة، ومن لا يجرّب يبقى ضمن محور واحد في حياته، ليظل متقوقعاً داخله، وهذا خطأ كبير، كما ينبغي على الفنان أن ينوّع أدواته وتجاربه، والاطلاع على التجارب الخارجية، ليسقطها على تجاربه الخاصة حتى يطورها، وإن لم يعمل على ذلك يبقى كمن يدور حول نفسه، ويكرر ذاته الفنية.
** كان هاجس الخوف لدي كبيراً من خوض غمار هذه التجربة، خاصة أني أحاول تقديم تجربة جديدة عبر التقنية والموضوع، وخشيت ألا يتقبل المشاهد ذلك، ويرفض النحت الملوّن، لأن فيه تحطيم للشكل الأكاديمي، ودخول في التجريب ضمن رؤيتي الخاصة، لكن عندما قمت بمعرض جداريات وجدت إعجاباً كبيراً، لمسته من الحضور والنّقاد والفنّانين الكبار الذين تفاجؤوا بالمعرض الذي أقيم قبل أشهر قليلة من هذا العام، وكان النقد بناءً، لذا شعرت بسعادةٍ غامرة.
** هذا صحيح هناك تقشف باستخدام الألوان، ومردّ ذلك أني كنت ألوّن جدارياتي بطريقة الأكسدة، دون أن أتعدى حدود النحت أو الرسم اللذان يملكان خصوصية معينة، فالأكسدة تعطي تأثيرات بسيطة ضمن خصوصية النحت، لكن بعد معرض جداريات صرت ألون بشكل أكبر، فاللون الأحمر بات يظهر أحمراً والأزرق أزرقاً.
** المرأة مخلوق مهم في المجتمع، فما بالك بالفن التشكيلي، خاصةً أنها كتلة من المشاعر والأحاسيس، كما أن جسدها فيه مخزون هائل من الجمال، وأنا أحب تقديم أعمال فنية كثيرة عن المرأة، سواء من الداخل أم من الخارج، وفي كثير من الأحيان تجد المرأة في لوحاتي محطّمة، كما هي أحياناً في الواقع، وهذا يعود لرؤية الفنان كي يختار موضوعه، فهناك الكثير من الفنانين الذين يعملون على الحصان، كونه يحوي الكثير من الأمور التعبيرية، وهنا تبرز مهمة الفنان في أن يأخذ موضوعه من الواقع ويعيد صياغته بما يراه مناسباً على بياض اللوحة، وهناك الكثير ممن عملوا على موضوع المرأة في الفن التشكيلي كفائق دحدوح و"نذير نبعة" و"فاتح المدرس"، وهي عنصر أساسي وملهم في الحياة والفن التشكيلي، وأهميتها تكمن أيضاً في إنسانيتها.
** نعم ببعض اللوحات تجد لمسة بزخرفة بسيطة، وعناصر تراثية أخرى، بأسلوب الحداثة وضمن المدرسة التعبيرية، والمدراس الفنية بغالبيتها كالتجريدية والانطباعية سقطت ما عدا المدرسة التعبيرية التي ظلت حاضرة بقوة حتى يومنا هذا، فأغلبية الفنانين اتجهوا نحوها، كون التعبيريّة أثبتت حضورها تاريخياً، ومن مبررات حضور التراث في بعض أعمالي أني عندما أقدم لوحةً أو عملاً فنياً جديداً لا يكون حديثاً بل يكون عمره سنوات، كونه جزء من مخزون هائل يستند إلى مفاهيم قد يكون عمرها حوالي /7000/ سنة، ولها تأثيرات عليه، إذ أرسم اللوحة بعاطفة وأحاسيس عالية.
** عندما أبدأ الرسم أفكر في الطريقة والكيفية التي سأقتحم فيها البياض، وبعدما أبدأ الرسم ينكسر حاجز الخوف من اللوحة، مستحضراً المخزون الثقافي والتراثي والفني، دون أن أبتعد عن التكوين، فالأشكال الفينيقية حضرت بروح هذا العصر وبأسلوبي الخاص، لذا تجد في هذه الرموز الخصوصية الفينيقية والسورية فيها، وعموماً فإن الأسطورة كانت حاضرة لدى النحاتين، أكثر منها عند الرسامين، مثل الفنان "أكثم عبد الحميد"، و"مظهر برشين"، وبعض الفنانين الآخرين، وقد تأثروا بالفنان "سعيد مخلوف"، وعملوا عليها كثيراً، لكن ذلك قليل مقارنة بحضور المرأة.
** هي تجربة جميلة تعطي أفقاً رائعاً للعمل، فعندما تنفذ ديكوراً متكاملاً بحرية عمل مطلقة، خاصة مع وجود إمكانيات مادية كبيرة، تتيح لك تنفيذ عمل تركيبي وحداثوي، ضمن مجال واسع للعمل تبدأ فيه من نقطة الصفر، وأتعامل مع "الديكور" كالوحة فنية أرتب عناصرها التكوينية بإحساسي ومشاعري، واللمسة الفنية المبدعة في عمل الديكور مرتبطة في إيحائه بالواقع، دون أن يظهر كديكور، مثل مسلسل "أسمهان" و"البحث عن صلاح الدين".
النحات "مصطفى علي" رأى: «أن الفنان "فؤاد دحدوح" نحات من الطراز الأول، ورسام جيد، وبمعرضه "جداريات" عمل بين الروليف واللوحة أي النحت النافر، ضمن حساسية الرسم واللون حيث قدم الألوان بالرولييف والمنحوتات النافرة بالحجم الكبير ليعكس حالات خاصة».
وقال "علي": «إن "دحدوح" نحات يعمل ضمن ثلاثة أبعاد، وضمن التشخيص أيضاً بنفس معاصر، كما أنه أنجز بنجاح خصوصية الدمج بين النحت والرسم، خاصة أن النحت النافر يعتمد على "التونات والظل" ولا يعتمد على اللون، فأدخل "دحدوح" اللون إلى النحت، وهذا شيء جديد، فضلاً عن أنه قدم الأعمال النافرة الموجودة في التاريخ قديماً بشكل معاصر».
وعن العنصر الجمالي في أعمال "دحدوح" ذكر "علي": «أنها نابعة من طبيعة العمل الفني ضمن مقاييس جمالية خاصة تعكس التجربة التي قدمها دحدوح، كالتشويه في الوجوه والأشكال التي قدمها في تجربته ومعرضه وعلى الحركات التي تحوي قساوة وليونة في الوجه، بطاقة تعبيرية للخوض في تفاصيل هذا الوجه، كذلك في الجسد الذي تدخل فيه تدخل لتصل إلى جوهر المعنى».
يشار إلى أن "دحدوح" درس الدكتوراه في /1993/ بمجال الميدالية- قسم العلوم الإنسانية- فروتسوات ـ بولونيا، فيما يعمل مدرساً بكلية الفنون الجميلة في دمشق ـ قسم النحت، وانتقيت أعماله من قبل وزارة الثقافة السورية بالمتحف الوطني في دمشق، وحائز على جائزة السويد الذهبية، وجائزة بينالي الذهبية.