لم تكن لوحاته الكاريكاتيرية وسيلة للإضحاك، بل كانت سلاحاً للهجاء ولفت الأنظار إلى آلام الفقراء، وإذا كانت مضحكة أحياناً فما هي إلا كمقولة "شر البلية ما يضحك" هكذا يقال عن رسوم "مراد".
"eDamascus" التقى الفنان الكاريكاتيري "جواد مراد" وكان معه حوار التالي.
** بدأ حبي لهذا الفن بقصة طريفة حدثت معي وأنا في الصف الثامن، عندما كنت أشاهد فيلماً للممثل "نور الشريف" عن حياة الفنان "ناجي العلي"، كان ذلك في عام 1995م، وأنا أشاهد الفيلم حدث لدي حالة من الدهشة والاستغراب وهو يعبر عن فكرة سياسية معينة عن طريق الرسم، ورافقها حالة جذب لكي أعبر عن فكرة بنفس الطريقة، وفعلاً قمت بذلك ورسمت أول لوحة كاريكاتيرية في نفس العام، ثم توالت اللوحات واحدة تلوى الأخرى، وفي الصف التاسع أصبحتُ أفكر بمستقبلي كرسام كاريكاتير، وفي السنة التالية أقمت أول معرض لي، كان ذلك في المدرسة وكان بسيطاً جداً.
أما المعرض الثاني فكان في السنة الأولى لي في الجامعة، ولقي هذا المعرض إقبالاً كبيراً من الطلبة والأساتذة، لكن النقطة اللامعة في حياتي كرسام كاريكاتير كانت عندما قررت أن أتحول من هاوٍ إلى رسام محترف، فأقمت أول معرض لي خارج الجو الدراسي في مركز الثقافي العربي بمساكن برزة، وعلى الرغم من ابتعاد المنطقة نسبياً عن المراكز الثقافية في "دمشق" لقي المعرض إقبالاً كبيراً من المثقفين والفنانين في البلد، لكني لا أعلم إذا كان لناجي العلي أثر علي فعلاً أم لا، فهو من أكثر الفنانين الذين أحترمهم وأحترم مسيرته الفنية إلى جانب الرسام الكاريكاتيري السوري "علي فرزات"، وإجمالاً لا أحب أن أكون متبعاً بخطواتي الفنية أحداً.
* إلى أي مدرسة تنتمي؟
** أحاول الابتعاد عن المدرسة المصرية التي تعتمد التعليق على اللوحة الكاريكاتيرية وحتى تستخدم أحياناً حواراً كاملاً يرافق اللوحة، فمعظم رسوماتي لا أستخدم أي تعليق فيها، وإذا أضطررت إلى التعليق أحاول اختزال الكلمات إلى أبعد حد وحتى هذه الكلمات تكون ساخرة أي ما يسمى كاريكاتير اللغة.
** كنت ومازلت أنحاز إلى استخدام اللونين الأبيض والأسود، لأن اللوحة الكاريكاتيرية تعتمد في جوهرها على المفارقة بين فكرتين تبعث في مضمونها على السخرية، وباعتبار الإعلام المطبوع حالياً ملوناً في أغلبيته أصبح من غير المقبول أن أرسم بالأبيض والأسود في جريدة ملونة، حيث أعبر باللون الأخضر عن المؤسسات الرسمية ومشاريعها، رؤاها، أفكارها وكل ما يخص الجهات الرسمية فيها، واللون البرتقالي أعبر به عن الشعب وهذا اللون مأخوذ من الثورات الشعبية التي قامت في أوروبا وأخذت من اللون البرتقالي رمزاً لها، وحتى كانت تسمى أحياناً ثورة برتقالية، وباعتبار الصحف التي أنشر فيها حالياً هي صحف اقتصادية وجميع موضوعاتها تناقش السياسات الحكومية الاقتصادية الخاطئة وبقية شرائح الشعب تجد اللونين الأخضر والبرتقالي في معظم لوحاتي الكاريكاتيرية.
** لا علاقة للآثار أبداً بفن الكاريكاتير، فكل ما في الموضوع أنني عشقت هذا الفن الجميل منذ صغري، والشيء الوحيد الذي يمكن أن أزاوج بينهما هو تنقيب واكتشاف، ففي الأولى أنقب واكتشف الآثار وفي الثانية أنقب واكتشف آلام وأحزان الفقراء، لأعرضها على الرأي العام كما نعرض الآثار عليهم بعد اكتشافهم.
** نعم، لأن الكاريكاتير في الأصل يعتمد على الدمج بين الواقع والخيال، لذلك كل شيء من حولي يمكن أن يكون مصدراً للإلهام، لأن رسام الكاريكاتير عندما يتشبع بفنه ويحمل رسالة معينة يريد إيصالها، فإنه يستطيع أن يحول كل الأحداث التي تجري من حوله إلى لوحة كاريكاتيرية معبرة عن الفكرة.
** طبعاً لها تأثير كبير، وهناك تزاوج بين الصحافة وفن الكاريكاتير، لأن الكاريكاتير منذ ظهوره كان مع الصحافة، ومرتبط بتطورها ارتباطاً وثيق، أي كلما ازدادت حرية الصحافة وحرية التعبير كان هناك مجال أكبر لتطور فن الكاريكاتير، وتطور الكاريكاتير في "سورية" مرتبط بقانون الإعلام الذي ننتظر صدوره عن قريب.
** الكاريكاتير حالة إبداعية مثله مثل المسرح، الأدب والشعر، لكن ما يميزه أنك تصور ألمك ويعلمك كيف تسخر من هذا الألم، بالتالي كل شيء نستطيع أن نسخره نستطيع التغلب عليه، والشيء الوحيد الذي يغلبنا هو الشيء الذي لا نستطيع أن نسخره، فالكاريكاتير والمسرحية أو الفيلم وحتى القصيدة الساخرة تعتمد في جوهرها على النقد البنّاء.
** الصحافة العربية خرجت أسماء كبيرة، لكن الرسامين السوريين يمتازون بتقبل واسع على مستوى الوطن العربي والعالم، لأن أغلبيتهم لا يستخدمون التعليق على لوحاتهم أي يستخدمون الكاريكاتير الصامت، كما التزام الفنان السوري وانفتاحه على مجمل القضايا العربية، والعالمية، والإسلامية وكل القضايا التي تهمه كإنسان منحه شهرة كبيرة.
كما التقينا "ناظم عيد" رئيس تحرير جريدة صدى الأسواق، وحول رأيه بالفنان "جواد" يقول: «لفت نظري الفنان "جواد مراد" قبل أن أتعامل معه في الصحافة المطبوعة واستعين بخبرته فهو شاب موهوب، وأكثر ما يدفع هذا الفنان ليبدع هو الفنان الذي يسكن بداخله حيث يفرض نفسه ويملي عليه أن يرسم ويبدع.
ومن خلال تعاملنا مع "جواد" اكتشفنا أشياء أخرى لم نكن نعرفها عنه، فإلى جانب الموهبة التي يتمتع بها لديه دراية بالعمل الصحفي، فيعرف ما يريد أن يقوله الكاتب وماذا يهدف، فيلخص كل المادة بلوحة معبرة فعلاً، لم أجد في لوحاته ما يمكن أن يقال بأن المادة تخدمه، فلوحاته دائماً تخدم الموضوع، فلا يضطر المتعامل معه عناء الشرح وإيَضاح الفكرة، دائماً لديه فكرة تجمع بين ما يلخص المادة وما يشد القارئ إليها، وملاحظ في لوحاته أنه لا يكثر من التعليق والشرح، فلوحاته تعبر عن نفسها، وحتى التعليق الذي يستخدمه يعرف كيف يوظفه في مكانه المطلوب ليصبح التعليق بحد ذاته لوحة كاريكاتير.
من الجدير بالذكر أن رسام الكاريكاتير "جواد مراد" من مواليد "ديريك" 1983، خريج جامعة "دمشق" قسم الآثار 2007، درس الكاريكاتير على يدي أساتذة مختصين، درس الفن التشكيلي في معهد أدهم إسماعيل 1999، عضو في منظمة الفيكو الدولية لرسامي الكاريكاتير.
نشر في الصحف السورية والعالمية اعتباراً من 1997، " تشرين، الثورة، الثورة الثقافي، صوت الشعب وملحقها الشبابي، مجلة فنون، مجلة قلم نامة، جهينة، جريدة الاعتصام العراقية، جريدة الاعتدل الأمريكية".
أقام العديد من المعارض الفردية منها "مشروع دمر 1998، لبنان جبيل 1998، معرض سنوي في جامعة "دمشق" من 2001 وحتى 2006، المركز الثقافي في مساكن برزة 2003، مركز الثقافي العربي في مصياف 2009"، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، منها "معرض عن البيئة في طوكيو 2002، وآخر في صربيا 2010، معرض سوري ـ سويدي مشترك بعنوان وجهاً لوجه مع المناخ 2010، معرض أغيثوا غزة في المتحف الوطني بدمشق 2009، معرض سوري- مصري في القاهرة بعنوان سكرتون 2009، المعرض المتجول في "دمشق" 1997، معرض مهرجان الشباب الديمقراطي من 2000 حتى 2007.
كما حصل على العديد من الجوائز العالمية والمحلية، منها "جائزة الأمم المتحدة للتنمية السكانية 2002، جائزة الأمم المتحدة اليونيفيم 2003، جائزة المستشارية الإيرانية في "دمشق" عن الحرب على العراق، جائزة وزارة الإعلام للتنمية 2009، والعديد من جوائز شبيبة الثورة ووزارة التربية.
ويعمل حالياً كرسام كاريكاتير في "جريدة القنديل، جريدة صدى الأسواق، مجلة زهرة المدائن، مجلة السلامة المهنية، قناة سبيس تون، شركة النجم للإنتاج الفني".