لا يعمل ضمن اتجاه معين، تجربة فنية أدركت إبداعاتها الفنية مكامن الألوان الخاصة بها، يبحث في تجربته عن كل جديد ليكون متفردا بين الفنانين.
موقع "eDamascus" التقى الفنان "غسان النعنع" وكان معه الحوار التالي:
أن ما يميز الفنان "غسان النعنع" شخصيته الجادة كثيراً، وبحثه الدؤوب في أسرار التصوير الزيتي، فمنذ بداياته كان يرسم بطريقة أكاديمية مميزة، حيث يهتم بنقل التفاصيل بدقة واقعية، ويطور تجربته بالتلوين على أسس عصر النهضة بتركيب طاقات لونية شفافة، وإظهار درجات الظل والنور
** تجربتي متنوعة، وهي ضمن الإطار الواقعي الحديث والتعبيري، ولا يوجد اختيار مسبق لاتجاه معين، لكن ذلك يتشكل كنتيجة للتطور الشخصي، كتفكير ورؤية، وهو ما يشكل في تكوين الاتجاه والأسلوب والطريقة والمعرفة والثقافة، وكلها عوامل تنتج الاتجاه والموقف الذي يتطور لسلوك على المستوى الشخصي، وكانعكاس على لوحة الفنان، وبما أن الفن يتطور، لا أضع نفسي ضمن إطار مدرسة معينة، واعتبر أن جميع المدارس الفنية من حق الفنان، لذا أرسم أحياناً لوحة "سريالية" أو "تجريدية"، فالمدارس عبارة عن إرث معرفي للفنان، لكن ما يختلف الفكر الذي يتطور، بالتالي ينعكس ذلك على الموقف والسلوك.
** هي رغبة قديمة، حيث تعلمت الرسم من خلال لوحات الطبيعة، حتى أن رسوماتي في فترة دراستي غلب عليها موضوع الطبيعة، بالتالي ولدت حميمية بيني وبين الطبيعة التي ظلت مختزنة بذاكرتي البصرية، حيث أصبح هناك نوع من التآلف، فأتعلم منها الإحساس باللون والشكل وحتى التعبير، وأحياناً ما تجد الطبيعة غاضبة أو مريحة وجميلة، فالعلاقة القديمة بها ظلت مستمرة حتى الآن، والطبيعة موضوع تقليدي رسمها فنانون كثر، لكن ما يبقى البحث حول كيفية أن تكون متفرداً ومختلفاً بتجربتك عن الآخرين، والكثير من النقاد رأوا أني كونت بصمةً خاصةً، فهناك أكثر حرية بمعالجة الطبيعة، وفيها اتجاه نحو التلوين والعفوية، إضافة إلى نوع من التجريد والخيال، وفيها شيء جديد ورؤية مختلفة.
** هذا انعكاس لرؤيتي، وهو تكنيك مكون من الخبرة والممارسة، والتكنيك ينبغي أن يخدم التعبير، وهنا تكمن فائدة التكنيك، والضبابية هذه ربما تكون انعكاس لذاتي، والشفافية هذه تجدها خافتة أحياناً وحزينة أحياناً أخرى، الرسم داخل المرسم يجعل الفنان يستحضر ذاكرته حتى يكمل لوحته، فاعتمدت على اللون الواحد ضمن تدرجات طيف هذا اللون ما يوحي بالضبابية، والتكنيك عبارة عن صنعة وأسلوب يتصل بما أرسمه على اللوحة، لذا لا أحب العمل على شيء مسبق باللوحة، لتقوم عليها بتكنيك معين، وما يؤثر فيه الحالة النفسية للفنان التي تتكون من خلال أزمنة مختلفة، لذا ينبغي أن يملأها الإحساس بالتعبير على اللوحة وتشكيلها بشكل كامل، وهذا عليه أن يخدم بعضه.
** أحب الرسم وأنا أسمع الموسيقا، وأستمتع بها، وهذا نابع من العلاقة الحميمية بيني وبين الموسيقا، وأفضل الكلاسيك منها سواء أكانت شرقية أم غربية، ولا أستطيع العمل دون موسيقا، وبدأت أفكر بإقامة معرض كامل عن الموسيقا، إلا أن هذا الموضوع جرى معالجته بما يكفي، لذا كنت أبحث عن لوحات متفردة عن الفنانين الآخرين، ما دفعني للاكتفاء ببضعة لوحات، وأخذت شخصين يعزفان الموسيقا، معتمداً على ذاكرتي، وما كان يهمني تأثير الموسيقا على أشخاص واقفون، إضافة إلى الاهتمام في علاقة الموسيقا بالغاما اللونية، لأن الرسم انعكاس للموضع على خبرته..
** بالضبط ،هذا جزء من أسلوبي الذي اعتمدته، وكان لدي حب منذ الماضي للفنان العالمي "رامبرانت"، وعملت على الوجه الإنساني، بطريقة كلاسيكية تواكب طريقة عصر النهضة وما بعده، والانطباعية التي أعطت معنىً آخر للون، لذا اعتمد على الفاتح والغامق ضمن وحدة لونية شاردة مختلفة، وضمن الوحدة اللونية تجد التناغمات باللون، واعتماداً على بؤرة قوية من الضوء تأخذ العين وتوزعها ضمن اللوحة، بلعبة شكلية تتصل بالتكوين تتعلق بالعمل الفني فنعتمد على التلوين حسبما تتطلبه اللوحة.
** اختيار الموضوع لا يرتبط بقرار بل نتيجة تجليه في الذهن والمخيله، والتنوع أفضل للفنان، وهذا الأمر لا ينبع من التجديد، لأن التجديد لا يتعلق بتجديد الموضوع فقط، بل بالأسلوب وبفهم الموضوع وطريقة رؤيته ومعالجته وتطوره من خلال الموضوع الذي ترسمه، ولأن الفنان لا يختص بموضوع معين، والموضوع مرتبط بالفن والفكر والتشكيل والتكنيك، وهذا يعكس تغيرك وتطورك ورؤيتك الجديدة.
** هذا كان حاضراً بلوحاتي التي أنجزتها بعد تخرجي من كلية الفنون، فمشروع التخرج كان عن العمال الكادحين الذين تجدهم في الطرقات يبحثون عن لقمة عيشهم، واستمر ذلك لمدة زمنية طويلة حيث عالجت مواضيع وهموم الناس، ضمن ألوان تعبيرية ومعتمة، ثم جرى التحول بإحساس اللون فعالجت مواضيع تتعلق بالأسطورة ثم تناولت مواضيع بطريقة تجريدية ورومانسية أيضاً، فتجربة الفنان تتغير، أما اليوم فأحترم الاتجاه الواقعي بالفن، ومن خلاله يمكن أن يصل الفكر الذي تريد إيصاله، فبعد وفاة صديق لي عملت فترة طويلة على موضوع الشهيد، فكما قلت إن اختيار الموضوع مرتبط بالذات الإنسانية وأحاسيسها، فخلال عملك تجد لوحة خارجة عن الأسلوب المعروف فيلاحقها الفنان لأنه وجد تجديداً فيه.
الفنان التشكيلي "عبد الله مراد" رأى «أن ما يميز الفنان "غسان النعنع" شخصيته الجادة كثيراً، وبحثه الدؤوب في أسرار التصوير الزيتي، فمنذ بداياته كان يرسم بطريقة أكاديمية مميزة، حيث يهتم بنقل التفاصيل بدقة واقعية، ويطور تجربته بالتلوين على أسس عصر النهضة بتركيب طاقات لونية شفافة، وإظهار درجات الظل والنور».
وقال "مراد": «إنه بارع في رسم البورتريه والأشخاص حيث يعمل ذلك بأسلوب حداثوي عبر الفراغات والمساحات فيظهر فيها ضوء قوي وأخرى معتمة، فيما يعتمد أيضاً على اللون الأزرق والأحمر والألوان المبهجة والقوية، وبرع أيضاً في رسم المناظر الطبيعية، ليكون من أفضل الفنانين العرب برسمها، فعندما يقف أمام المنظر الطبيعي يضيف ويحذف فيه ويلون بمنتهى الحساسية والمهارة اللونية».
وأضاف: «تتميز شخصيته بحبها للآخرين، فهو شخص معطاء، وهذا ما يظهر في تدريسه بمعهد الفنون، حيث يعطي طلابه كل خبراته ومهاراته، ودرَّس خيرة الفنانين ودربهم على الرسم والفن، كما أن طلبته يتميزون بالمهارة وحبهم للفن، فيما يشارك بفاعلية في الحركة الفنية في سورية، من خلال معارض فردية ومشتركة وجماعية، ليكون فناناً ذي أهمية خاصة».