يجعل من لوحاته الفنية مقطوعات موسيقية، نشاهد إيقاعاتها وأنغامها عبر الألوان التي يستخدمها، فنتنقل بين لحن ريشته في تكوينات لوحة موسيقية.
الفنان "خالد المز" يعزف موسيقا لوحاته على إيقاع رسم المرأة من جهة، وضمن لمسات صوفية من جهة أخرى، لتكون لوحته معبرة وصريحة، كما كان حواره مع موقع "eDamascus".
يعتبر من الجيل الثاني للفنانين الرواد، حيث امتدت تجربته لستين عاماً، وإلى الآن ينتج الفن، اتسمت تجربته بالواقعية التعبيرية، ففي مصر احتك بفنانين كبار فيها، فكانت أعماله ذات طبيعة إنسانية، وما يميز الفنان "خالد المز" أيضاً موضوع المرأة، ذاك الكائن البشري الذي يشكل له العنصر الرئيسي للوحاته وتكويناتها
** في الحقيقة هذا الأمر مرتبط باللا شعور، فعندما أرسم لا أتقصد الرسم ضمن خصوصية صوفية، أو نطاق آخر، لكن حياتي اليومية التي أعيشها ملأى بالبساطة، لذا تجد في لوحاتي هذه اللمسة الصوفية، أي إنها انعكست دون قصد، وهي وجدت بشكل عفوي، وهي سمة ليست غالبة على لوحاتي على نقيض العديد من الفنانين الذين اتسمت لوحاتهم بالصوفية، لكن بالنتيجة لوحتي الفنية تحوي لمسة منها بما يخدم اللوحة وليس مرد ذلك لخلفية دينية أو ثقافية أو أي أمر آخر.
** هذا صحيح فالمرأة كانت حاضرة بشكل كبير، أكثر من أي موضوع آخر، واعتبرها عظيمة في المجتمع، فهي الأم والزوجة والأخت والابنة، كما أنها عنصر مهم في المجتمع والحياة، وحضور المرأة بلوحاتي أمر عفوي لا يرتبط بأي شيء معين، فيدي ترسم النساء دون تعمد، وربما أكون قد تأثرت بذلك من دراستي في مصر، حيث كنا نرسم الجسد العاري، لهذا أحببت رسم هذا الشكل لأنه يقدم طبيعة مجردة.
** ببداياتي الفنية تعلمت رسم البورتريهات، وهو أمر مهم جداً للفنان، لأنه يمكن أن يحدد مستوى الفنان وإمكانياته وقدراته الفنية، لذا تجد فنانين مختصين بالبورتريه، وبكل الأحوال رسم البورتريه ليس أمراً سهلاً، لكن هناك أمر غريب، لأن منطق الأمور يقول يفترض أن يكون الإقبال على شراء اللوحات الوجهية أكبر من أي لوحة أخرى، والسبب أن الناس تتمنى أن ترسم أبناءها وأولادها، لكن الرائج حالياً الإقبال على اللوحة التي تحوي مشهداً طبيعياً، وهذا الأمر مرتبط بالذائقة الفنية للمتلقين، بيد أن مستوى الثقافة الفنية لدى الناس ليس كما يجب، ويعود السبب إلى عدم وجود اهتمام بالفن في المدارس، حيث يجري تحويل الساعات الدراسية المخصصة لمادة الرسم والفنون لتدريس مادة أخرى، فهناك تمييز بين هذه المقررات عن مقرر الفن، ورغم ذلك نجد الآن اختلاف الوضع عما قبل، لوجود خريجين كثر، وازدياد أعداد مدرسي مادة الفن.
** أحببت التصوير والنحت المصري كثيراً، خاصة أنني عشت خمس سنوات في مصر، زرت خلالها المتاحف والمعارض المصرية، والتأثر هنا أمر طبيعي، فأي فنان يدرس أو يعيش في بيئة مغايرة أو مختلفة عن البيئة التي عاش فيها يتأثر بها، وهذا منطق الأشياء، كذلك تأثرت ببعض المدارس الفنية كالتكعيبية والسريالية خلال فترة تواجدي في فرنسا، كنتيجة لحب التجريب وبحث الفنان عن ذاته، ولم استمر بالعمل ضمن نطاق هاتين المدرستين، مع أنني وجدت فيهما تجربة مميزة تعطي إضافة إلى الفنان ولوحاته الفنية، فمثلاً تفيد الفنان عبر تحليله للشخص موضوع اللوحة، وانتهت هذه التجارب عند تجربة جديدة أعمل عليها تتعلق بخالد المز فقط، لأن التأثر هنا كان مؤقتاً، فيما تأثير البيئة السورية بقي ملازماً لي، لأني ابن هذا البلد، ولا يمكن أن أنسلخ عنه أو أعيش بعيداً عنه، لذا تجد تأثراً بالفن التدمري والسومري القديمين، فالريشة تقودني نحو هذا الموضوع أو ذاك، والأمر مرتبط بثقافة الفنان التي كلما ازدادت ارتفعت محبة الفنان لهذه الحضارة، وهنا أود أن أشير إلى نقطة مهمة، هي أنني لم أكن أسيراً لهذه المواضيع الفنية أو التأثر بهذه الحضارات فقط، حيث تجد أن الأساليب الفنية الحديثة والحضارة الحالية واضحة وجلية بأعمالي الفنية التي تتصل بالحضارات الغابرة، وتأثري بهذه الحضارات يرتبط بالحداثة التي هي واقعية حداثوية.
لماذا استندت إلى الواقعية الحديثة، فيما التعبيرية سمة غالبة على التشكيل السوري؟
هذا صحيح فالسمة الغالبة للمحترف التشكيلي السوري هي التعبيرية، ومرد ذلك يكمن في أنها أسلوب جديد يؤمن تعبيراً جميلاً عبر اللون والخط والموضوع، والتعبيرية موجودة في أعمالي، كما أنها انعكست على تجارب الفنانين بشكل أكبر من التجريدية والسريالية، وفي لوحاتي تجد التعبيرية، لأن الفنان يبحث عن الاتجاه والأسلوب الفني الذي يعبر عنه.
أنت فنان ملون، بطريقة توحي أنك تعتمد على لون واحد؟
بالضبط، أنا ملون جداً، ففي مساحة اللوحة تجد ألواناً كثيرة، وتوحي بأنها تعتمد على أسلوب التلوين بالمونوكروم أي اللون الواحد، والسبب أن هذا أسلوبي وطريقتي بالتلوين، حيث أضع لوناً على اللوحة ثم ألوناً فوق هذا اللون، ليعطي لوناً آخر ومختلفاً عن الألوان التي استخدمها، وتعمدت ذلك، لتكون صفة تلازمني وأكوّن هويتي من خلالها.
تعتمد على الإضاءة كثيراً في لوحاتك، ما خصوصية ذلك؟
** اللوحة عبارة عن تكوين وخطوط وظل، فالإضاءة لها دور بالحركة، حيث أجعل المتلقي يتنقل ضمن اللوحة عبرها من جهة إلى أخرى من ثم إلى مركز اللوحة، وهذا جزء من أسلوبي، وقد وجدت ردود فعل وتجاوب مهم من المتلقين والنقاد الذين كتبوا وتحدثوا عني بإيجابية، وأنصفوني وتحدثوا عن تجربتي الفنية دون محاباة.
الفنان "عبد الناصر جوب" رأى أن الفنان "خالد المز" «يعتبر من الجيل الثاني للفنانين الرواد، حيث امتدت تجربته لستين عاماً، وإلى الآن ينتج الفن، اتسمت تجربته بالواقعية التعبيرية، ففي مصر احتك بفنانين كبار فيها، فكانت أعماله ذات طبيعة إنسانية، وما يميز الفنان "خالد المز" أيضاً موضوع المرأة، ذاك الكائن البشري الذي يشكل له العنصر الرئيسي للوحاته وتكويناتها».
وأضاف: «في فرنسا كانت تجربة أخرى، فتحت المجال له، حيث تكونت خصوصيته، عبر تأثره بالحضارات القديمة، لكنه لم يكن أسير هذه الحضارات، بل أخذ ما يناسبه منها، واختصر ما يريده، فكان له خصوصية ضمن هذا الأداء، ورغم التطور الفني العالي المستوى في أوروبا إلا أنه لم يذب بالخصوصية الأوروبية، على عكس الكثير من الفنانين الذين قلدوا تلك التجارب، كما أن الفنان "المز" استفاد من تلك الدولتين من حيث الشكل في اللوحة، محافظاً على المضمون الذي بات أعمق مع مرور الوقت، فاستطاع عبر تجربته الغنية والمتنوعة الحفاظ على ما هو موجود لديه وعلى ذاتيته، إذ يوجد في لوحاته لمحات سومرية قديمة، وقد خلطت بالتقاطع مع الحضارات الفرعونية».
وتابع: «التكنيك يشكل حالة خاصة به فيتعامل مع الضوء، وهو مأخوذ من الحضارة الأوروبية، ويبحث عن حالات بعيدة وفريدة فيها عمق نفسي، فتحوي الكائنات التي يرسمها سراً ما، ومخزوناً يجعلك تتأمله ويجذبك إليها، فلا يرسم بطريقة مباشرة يسهل قراءتها، كما أنه يبني تكوينه على أسس عفوية ومدروسة في آن معاً، والإضاءة ذاتية يبتكرها بنفسه، لها قيمة لونية، والمضمون عنده عميق، له علاقة نفسية سيكولوجية، حيث خلق خصوصية عبر إنتاجات فنية مهمة، إذ ابتكر إنتاجاً فنياً يستحق الدراسة».