من عبق التراث وأصالته استمد موضوع لوحاته التشكيلية، لتكون مرآة له ولرؤيته الفنية، فعبرت عن التراث بكل مضامينه تماماً كما عبرت عن ذاته وأحاسيسه.
التراث الذي رسمه بلوحاته حدد معالم الخط الفني للفنان "علي الكفري"، فكان لوحة تراثية برؤية معاصرة، تحاول أن تعيد للتراث جماله وألقه، وبذلك الألق كان حواره مع موقع "eDamascus" بتاريخ /16/11/2011/.
لقد أضاف علي للحركة التشكيلية مضامين فنية متعددة وجديدة، عبر ابتكاره للتقنية اللونية الخاصة به، حيث كانت سمة بارزة في مجمل أعماله الفنية القديمة والجديدة، عبر الخوض في غمار البحث والتجربة، مقدماً بحثاً تشكيلياً جديداً
** كانت الثورة الفلسطينية الشغل الشاغل لكل فنان عربي في فترة السبعينيات، حيث كانوا متضامنين حول هذه الثورة، ما دفعني للالتزام بالإنسان الفلسطيني المقاوم الذي لا يعرف الكلل والملل إلا بالعودة إلى وطنه، إلى أن تحولت لرسم التراث نتيجة لحادثة مرت معي في مطار فرانكفورت، بعد أن رأيت امرأة اسرائيلية تلبس الثوب الفلسطيني، فبدأت أرسم هذا التراث الذي بات عرضة للسرقة الإسرائيلية، خاصة أن الإنسان الفلسطيني لا يمكن أن ينسى تراثه، ومع مرور الوقت ظلت حادثة فرانكفورت معلقة في ذهني، إلى أن جاءت حادثة أخرى ألحت على رسم التراث، فعندما كنت أجلس في مقهى دمشقي وجدت بعض الأدوات التراثية فيه، ما دفعني إلى رسم الموروثات الشعبية، وبدأت برسمها، وبالفعل بدأت رسم الموروثات الشعبية، عبر البدء بالبحث عن التراث الفلسطيني والسوري والعربي والإسلامي، فتعمقت بهذه التجربة لمدة تزيد على 14 عاماً، وقمت بجولة حول العالم للبحث عن التراث وإقامة المعارض الفنية حول هذا الموضوع.
** قبل الإجابة عن سؤالك، أود أن أشير إلى نقطة في غاية الأهمية، أنا لم أرسم شيئاً اسمه تراث بل الموروث الشعبي، فالتراث يتوارثه جيل بعد جيل، أما الموروث فيتعلق بالأواني الفخارية والنحاسية التي لا يزال يستخدمها الإنسان في حياته، والتي لم يبق لها أثر، واستخدمت الأشياء الموروثة، وهذا الأمر كان محور بحثي عبر عدة جولات على أغلب متاحف سورية، حيث كنت أسأل عندما أسافر إلى أي بلد عن تراث هذه الدولة لأبحث فيه، ويكون موضوعاً فنياً للوحاتي لأنه نتاج حضارة الإنسان.
** في الأساس الفخار هو التراث، وهو موجود قبل أن يخلق الانسان، وذكر في القرآن بالآية الكريمة "وخلقنا الإنسان من صلصال كالفخار" واستخدمته لأوحي بقدمه وعراقته، فتشعر وكأن عمره خمسة آلاف عام، ثم بدأت أكتب الآيات القرآنية على قطع الفخار، حباً وتأكيداً على الهوية العربية التي يبدو أن معظم الفنانين العرب ينسونها، إذ باتوا يوقعون على أعمالهم باللغة الأجنبية وينسون العربية، لذلك أرى غياباً للهوية العربية للكثير من لوحات الفنانين.
** يعود السبب إلى أن معظم الفنانين العرب درسوا الفن في دول غربية وأجنبية، وأصبحوا فاقدين للثقة بأنفسهم، والفن الغربي هروب من الواقع، وإذا ما نظرت إلى اللوحات المشهورة بالعالم ترى أنها ظهرت في عصر النهضة، فلا تجد في الفن الغربي الحديث ما يشدك إليه، ومع ذلك ترى أن الهوية الفنية في معظم دول العالم موجودة، لكن إلى متى سنبقى نقلد الغرب؟ ولم لا نملك شخصية فنية مستقلة بنا؟.
** على العكس تماماً وجدت في الموروث الشعبي طريقي الفني، وأنا مرتاح بالسير في هذا الاتجاه، حيث كونت لنفسي أسلوباً خاصاً، بات عرضة للسرقة، خاصة في دول الخليج، حيث بدأ البعض ينسخون عدداً من لوحاتي، كذلك أجد الآن هذا الأمر لدى عدد من التجار في سورية، إذ يقومون بنسخ العديد من لوحاتي وبيعها، وهذه سرقة لمواضع وأفكار الفنان يجب وضع حد لها، لكن للأسف لا يوجد من يحمي الملكية الفنية للتشكيلي، ويغيب من يضع ضوابط لهذه القرصنة.
** بعد العمل بالفخار وكتابة الآيات القرآنية، بدأت بتوظيف الخط العربي لأنه جزء من التراث، وخلال تجوالي في أحياء دمشق القديمة بدأت أفكر بالعمارة، وأخذ السؤال يطرح نفسه علي، لماذا لا أوظفها بتقنية وأسلوب جديدين؟ لهذا بدأت أعمل على تحويل العمارة الإسلامية بطريقة فنية جميلة.
الفنان "أحمد إلياس" وخلال مقابلة مع موقع "eDamascus" بتاريخ /16/11/2011/ رأى: «أن "الكفري" التزم القضية الفلسطينية، وكان مخلصاً لها، لأنها تعيش في وجدانه، ومن ثم عكف على رسم التراث العربي والإسلامي، ونهل من رموزه وتراثه وفلكلوره، موظفاً ذلك بطريقة لافتة لكل المتلقين على اختلاف ثقافاتهم، لأنها تعيش داخل الإنسان العربي وحتى الغربي».
وقال "إلياس": «لقد أضاف علي للحركة التشكيلية مضامين فنية متعددة وجديدة، عبر ابتكاره للتقنية اللونية الخاصة به، حيث كانت سمة بارزة في مجمل أعماله الفنية القديمة والجديدة، عبر الخوض في غمار البحث والتجربة، مقدماً بحثاً تشكيلياً جديداً».
وأضاف: «يجمعني مع "علي الكفري" مشروع مشترك يتعلق بالنهل من التراث العربي، كل تبعاً لأسلوبه الخاص، فعلي يرسم لوحته ضمن جملة الفولكلور، ويبنيها على مفهوم "الإيتيلاج" أي الرتابة بتموضع الأشكال ضمن اللوحة بطريقة واقعية عبر القرب من الطبيعة الصامتة الخاصة به».