منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية، سرقه المسرح دون أدنى مقاومة منه، ذاك أن حبّه وشغفه بالمسرح لم يفارقه يوماً.
إنه «علي القاسم» ابن الجولان العربي السوري المحتل وتحديداً منطقة "البطيحة"، هذا الألم الذي لم يُثني عزيمته أو يحدّ من طموحه وحلمه بأن يعتلي خشبة المسرح ويغني الحركة المسرحية السورية، إنّه ورغم مرور عشرات السنين على احتلال الأرض ما زالت رائحة أشجار التين والكروم تعبق في كل مكان يتواجد فيه.
إنه سوري من الجولان المحتل تعرفت عليه في الثمانينيات وما يزال حتى اليوم يشمّ رائحة أرض الجولان، وأشجار التين والكروم، إنّه إنسان واضح إن أحب يقول أحبك وإن كره يقول أكرهك، ولا وجود للون الرمادي عنده، وأهم ما يميزه أنه لا يتوانى عن مساعدة أي شخص حتى ولو لم يعرفه، اليوم هو مدير مسرح الحمراء ولكنه لا يعامل الموظفين إلاّ كأخوة ينبههم إن أخطؤوا ويثني عليهم إن جدّوا، لقد قضينا مذ عرفنا بعضنا وعلى أرض مسرح الحمراء أجمل الأيام والذكريات، وأذكر هنا أننا في كثير من الأيام كنا ننام على كراسي المسرح بعد ساعات العمل الطويلة
إنّه الممثّل الإذاعي والمسرحي والتلفزيوني والمؤدّي لكثير من الشخصيات الكرتونية وأولها شخصيته الفهد الأسود "باغيرا" التي أداها في «فتى الأدغال ماوكلي» وهو اليوم يشغل إدارة مسرح الحمراء في دمشق، "eSyria" . زار الفنان "علي القاسم" وكان هذا الحوار ..
** عندما كنت في المرحلة الإعدادية وكنا نتبع لاتحاد شبيبة الثورة كانت هناك مجموعات تهتم بنشاطات مختلفة منها من كان مختص بالشعر ومنها من اختص بالأدب ، وأنا كنت في مجموعة تهتم بالتمثيل وكنت ما أزال في محافظة دمشق، أشارك في التمثيل وأقول في ذاتي سيأتي اليوم الذي أعتلي فيه خشبة المسرح، إضافة إلى هذا التحقت بمعهد خاص لتعليم الموسيقا، استمريت هكذا حتى بدأ التقديم للمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق عام 1978 وتمّ قبولي ، درست فيه وتخرجت عام 1982 حيث قدمت أوراقي مباشرة لنقابة الفنانين وأصبحت عضواً فيها، ومنذ عام 1990 أصبحت عضوا في مجلس فرع المنطقة الجنوبية للنقابة إلى عام 2006.
** بعد التخرج أديت الخدمة الإلزامية ولحسن الحظ كان فرزي في المسرح العسكري وقدمت آنذاك أول مسرحية لي في المسرح القومي عام 1984 وهي «الزير سالم» من إخراج السيدة «نائلة الأطرش» وشاركنا بها في مهرجان دمشق المسرحي، ثم شاركت بمسرحية «المخططون» وهي من إخراج الفنان أيمن زيدان، ثم دخلنا بمسرحية خاصة جداً للمسرح القومي وكانت ذات صيغة مختلفة وكان اسمها «كاليغولا» إخراج الفنان "جهاد سعد" وتتحدث عن حالات تمر بها شخصية الإمبراطور «كاليغولا» وشاركنا بها في مهرجان قرطاج وأذكر حين قدم العرض المسرحي السوري عرف المشاركون بأن المهرجان قد بدأ، هذه المسرحية أنجزناها دون نصوص في البداية ما جعلنا نستغرق وقتاً طويلاً تجاوز العشر ساعات يومياً ، أيضاً شاركنا بهذه المسرحية في مهرجان دمشق المسرحي سنة 1986 ومهرجان لقاء العرب في مدينة الجزائر سنة 1987 وعرضناها في بيروت.
ثم انتقلت لعدة سنوات إلى الدوبلاج وعدت إلى المسرح عام 2000 لأنه حالة لا تعوض أبداً وإحساسي به كبير جداً كما شوقي له، هذه العودة رافقها عرض مسرحي اسمه «نبوخذ نصر» من تأليف «طلال نصر الدين» وإخراج «محمود خضور» ثم شاركت بمسرحية «الفارسة والشاعر» سنة 2003 من تأليف الكاتب والشاعر الراحل «ممدوح عدوان» وإخراج «محمود خضور» وشاركنا بها في مهرجان دمشق المسرحي سنة 2004.
بعدها دخلت بمسرحية اسمها «شوباش» تأليف وإخراج «هشام كفارنة» وقدمناها بمهرجان للمسرح في مدينة طهران ثم شاركنا بها بمهرجان دمشق المسرحي لعام 2006 وقد كان هذا العام حافلا حيث شاركت بثلاثة عروض. حيث شاركت بمسرحية «انتظار» من إعداد وإخراج «وليد قوتلي» وكان لي مشاركة في مسرحية «رأس الغول» إخراج «زيناتي قدسية» أيضاً شاركت في مسرحية البيت ذو الشرفات السبع وهذه أيضاً سافرنا بها إلى مهرجان استنبول في تركيا.
** المسرح السوري يتمتع بصيت رائع وجمهور كبير فكما قلت لك في مهرجان قرطاج قيل بعد انتهاء العرض لقد بدأ المهرجان رغم مضي أيام على بدايته، هذا بالإضافة إلى الجمهور الكبير الذي تابع عروضنا في تركيا ولكن الأهم من ذلك هو العرض المسرحي «انتظار» الذي قدمناه في مدينة عمان في الأردن حيث كان من ضمن الحضور رجل مسرحي ياباني دعانا للمشاركة في مهرجان مدينة «أوكيناوا» اليابانية سنة 2008، كانت رحلة ممتعة والأجمل كان الجمهور المتنوع الذي حضر المسرحية من أطفال ونساء ورجال، لأنهم لم يكونوا بحاجة إلى اللغة لكي يفهموا العرض، فنحن أنجزنا المسرحية بأسلوب يؤدي الرسالة دون الحاجة إلى اللغة وهم في الوقت نفسه كانوا مشاهدين جيدين.
** كان مكلفاً كثيراً ولكننا لم نتوان عن المشاركة في أي مهرجان داخل سورية وخارجها وكنا نتقاضى مهمات من مديرية المسارح كأجر على هذه المشاركات، كنا نسافر على نفقة مديرية المسارح وكذلك نفقة البلد المضيف، وفي الحقيقة لم يكن همنا آنذاك الربح بقدر ما كان همنا وهدفنا الوحيد النهوض بالمسرح السوري وإيصاله إلى كل بلد وتعريف العالم بفننا الراقي.
** أعود وأقول أن المسرح حالة لا تعوض، لكني مثل كثير من زملائي شعرت بالحاجة إلى المال كي أعيش بكرامة وكي أستطيع الاستمرار في تقديم العروض المسرحية، لقد كان لدي مسؤوليات كثيرة والعمل في المسرح لا يسد حاجاتي وضرورياتي اليومية، فانتقلت إلى دوبلاج مسلسلات الأطفال الكرتونية منذ عام 1989 حتى 2000 تقريباً.
ورغم أن الغاية في البداية كانت الكسب المادي إلا أني بعد فترة قصيرة أحببت هذا العمل وأردت تطوير أدواتي فيه وتقديم المفيد للطفل مع حرصي الدائم على التقديم باللغة العربية الفصيحة.
** نعم بالتأكيد، فقد كنت بالحلقة الأولى لتأسيس مسرح الطفل في دمشق مع المخرج عدنان جودة الذي أسس فرقة تبنتها مديرية المسارح والموسيقا كمؤسسة وهذا كان تقريباً في عام 1984، مع هذه الفرقة قدمت مسرحيات وروايات عالمية مثل «علي بابا والأربعين حرامي»، «بياض الثلج»، «حكاية سندريلا»، و«بدور والأقزام السبعة»، وآخر مسرحية للأطفال كانت عام 2005 كان اسمها «الحاكم فانوس يبحث عن ملبوس» وهي من إخراج مأمون الرفاعي عرضناها في دمشق وتم اختيارها للمشاركة في مهرجان الطفل في المغرب العربي بمدينة أصيلة، وكانت المشاركة جداً رائعة والجمهور كذلك، ثم طلب منا المشاركة بهذه المسرحية في أكثر من دولة ولكن لظروف لم نستطع السفر.
** أول عمل مدبلج قدمته للأطفال كان في المسلسل الكرتوني «فتى الأدغال ماوكلي»بشخصية باغيرا والذي ما يزال يحظى بنسبة مشاهدة عالية ثم شاركت في مسلسل «كريستوف كولومبوس» ومن ثم عمل عالمي كان اسمه «صوت الموسيقى» وعرض على شاشتنا الصغيرة باسم «لحن الحياة»، وغيرها من الأعمال وكلّها كانت تمتاز بالفائدة والمتعة والتعليم والتثقيف للطفل وكما ذكرت سابقاً كنت أحرص على التقديم باللغة العربية الفصيحة لأن للطفل لغته التي يركبها واللغة العربية هي لغته الأم لذلك كنت أركز على العبارات الأصح والأقرب إلى الطفل الذي كثيراً ما يحادث أصدقاءه بلغة فصيحة تقليداً لما يشاهده في البرامج الموجهة له.
لذلك فأنا أرى أن تقديم الأعمال التلفزيونية للطفل من أصعب الأعمال ويجب أن تكون هادفة وتلامس تربيته ومجتمعه وبيئته هذه الأمور كنّا نركز عليها سابقاً أما اليوم فأغلب الأعمال تحمل طابعاً عنيفاً وهي أعمال هدفها الربح في النهاية.
والبعض يستهسل الأعمال المقدمة للطفل في حين علينا جميعاً كعاملين في مجال الدوبلاج للمسلسلات الكرتونية اختيار الشخصية بدقة والعمل على إقناع الطفل بها، وهذه العملية ليست بالسهلة، بل من الصعب أن أنقل للطفل حالة الرسم وجعله يصدق أن هذا الرسم يتحرك ويضحك ويتكلم، كل هذه الأمور إضافة إلى الخصوصية التي يتسم بها عالم الطفل جعلتني أحب الأعمال الموجهة له وأؤمن بالرسالة التي أقدمها، وهنا أريد أن أقول لكل من يعمل في هذا المجال الإيمان والصدق والمسؤولية والالتزام أهم ما يقودنا لتقديم مسلسل كرتوني يحظى بإعجاب الأطفال.
** قبل حرب 1967 كانت صلتنا الوحيدة مع العالم الخارجي هي الراديو وعبر هذه الآلة الصغيرة كنا نسمع الأخبار والموسيقى والأغاني والأدب والشعر والدراما، هذا الجهاز كان يجذبني كثيراً، ومن شدة ولعي به في تلك الفترة نظمت جدولاً لكل البرامج التي أتابعها في هذا الجدول اسم الإذاعة والبرنامج ووقت بثّه وكانت إذاعة دمشق وما زالت الإذاعة الأولى التي أستمع إليها نظراً لنوعية البرامج التي تقدمها والمحتوى التعليمي والتثقيفي الذي تحرص دوماً على إيصاله.
** قبل أن أذكر الأعمال التي قدمتها في الإذاعة أود القول بأن المخرج الراحل «خالد شعبو» كان صاحب الفضل في حصولي على فرصة العمل في مساعدة الإخراج الإذاعي، ثم عملت في برنامج اسمه «شخصيات روائية» ما زال يبث حتى الآن وبعدها عملت مع كلّ المخرجين الإذاعيين تقريباً، أشعر بأن الإذاعة كما المسرح بالنسبة إلي، أيضاً من الأعمال التي شاركت فيها «محكمة الضمير» من إخراج «محمد غزاوي» وبرنامج متخصص بالشعر من إخراج «جمال العقاد»، وبرنامج «حكم العدالة»، كذلك برنامج اسمه «قصة الأسبوع» وهو من إخراج «محسن غازي» وشاركت في تمثيلية الأسبوع يخرجها «فاضل وفائي» وكان لي شرف العمل مع الأستاذ «فاروق حيدر» الذي أعتبره مربي أجيال بكل معنى الكلمة.
** التلفزيون يحقق الانتشار والكسب المادي في بداياتي أبداً لم يغريني العمل في التلفزيون، لكن وكما قلت مردود العمل المسرحي لا يسد حاجات الممثل لذلك كانت أولى مشاركاتي في الدراما التلفزيونية في مسلسل «نهاية رجل شجاع» في العام 199 تقريباً حيث شكل هذا العمل انطلاقة الدراما السورية إلى الوطن العربي كما شكل انطلاقة المخرج «نجدت أنزور» في سورية بعدها شاركت معه في مسلسل «الجوارح» ثم «سقف العالم».
وفي رمضان الماضي شاركت في مسلسل «بومب أكشن» للمخرج فيصل بني المرجة وقبل ذلك بأعوام شاركت في مسلسل «الموؤدة» للمخرج «ثائر موسى». بعدها عملت في الفضائية التربوية في مسلسل اسمه «من حضارة العرب» للمخرج هيثم زرزوري وعمل آخر اسمه «شعراء العرب» من إعداد «مروان الخاطر» وإخراج شاب واعد اسمه «عامر أبا زيد».
** التلفزيون بحاجة إلى العلاقات المستمرة والتي لا أنشط فيها كثيرا ،وهناك صعوبات في ترشيح اسمي للعمل التلفزيوني، فمثلا أنا بحاجة لوجود صديق ليرشح اسمي أمام المخرج كي يطلبني للعمل، هذا بالإضافة إلى التصنيف المجحف بحق الفنان والذي يعتمد على فرز الفنانين إلى فنان يصلح للعمل التاريخي وفنان يصلح لعمل البيئة الشامية وهكذا، هذه المشكلة تضع المخرج في فخ الكادر الواحد، فالعمل الدرامي بحاجة دائماً إلى الإبداع الذي يتأتى من الشجاعة وهذه الشجاعة تكمن في جرأة المخرج وشركة الإنتاج وطرح أسماء ووجوه جديدة وفي البحث في إمكانيات الفنان وإعطائه فرصة في أكثر من عمل ما يشجع الممثل على تطوير أدواته وخلق أفكار جديدة وبالتالي تقديم عمل جيد.
** شغلت منصب إدارة المسرح في عام 2005 وبقيت فيه حتى عام 2007، ثم في شهر حزيران من عام 2010 عدت إلى إدارة هذا المسرح العريق. أما عن خطة العمل فقد تأخر الموسم المسرحي قليلا إلا أننا بدأناه بمسرحية للأطفال اسمها «لالي» للمخرجة ميادة ابراهيم وهي من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا ،وهناك مسرحية سيتم عرضها مجدداً اسمها «فاوست» للمخرج هشام كفارنة وأريد أن أقول أن صالة العرض مفتوحة أمام كل الشباب المسرحيين للتدرب والقيام ببروفاتهم في حال توفر الوقت الذي يحتاجون وهذا يتم دون أي أجر وبالموافقة من مديرية المسارح.
"علي القاسم" إنسان واضح لا وجود للون الرمادي عنده:
"فؤاد العضيمي" مهندس الصوت في مسرح الحمراء وصديق الفنان «علي القاسم» منذ أيام دراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية يرى في «علي القاسم» الإنسان قبل كل شيء، قبل الفن وقبل المسرح ويقول: «إنه سوري من الجولان المحتل تعرفت عليه في الثمانينيات وما يزال حتى اليوم يشمّ رائحة أرض الجولان، وأشجار التين والكروم، إنّه إنسان واضح إن أحب يقول أحبك وإن كره يقول أكرهك، ولا وجود للون الرمادي عنده، وأهم ما يميزه أنه لا يتوانى عن مساعدة أي شخص حتى ولو لم يعرفه، اليوم هو مدير مسرح الحمراء ولكنه لا يعامل الموظفين إلاّ كأخوة ينبههم إن أخطؤوا ويثني عليهم إن جدّوا، لقد قضينا مذ عرفنا بعضنا وعلى أرض مسرح الحمراء أجمل الأيام والذكريات، وأذكر هنا أننا في كثير من الأيام كنا ننام على كراسي المسرح بعد ساعات العمل الطويلة».