تفيض لوحاته بتداعيات ذاكرته الممتلئة بالصور والثقافة البصرية المتعددة المصادر والأشكال المتصلة دوماً بأحاسيسه المتحفزة للإبداع، وتقديم تجربة متفردة.
التلقائية والعفوية التي ميزت حرية حركة ريشته على بياض لوحاته تجلت أيضاً بحوار الفنان "علي السرميني" مع موقع "eDamascus" بتاريخ /14/12/2011/.
نقل شعلة الفنون الجميلة من "دمشق" إلى "حلب" وأضاف إليها جذوة الفنون التطبيقية، معيداً إلى حلب ألق الريادة الذي عرفته قبل غيرها في القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما استقبلت عشرات الفنانين الأرمن من الذين أسسوا أكاديمية صاريان للفنون الجميلة في الأربعينيات
** لاشك أن في الحركة الفنية التشكيلية في منتصف الستينيات من القرن الماضي ألقت بتأثيراتها علي، وقد أبهرني أستاذي الكبير "فاتح المدرس"، حينما كنت تلميذاً في المدرسة الإعدادية، ولاشك أن هذا الفنان مبدع، ويرسم أمامنا وكأنه مايسترو موسيقي وسافر إلى ايطاليا، لكن بقي هذا الفنان في ذاكرتي إلى أن بدأت ارسم وأقلد هذا الفنان الكبير واضافة إلى موهبتي الفنية اعجابي بالألوان وحركة الطبيعة ومنظر الطبيعة وشكل الإنسان وكل هذه الأمور أثرت بي بشكل كبير جداً، إلا أنني شاركت في معرض الخريف في "دمشق" ومعرض الربيع بحلب للفنانين السوريين المتميزين، ومن بعدها حصلت على الشهادة الثانوية، وبقيت عدة سنوات بلا دراسة، نظراً للظروف المادية إلى أن أصبحت هناك بعثات للفنون الجميلة ونجحت في إحداها، وكنت الأول على مدينة حلب، والثاني على مستوى "سورية"، وأكملت دراستي في كلية الفنون الجميلة كبعثة داخلية، ومن ثم تخرجت بتقدير ممتاز، وكان مشروع تخرجي في كلية الفنون الجميلة في جامعة "دمشق" عن الصيادين والبحر، وأحببت هذا الموضوع لأنني ابن مدينة كبيرة، والبحر نتعطش أن نراه بشكل دائم من خلال آفاقه العريضة، وطبيعته التي تختلف عن المدن التي تفتقر إلى البحر.
** لا تهمني العالمية لأن الفن حالة إنسانية متكاملة، وكل لا يتجزأ أبداً، الفن يجمع البشر، وكنت أقول دائماً لأصدقائي إننا لا نعرف الفرنسية، لكن نعرف ونفهم ونشعر بلوحة لمونيه أو غيره من الفنانين الفرنسيين العظماء أو لفناني "ألمانيا" وغيرهم من الفنانين العالميين، فأنت لا تفهم اللغة، لأن الفن لغة عالمية فكل البشر يفهمونها، لكون الفن في كل نواحيه لغة إنسانية عالية.
** تعرفت على أستاذي الذي تتلمذت على يديه البروفسور الفنان الكبير "فالكة كموكة"، وهو من رواد الواقعية الاشتراكية في "سورية"، وبعدها درست بالتقنية الألمانية، من ثم التعبيرية الألمانية والاشتراكية حتى أعبر عما يجول في داخلي من خلال رؤيتي وألمي الناتج عن القضايا الإنسانية بشكل عام وبلدنا وفي "فلسطين" أيضاً، وما نتج من تداعيات احتلالها بشكل خاص، هذا دفعني أن أختص وأعجب بهذا الأسلوب حتى أعبر كذلك عن التفاؤل، وأعيش الأمل من أجل حرية كل مقهور، وحرية شعبنا في "فلسطين" والمناطق العربية المحتلة في وطننا العربي، وبنفس الوقت ومن خلال المدرسة التعبيرية في الألمانية والتقنيات التي تعلمتها أنجزت عدة أعمال من الزجاج المعشق ومادة "المينا" فكان لدي عملان كبيران الأول عن "القنيطرة" والعمل الآخر عن "القدس"، وبالنسبة لعمل "القنيطرة" ذهبت قبل الإفادة إلى ألمانيا مع أستاذي الكبير الذي اخترته ليشرف على دراستي هناك "فالكة كوموكة" ودخلنا المقبرة المسيحية، فشاهدنا الانتهاكات الاسرائيلية لهذه المقدسات، وشاهدنا الأموات كيف أخرجت من قبورها، كأنني شاهدت لوحات سريالية في هذه المقبرة، وحتى أستاذي والوفد الألماني لم يستطيعوا تصوير هذه المشاهد بالطريقة الألمانية، فمن خلال التقنيات التي امتلكتها في ألمانيا رسمت مجموعة لوحات بمادة "المينا" عن "القنيطرة" وهذه اللوحة تعبر عن الكنيسة والمسجد في تلك المدينة، ومن ثم الديك الذي يستيقظ صباحاً لإيقاظ الناس من أجل العمل، حيث وجدته تحت شجرة في "القنيطرة" حزيناً، كل هذه المسائل قمت بالتعبير عنها في لوحة تحت مسمى "القنيطرة"، وعرضت في مدينة "برلين" وقمت بعمل آخر عن "القدس" وفي الزاوية اليمينية تركيب تشكيلي للجمع بين "المسجد الأقصى" و"كنيسة القيامة"، وفي الوسط الشهداء وفي اليسار الديك الذي يستنكر الجريمة، ومن ثم الشهداء، فهذه اللوحة مجموعة من العناصر التي تدل جميعاً وتعبر عن "القدس".
** هنالك مؤسسات أكاديمية في "سورية"، وكل ما نتمناه جميعاً كمواطنين وأكاديميين أن تتطور هذه الأكاديميات لتحقق أهدافها، ولا يمنع أن يكون هناك أكاديميات لأن ذلك يدل على زيادة الحضارة، فهي قوة لكل الوطن، لكن بنفس الوقت هذا التطور الأكاديمي ينبغي ان يفعل مؤسساتياً من خلال كليات الفنون الجميلة واتحاد الفنانين التشكيليين ووزارة الثقافة لأنه لم يأخذ دوره وطنياً تنموياً وحضارياً واقتصادياً، كي يحقق الهدف المطلوب وهو الحضارة وتطور الإنسان والثقافة، وكل ما نرغب به جميعاً وألا يكون هناك تشتت في أكاديميات تسير باتجاه والمؤسسات الأخرى تسير باتجاه آخر، بل أن يكون الكل متكاملاً من أجل هدف واحد، وهو الوطن الحضاري والتاريخ ووطن الحضارات الكبرى مثل الآرامية والفينيقية والأموية....الخ، وبنفس الوقت لنحقق المزاوجة بين ما يتطور في العالم كتقانات وكقانون في مسألة التطور، ولنخضع هذا القانون إلى واقع من خلال العلاقات التفاعلية بين الأكاديميات والمؤسسات الشعبية أو الرسمية، حتى نستطيع القول تعيش "سورية" العربية بشكل يعكس تاريخ وعمق وحاضر ومستقبل البلاد.
** هذا صحيح فالعالم الذي أصوره في لوحاتي يعتبر عالماً قلقاً، ونزقاً، لأن الواقع الحقيقي هو كذلك، وهدفي أن أواجه المشاهد بأسئلة كثيرة لأجعله يعيد النظر بكل ما من حوله من جديد، فرسم الشخوص في لوحاتي يحرض مثلاً على أسئلة تدور حول الانتماء والعلاقة بالجماعة والتنظيم والأهداف التي تطمح إليها، ولا يترك الفنان للشخص المصور في لوحاته حيزاً كثيراً، لذا استخدم وجه الشخص المصور للتعبير عما أريد.
الناقد الدكتور "عبد العزيز علون" خلال مقابلة مع موقعنا بتاريخ /14/12/2011/ تحدث عن مساهمة الفنان "علي السرميني" في الحركة الفنية في حلب: «نقل شعلة الفنون الجميلة من "دمشق" إلى "حلب" وأضاف إليها جذوة الفنون التطبيقية، معيداً إلى حلب ألق الريادة الذي عرفته قبل غيرها في القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما استقبلت عشرات الفنانين الأرمن من الذين أسسوا أكاديمية صاريان للفنون الجميلة في الأربعينيات».
وأضاف: «لقد أرسى "السرميني" أسس كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في "حلب" للعام الدراسي /2008/2009/ وأضاف كلية جديدة في جامعة حلب، سيكون لها شأن عظيم سيعيد للفنانين اللون المشرق والتعبير العبقري إلى الشارع الحلبي التقليدي الذي حفظت لنا الأجيال شهرته وفخامة إنتاجه وأصالة فنانيه عبر العصور، واللوحة الواحدة عنده تضم أعداداً من الشخوص التي تتزاحم في المدى الضيق، والألوان تخرج منها بريئة، لتغطي المساحات المتجاورة والمتنافسة وتتميز أعماله بتعبيرية تتألق فيها الألوان بصراحة لافتة للنظر».