ينتمي الفنان "أسامة دويعر" بتجربته التشكيلية إلى جيل الشباب الذين يحاولون عصرنة اللوحة التشكيلية من خلال التجربة والمغامرة في عالم الفن، فلوحاته مملوءة بالحيوية والشاعرية، ممزوجة بعالمي الشعر والمسرح، وليشكل بذلك ثالوثا فنيا خاصا به.
"eSyria" التقى الفنان "أسامة دويعر" وكان معه اللقاء التالي:
أسامة دويعر فنان مرهف الإحساس يستشعر الألم في الآخرين، يلفه لمسة حزن ليخرج فناً معبراً، فكلماته وألوانه أصدق من الحبر في التدوين رغم أنه يكتب في الشعر، كلمته لون ولونه تائه في عالم المسرح، فلوحاته لا تعرف الاستقرار لذلك ترى لوحاته تعج بالخصوبة والحركة ولا تعرف السكون، "أسامة" فنان لا يعرف الاستلقاء والهدوء في عالم الفن، فهو إنسان يعشق اللحظة القادمة من الزمن البعيد، فعمله في المسرح لفترة طويلة نما في داخله رغبة في العمل على المباشرة في التعبير، فكان النور الصريح أكثر الجواهر في الفن التشكيلي لديه، فهو يصمت ويتحدث بإيجاز، يكسب ويمنح بامتياز، لذلك نراه في تجربته الأخيرة "مديح المطر والجنون" قد أتقن استخدام الكمبيوتر في الفن التشكيلي، وقد أثبت مقدرته على البحث ومواكبة العالم الحديث دون أن يجرده ذلك من أدوات الفن التشكيلي وروحانيته
** هناك عوامل كثيرة ومتعددة، وطبعاً كل هذه العوامل مستمدة من الواقع الحياتي الذي أعيشه وأتفاعل معه، لأن الفنان بشكل عام جزء من مكونات الحياة، وبالتالي لا يمكن الانفصال عن أي مكون من مكونات الحياة والواقع، لأنه في النهاية إنسان يتفاعل ويتواصل بشكل أو بآخر ولكن هذا التواصل والتفاعل يختلف من شخص لآخر حسب التنوع الفكري والثقافي والاجتماعي، وطبعاً لا يمكنني أن أقول إن هذا الشيء مصدر الإلهام لدي بشكل قاطع، لأن الإلهام لدي يختلف من فترة لأخرى حسب الحالة النفسية، لكن يبقى الهدف الذي أريد إيصاله إلى المتلقي هو الهدف الأول..
** يقال: "عندما يتجلى لك الجمال استسلم له ولا تسأل"، فالحالة التعبيرية هي حالة إنسانية بالدرجة الأولى، وبنفس الوقت يمكن أن اسميها حالة درامية، أي كيف نستطيع أن نعبر عن مفهوم حالة ما بطريقة لا تكون تعبيرية مباشرة أو تقليدية لأنها تفقد كثيرا من مقوماتها الجمالية، فالطابع التعبيري يغلب على كثير من أعمالي الفنية لما تحمل من الطاقة والحيوية وتحمل الكثير من مخزون الذاكرة، فحيز الذاكرة هو الحياة، فبقدر ما تحمل الحياة مفاهيم تعبيرية فيقدر ما نستطيع التعبير عنها، فأنا مع أن يقوم الفنان بخلق بعض التساؤلات بين اللوحة والمتلقي بحيث يحدث حوار بينهما لا يتدخل فيه الفنان، لأنه عندما تكون اللوحة الفنية خالية من التساؤلات والحفزات يمر المتلقي عليها مرور الكرام، فعندما لا أضع تساؤلاتي على اللوحة ولا أعطيها قيمتها القرائية أرى فيها حالة من الغضب، وهذه الحالة أعتبرها حالة من الاحترام لا بد لكل فنان من التقيد بها، والتي بدورها تخلق حالة درامية بين اللوحة الفنية والمتلقي حتى لو كان المتلقي غير قادر على القراءة الصحيحة للوحة التشكيلية.
** طبعاً هذا يرجع إلى الارتباط بالحيز الذاكرة والحياة الفنية التي تسكن بداخل الفنان ذاته، علماً أن كل عالم من هذه العوالم الثلاث مختلف تماماً عن الآخر، فهذا التنوع موجود في حياة كل إنسان، رغم أن المسرح عالم له خصوصيته ومفاتيحه الخاصة فهو يجمع بين كل أنواع الفنون الأخرى، طبعاً لأنني أعتبر المسرح أبو الفنون، وعالم الفن التشكيلي في رؤيتي تجمع ما بين المسرح والشعر لما تحمل من الجمالية والروحانية الملأى بالإحساس والمشاعر التي تتكون داخل كل فنان، وهذا بالنسبة لي يطبق على عالم الشعر لأنك بصورة شعرية تستطيع أن تختزل ملايين المشاعر الإنسانية الجميلة والدافئة، إذاً هذا التنوع أتى من خلال الحياة الجميلة التي تختزل كل عالم من هذه العوالم بداخلها، وكل هذه العوالم له علاقة بالأحاسيس والمشاعر التي تسكن بداخل الفنان سواء أكان كلمة أم لوناً، فأنا أعمل في المسرح كما أعمل في التشكيل والعكس صحيح، لكن السؤال الذي أطرحه على نفسي دائماً إلى أي مدى أنا قادر على أن أجمع بينها بطريقة بصرية ومشهدية درامية جميلة لها شاعريتها، كما أنني لا أشعر بأن اللون خال من الشاعرية التي يتميز بها الشعر المسرح.
** الحب ثم الحب، فالحب للمسرح له شفافيته الخاصة، وبنفس الوقت حب للتشكيل له عالمه الشاعري الجميل، وحب للشعر هو الحب المتفاني في الروح، فإذا قلنا عنه إنه سر فإنه سر غامض لا تعرف متى يتلبس ويسيطر عليك هذه الحالة الشاعرية الملأى بالحب، ولهذا أعتبر أن الرابط الوحيد هو "الحب ثم الحب ...".
** الأدوات متعددة، أنا ضد أن يكون الفنان متقولباً بأدوات معينة، أنا مع التجريب إلى أبعد حد، قد تكون الأداة أصابع اليد أو الريشة أو أي أداة سواء كانت صلبة أو لينة، لكن المهم بقدرما تكون متملكاً لأدواتك ومطاوعتها لخلق عمل فني جميل ذي رسالة فنية، صحيح أن العمل يختلف من أداة لأخرى، ولكن في النهاية يجب على الفنان أن يترك أثره في هذا الأفق الفني عن طريق الأداة التي يستخدمها، فكل أدوات مبررة في خدمة الموضوع والفكرة التي يريد الفنان خلقها من خلال العمل الفني يثبت جماليته البصرية والفنية، فيمكن أن استخدم خردة قديمة أو أدوات مستهلكة أو بدائية وغير مألوفة سواء أكانت صلبة أم لينة.
** التعامل مع اللون له حساسيته وشاعريته الخاصة، فكما يحترق الشاعر بالكلمة يمكن أن يحترق الرسام بالريشة واللون، فأنا أتعامل مع اللون بإحساس وشاعرية، فعملية المزج اللوني تدخل في نطاق تكنيك اللوحة، فاللون سواء أكان صريحاً أم ممزوجاً أعتبره خامة من خامات العمل الفني، ففي الفن التشكيلي اللون غير مقيد لدي وله فضاءات واسعة وله الحرية المطلقة من المزج اللوني وسيلان اللون ودفؤه وروحانيته، فلا يكون هنالك دراسة مسبقة للون قبل البدء بالرسم، لأن الفنان عندما يفكر في تفاصيل اللوحة قبل البدء بالرسم فحتماً سوف تفقد اللوحة جماليتها الفنية والشاعرية، فدائماً اعتمد على المصادفة في اللون لأنها تخلق حالة جمالية لا تكون في الذاكرة ولا في مفهوم الفكرة التي يريد الفنان إيصالها إلى العالم الخارجي، ولكن في النهاية هنالك صيغة عامة لا بد أن نرجع إليها.
** قلت بكل صراحة وأنت قلتها إنها تجربة، فسواء كانت هذه التجربة ناجحة أو فاشلة أعتبرها ناجحة لمجرد أنه تجربة، وأنا مصر دائماً على التجربة ليس في الفن وإنما في جمع المناحي الحياتية، فتجربة في رأي هي حالة إنسانية تحمل في طياتها الكثير من الحرية المطلقة والتي تخلق بدورها حالة إبداعية، وبالتالي كلما أغرقت في التجريب تكون قد خلقت حالة بصرية في غاية الروعة والجمال، وأنا مع التجريب في الفن إلى أبعد ما يمكن، وسبق أن قلت أثناء معرضي "مدح المطر الجنون" الأخير إن هذه التجربة سوف تثير جدلاً كبيراً في الفن التشكيلي، وفعلاً أثار الجدل الذي كنت أتوقعه، وشكلت هذه التجربة غنى فكرياً وجمالياً كبيراً في حياتي الفنية.
** كما قلت في بداية كلامي إن الغرب سبقنا بسنوات عن طريق استخدام هذه التقنية "تقنية الكمبيوتر" وتوظيفه بشكل صحيح، ليس فقط في المجال الفن أنما في جميع مناحي الحياة، وبرأيي أن مجمل هذه التقنيات هي سلاح ذو حدين، أما أن يوظف بشكل إنساني وفني صحيح أو لا وفي كلتا الحالين النتيجة معروفة مسبقاً، فهذه التقنية أحدثت تطوراً كبيراً في عالم الفن سواء في السينما أو التلفزيون واستطاعت أن تخلق صورة بصرية في غاية الجمال، وسبق أن قلت إن هذه التجربة سوف تدخل في مجال الفن بشكل أوسع وأرحب، ونحن أمام تقنية فنية متطورة لابد من مواكبتها، ونحن أمام عالم متطور إلى أبعد حد فنياً، ويجب أن نواكب هذه التقنية حتى نطور الفن السوري بكل تفاصيله، ولكن في النهاية تبقى المسألة أمام الطرف الآخر "المتلقي"، وأعتقد أن المتلقي الفني سوف يتقبلها أذا ساهمت هذه التجربة في رفع ثقافته الفنية والفكرية والجمالية، ولكنني أعتقد أننا بحاجة إلى سنوات حتى يتقبل الوسط الفني والمتلقي الفني هذه التقنية المتطورة.
** ليس بالضرورة، لأنني لا أعتقد أن هذه التقنية تقنية جامدة وخالية من المشاعر الإنسانية، "فاللوحة الفنية إذا نجحت هي صناعة وإذا لم تنجح فهي فن"، وهذه المقولة تحمل الكثير من المقومات الفلسفية للعمل الفني، فمثلاً إزميل النحات هو أداة صلبة وعندما تنحت في الصخر أو الخشب تخلق عملاً فنياً في غاية الروحانية والشاعرية وذات قيمة جمالية كبيرة، فعندما تصل هذه التقنية إلى تقنية جامدة كما يعتقد البعض إلى خلق لوحة فنية أعتقد أنك تبعث الروحانية والحياة في هذه التقنية.
التقينا الفنان "إبراهيم العواد"، وعن رأيه بالفنان "أسامة دويعر" قال: «أسامة دويعر فنان مرهف الإحساس يستشعر الألم في الآخرين، يلفه لمسة حزن ليخرج فناً معبراً، فكلماته وألوانه أصدق من الحبر في التدوين رغم أنه يكتب في الشعر، كلمته لون ولونه تائه في عالم المسرح، فلوحاته لا تعرف الاستقرار لذلك ترى لوحاته تعج بالخصوبة والحركة ولا تعرف السكون، "أسامة" فنان لا يعرف الاستلقاء والهدوء في عالم الفن، فهو إنسان يعشق اللحظة القادمة من الزمن البعيد، فعمله في المسرح لفترة طويلة نما في داخله رغبة في العمل على المباشرة في التعبير، فكان النور الصريح أكثر الجواهر في الفن التشكيلي لديه، فهو يصمت ويتحدث بإيجاز، يكسب ويمنح بامتياز، لذلك نراه في تجربته الأخيرة "مديح المطر والجنون" قد أتقن استخدام الكمبيوتر في الفن التشكيلي، وقد أثبت مقدرته على البحث ومواكبة العالم الحديث دون أن يجرده ذلك من أدوات الفن التشكيلي وروحانيته».
والجدير بالذكر أن الفنان "أسامة دويعر": من مواليد 1961، خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم الاتصالات البصرية 1984، عضو الاتحاد التشكيلي السوري، مدرس في معهد العالي للفنون المسرحية.
أقام خمسة معارض فردية: 1984 القيامة تمزق القمر بوجهي "المركز الثقافي الروسي بدمشق"، 1985 بقايا حب "المركز الثقافي العربي بالسويداء"، 1986 من أجل السلام "صالة الشعب بدمشق"، 1992 ثالوث الحلم والمرأة والموت "المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق"، مديح المطر والجنون.
كما شارك في العديد من المعارض داخل سورية وخارجها، منها: 1992 مهرجان المحبة والسلام باللاذقية، 1995 يوم المسرح العالمي "المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق"، 2006 شبابيك 1 "فري هاند بدمشق"، 2007 شبابيك 2 "فري هاند بدمشق".
مصمم سينوغرافيا لمجموعة كبيرة من الأعمال المسرحية.
مصمّم عدداً من البوسترات والبروشورات للمسرح القومي.
مصمّم أزياء لمجموعة من الأعمال المسرحية إلى جانب تصميم هندسة مناظر وديكور لمجموعة من الأعمال التلفزيونية والسينمائية.
مساهمات أدبية ونقدية في الدوريات العربية.
له مشاركات عديدة في مهرجان دمشق المسرحي "سورية".
له العديد من أعمال التصميم الداخلي في التصميم والإشراف والتنفيذ في "سورية، لبنان، الإمارات العربية المتحدة، السعودية، الأردن، قطر".