بينما يودع عام 2011 آخر ما تبقى من أوراق تقويمه، ودعت الأوساط الفنية والثقافية السورية الفنان والباحث والإعلامي الموسيقي الكبير "فاهيه تمزجيان" والذي عرفه معظم السوريين ببرنامجه الموسيقي الشهير "لغة العالم".
الكاتب والصحفي "اسماعيل مروة" كتب في جريدة الوطن مقالاً يرثي به صديقه "تمزجيان": «فاهيه صديقي النبيل، تدرك مقدار الألم لذا رحلت دون وداع، بل ودّعت ورحلت دون إعلان، ليأتي خبر موتك صاعقاً، وأنت أردت له الصمت في زمن الضجيج.. هادئاً على الدوام كنت يا صديقي، تحاول إمكانك أن تصمت وتعمل، تتحرك بكليتك بحثاً عن ذاتك المرهفة المليئة بالود! والموسيقا والأنسنة والانتماء».
الموسيقا فن راقٍ يقول ما بأعماقنا ووجداننا، وفي كثير من الأحيان هي فن يتحدث عنا فيقول ما نتألمه، وما نتمناه. الموسيقا لغة العالم وتراث الشعوب، وفي رأيي لابد أن نحمي موسيقانا وتراثنا كما آثارنا، لكني لست راضياً عن هذه الحماية..!
أما الإعلامي "سعد القاسم" فكتب في جريدة الثورة: «برنامجه الموسيقي كان أشبه بالنافذة الثقافية التي أطل منها الجمهور العربي على الموسيقا العالمية، وساهم في الوقت ذاته بتسليط الضوء على الإبداعات والإنجازات الموسيقية في سورية، ولا بد أن صوته الرخيم وحضوره الأنيق سيظل حاضراً في ذاكرة جمهور التلفزيون زمناً طويلاً بعد رحيله».
وفيما يلي نعيد نشر مقابلة للأستاذ "فاهية تمزجيان" مع موقع مدونة وطن eSyira أجرتها الزميلة "إيمان أبو زينة" في يوم الأربعاء 28 تموز 2010:
«الموسيقا فن راقٍ يقول ما بأعماقنا ووجداننا، وفي كثير من الأحيان هي فن يتحدث عنا فيقول ما نتألمه، وما نتمناه. الموسيقا لغة العالم وتراث الشعوب، وفي رأيي لابد أن نحمي موسيقانا وتراثنا كما آثارنا، لكني لست راضياً عن هذه الحماية..!».
هكذا بدأ الاعلامي والناقد الموسيقي الأستاذ "فاهيه تمزجيان" حديثه حين أجرى موقع eSyria لقاء خاصاً معه، فكان معنا كما نراه على شاشة التلفزيون حين يقدم برنامجه المعروف "لغة العالم": هادئاً، متواضعاً، وغنياً بمعلوماته التي ينقلها، وكان الحوار التالي:
** الرسائل التي تأتي من المشاهدين سواء على صعيد بلدنا أم من الدول الخارجية كان لها الدور الأكبر في تحديد هذا الأمر، ولكن الذي ساعدنا أكثر هو كمّ الرسائل الهائل الذي كان يصلنا إلى الإذاعة بشكل خاص، حين كان البرنامج يبث لمدة ساعة يومياً، فهو الركيزة التي يتم من خلالها سبر محبة الناس للاستماع إليه رغم وجود التلفزيون وخطفه الأضواء من السينما والمسرح إلا أن الإذاعة تبقى حالة خاصة فالمتابع فيها يتابع روحياً من خلال عقله وأذنه.
** تعتبر هذه التجربة هي الأولى للمواهب الموجودة في سورية لأنه من خلال هذه المسابقات نستطيع أن نتعرف وأن نحصي عدد العازفين والمهتمين بالفن الراقي في بلدنا. والحقيقة أنها كانت تجربة ممتازة وناجحة رغم قسوة التحكيم حيث إن اللجنة قد حجبت الجائزة الأولى لأسباب فنية أدائية ومنحت الجائزة الثانية لمتسابقة فنلندية.
أنا أرى أنه من المفيد أن يتم عمل مثل هذه المسابقات حتى لو تم ذلك كل سنتين مرة واحدة، كذلك يجب الاهتمام بالفائزين ومتابعة نشاطاتهم وتطورهم وإرسالهم لمسابقات دولية لإجراء تبادل موسيقي ثقافي مع الدولة التي تقيم مثل هذه المسابقات، وبهذه الحالة نستطيع أن نتأمل خيراً في إمكانية استمرار مثل هذا الحدث لو تم بالشكل المدروس، والمنظم.
** على مدى السنتين الماضيتين هي فقدت "راعيها" لكن المفترض بالرعاة الجدد أن يكونوا قد قدموا نتائج أفضل من التي نراها..!
عندما أذهب لمتابعة عروض الفرقة فإني أتذكر ألقها أيام "صلحي الوادي"، لكني الآن أشعر وكأن العازفين مازالوا يدرسون في المعهد، وهذا نتيجة لأنه لم يعد هناك سلطة قادرة على الإدارة..!
** المشكلة أنني لا أستطيع تحديد ذلك، لأننا كما أسلفت لا نستطيع حتى الآن أن نعوّل على أحد، فنحن مازلنا بحاجة إلى وقت، وإلى سلطة لإعادة الطريق إلى استقامته، فعلى الرغم من ديكتاتورية الأستاذ "صلحي الوادي"- كما يقولون- باستلامه إدارة الفرقة، وإدارة المعهد إلا أنه لم يكن يعيش صراعاً بين الإدارتين..! هل تعتقدين أننا بالأسماء نبين إنجازاتنا؟ إن الصراعات الآن ستخلق جدلاً عقيماً حول الجيد والسيئ، وهذا ما سيؤدي حتماً إلى إشكالات نحن بغنى عنها. مشكلتنا هي عدم فهم أننا نمنح فرصاً للإنسان، والخوف أننا قد نمنح ذلك للإنسان الخطأ..!
** من الواجب الاهتمام بالطفل منذ بداية التعليم. نحن كنا من الجيل القديم "المرضي عليه" لأننا استطعنا أن نهتم بهذا الجانب بينما هذا الجيل للأسف نراه يركض وراء سماع "التكنو" و"الراب" و"البوب". دعيني أخبرك كيف يعلمون الطفل "بألمانيا" مثلاً على العادات الجيدة كي تكبر معه: هو حين يريد أن يشم الوردة في الحديقة يقولون له أن يضع يديه خلف ظهره..!
إن نُخَب العالم بدءاً من "بيتهوفن" حتى "شيلر" و"باخ" و"طه حسين" و"محمود درويش" وُجدوا لتوعية الناس وليس خطبةً عصماءَ هي من يقوم بذلك..!
لدينا نخبة مثقفة في وطننا لكن عددهم مازال قليلاً، وهذه النخبة حسب رأيي يجب أن تقوم بعمل منتديات ثقافية ذات إدارات مؤهلة للاهتمام بالطفل وبهذا الجيل الصاعد.
يذكر أن الأستاذ "فاهيه تمزجيان" هو إعلامي وصحفي وناقد موسيقي، وله الكثير من الترجمات والمقالات التي تتناول قضايا فكرية هامة.