فنان تميز بحضوره المميز لما يزيد عن نصف قرن، بدأ من مسرح خيال الظل، ووصل إلى شاشات التلفاز بعد أن أبدع في البرامج الإذاعية وخصوصاً عندما كان يشكل مع رفيقة دربه الفنانة "صبا المحمودي" أحد أشهر ثنائي إذاعي على أثير "إذاعة دمشق" ونقصد شخصيتي "صابر وصبرية".
إنه الفنان "تيسير السعدي" الذي عنه قال صديقه الدكتور الموسيقي "غزوان زركلي": «تيسير السعدي من الشخصيات التي أثرت تأثيراً مباشراً في حياتي، إن إنسجام سلوكه الشخصي مع تمثيله من أعمال فنية ومثل وأخلاق هو الأساس في جعله قدوة حقيقية لي ولغيري .
تيسير السعدي من الشخصيات التي أثرت تأثيراً مباشراً في حياتي، إن إنسجام سلوكه الشخصي مع تمثيله من أعمال فنية ومثل وأخلاق هو الأساس في جعله قدوة حقيقية لي ولغيري . لقد علمني حب الحياة واحترام الإنسان، ومع تقدمه في السن لم يتخل عن أي من مبادئه بل لازال منبعا للثقافة والمرح والأمل في حياة أفضل، أزوره وأنا مؤمناً بأني أقوم بواجبي تجاه رجل أتعبته الحياة، فيشد هو من أزري ويعطيني عاطفة دافئة وفكرا ثاقباً
لقد علمني حب الحياة واحترام الإنسان، ومع تقدمه في السن لم يتخل عن أي من مبادئه بل لازال منبعا للثقافة والمرح والأمل في حياة أفضل، أزوره وأنا مؤمناً بأني أقوم بواجبي تجاه رجل أتعبته الحياة، فيشد هو من أزري ويعطيني عاطفة دافئة وفكرا ثاقباً».
موقع eSyria زار الفنان "تيسير السعدي" في منزله الواقع في مشروع دمر بتاريخ "15/12/2011" وعاد به إلى البدايات حيث تحدث عنها بالقول: «ولدت في منطقة السروجية وما أذكره أن نوافذ هذا الحي كانت تطل على نهر بردى الذي كان يمتلىء بالماء على شكل أمواج والطيور تأتيه مع قدوم الربيع لأكل الثمر .
** درست المرحلة الابتدائية بالكتَاب حيث كنا ننتقل من السروجية للبحصة والمرجة عبر سوق الحرير وصولاً للبزورية حيث كان هناك بيت لإحدى السيدات جعلته كتًابا أو "خجا" وهو اليوم مكان المدرسة "الأمينية"
تعلمنا القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وما أذكره أن الحالة الصحية للمكان لم تكن جيدة ، فلم يكن يوجد تدفئة، كان في الغرف حصيرة وعليها مقاعد خشبية وما أذكره للآن أن البرد كان يأكل أصابع يدينا وقدمينا، وكنا عندما نعود للمنزل نضع أيدينا بالماء والملح وعند البرد الشديد كانوا يأتون بالعلق ليتخلصوا من الدم الفاسد في أجسامنا .
بعد ذلك تابعت تعليمي في المدرسة الرشدية الإعدادية في منطقة البحصة التي أقامها الأتراك وأصبحت مدرسة إبتدائية وكان مديرنا "عبد الرحمن الإمام".
والدي "حمدي السعدي" كان يعمل خبازاً ويملك فرنين الأول بسوق الخيل والآخر بالسنجقدار، والده "يوسف" أتى من الأناضول وهو شيخ من مشايخ الصوفيين وهو شيخ الطريقة السعدية وقد ورث أولاده منه المشيخة لاسيما والدي، وكان جدي يوسف قد نقل معه صناعة الخبز الإفرنجي من الأناضول لسورية .
عندما تم تسجيلي بالمدرسة الابتدائية سألوا كم عمري ؟ قال والدي من دخول الشريف فيصل لدمشق وكان 1917، في تلك الفترة كان هناك مدارس أجنبية خاصة "كالفرير واللاييك" وقد تم تسجيلي فيها حيث أخذني أحد الجيران في الحي لذلك وكان رسم التسجيل ليرة ذهبية .
وفي هذه المرحلة بدأ مشواري مع الفن، وكان ذلك عندما حضرت للمدرسة فرقة من المسرح الدرامي الحكومي الفرنسي وقدمت عرضا لمسرحية "أوديب" وشاركت بدور فيها وعمري آنذاك مايزال إثنا عشرة عاما .
** لابد من القول أن وجودي في هذه المدرسة كان له أثرا كبيرا في شخصيتي وتميزي عن محيطي العائلي، حيث تعرفت على أناس وطبقة متحضرة من الفرنسيين الذين كانوا يتحدثون عن الفن التشكيلي والموسيقا الكلاسيكية، وعرفت في تلك الفترة من الرسامين "محمود جلل وميشيل كرشة" وكنت أحضر جلساتهم .
** من حبي للتمثيل وبعد تخرجي من مدرسة اللاييك قمت مع مجموعة من الشباب مثل "أنور البابا، عبد السلام أبو الشامات" بتمثيل مسرحية بعنوان "جريمة الآباء" وقد استأجرنا سينما "الأمبير" ومكانها الآن في الصالحية ودفعنا مبلغا وهو خمسون ليرة سورية عن اليوم حيث قدمنا فيه عرضان، الأول كان بعد الظهر مخصص للنساء، أما الثاني فكان مساء للرجال.
من بين الحضور كان "وصفي المالح وعبد الوهاب أبو السعود" الذين أعجبوا بتمثيلنا وكان ذلك بداية لإعطائنا فرصة للعمل بصفة كومبارس في نادي الفنون الجميلة الذي يشرفون عليه، حيث شاركنا بمسرحيات "هملت، وعطيل، وقيس وليلى" وكان النادي يقدم حفلاته أسبوعيا بحضور وجهاء الأحياء .
** في العام 1945 سافرت بالقطار إلى مصر لمتابعة الدراسة الأكاديمية الفنية، وأذكر وقتها أن الأديب "شكيب الجابري" أعطاني كتاب توصية لصديقه الممثل "سليمان نجيب" مدير الأوبرا المصرية آنذاك، وعندما قابلته وأعطيته الكتاب قام بالاتصال مع مدير المسرح "زكي طريمات" من أجل الاهتمام بي، ومن الفنانين الذين كانوا أثناء دراستي "فاتن حمامة، سميحة أيوب، سعيد أبو بكر".
طبعا خلال فترة الدراسة التي استمرت أربع سنوات لم يكن عندي المال الكافي مما اضطرني للعمل كومبارس لسد احتياجاتي، وبعد عودتي لسورية شكلت فرقة سورية للمسرح وبدأنا العمل بمسلسل "أم كامل" حيث كان المؤلف يقدم لي النص وأقوم بإعداد السيناريو وذلك بتخيل الشخصيات وكتابتها وكان عنصر التشويق هو المسيطر على النص .
*ماذا عن البرامج التي قدمتها عن المسرح؟
** أهم البرامج "أنسى همومك" الذي كان يبث مرة واحدة في الأسبوع حيث كنا نستأجر صالة سينما لذلك وكانت مع "حكمت محسن وسامي الكسم، حسن المليجي، فيلمون وهبة" إضافة للرحابنة كملحنين ،أما قائد الأوركسترا فكان "توفيق الباشا".
** في الحقيقة أنا ابن إذاعة دمشق وأنا فيها من اللحظة الأولى، عندما بدؤوا بكلمة "هنا دمشق"،عملت بالإذاعة ومكانها الأول بساحة النجمة ثم السبع بحرات ثم شارع النصر وكنت رئيسا لدائرة المنوعات لفترة من الزمن، وأما عن أهم الأعمال التي قدمتها بالإذاعة كانت "صابر وصبرية" حيث قدمته مع صبا المحمودي بما يزيد عن "1200" حلقة وكان لهذا العمل جماهيرية واسعة حيث كانت الشريحة الأوسع من فئات الشعب تتابعه، وقد استوحيت حلقات هذا العمل من مسلسل أجنبي كان يعرض عنوانه "lovelose" وعندما تعرفت على وليد مارديني طلبت منه أن يكتب لي حلقات هذا العمل وكان ذلك.
*ماذا عن عملك بالتلفزيون؟
** في الحقيقة لم أدخل لهذا العالم وأنا في سن مبكرة ولكني وبعد التقاعد ساهمت بالعديد من المسلسلات "صح النوم, الدنيا مضحك مبكي, زواج على الطريقة المحلية, تجارب عائلية" أما آخر مشاركاتي كان مسلسل أيام شامية عام 1992، وأحب الإشارة هنا إلى أنني أملك ثلاثة أفلام سنيمائية في مسيرتي الفنية.
** أنا لم أعمل بحياتي إلا الفن واستطعت والحمد لله ان أترك بصمة وأن أصنع اسماً لنفسي .
** قدم لي الكثير من الشهادات من عدة جهات وعندما كرمت العام الماضي قلت في نفسي "هل أنا استحق التكريم؟"، في الحقيقة كنت ومنذ زمن بعيد أفكر أنه لابد أن يأتي يوما وأكون شخصية يتذكرها الناس ويحترمها .
** أنا لا أسمع أغاني هذه الأيام، أنا من عشاق سيد درويش وفيروز كما أحب الاستماع لأغاني "ميادة بسيليس".
* ماذا عن علاقتك بالكتاب؟
** قرأت آلاف الكتب، الكتاب هو صديقي ولابد للإنسان أن يقرأ كثيرا ليستفيد من قراءته، أنا قرأت للكبار من الكتاب "ديسكوفسكي، طه حسين، جبران خليل جبران، ومن الشعراء عمر أبو ريشة".
* ما هي هواياتك؟
** أمشي يوميا لمدة ساعتين، أحب السفر وقد زرت الكثير من دول أوروبا والبلاد العربية، أنا أحب الفرح والضحك .
** رحمها الله هي زوجتي ورفيقة دربي، كانت كل شيء في حياتي، عاشت معي في السراء والضراء، كانت سنداً لي في الحياة وبقيت مخلصا لها كل عمري رغم أني أعمل بالوسط الفني .
* من هم رفاقك هذه الأيام؟
** الفنان نزير نبعة والموسيقي غزوان زركلي.
* يوم لا تنساه في حياتك؟
** أنا في الحقيقة، لا أنسى حتى الجزئيات فذاكرتي حاضرة، حياتي كلها كفاح وما جعلني حزينا أكثر مما أفرحني هو أنني لم آخذ حقي في الفن فأنا عشت حياة "القلة".
* ماهي حكمتك بالحياة؟
** لابد أن تكون أعصاب الإنسان قوية، فالحياة صعبة وعلى الإنسان أن يكون قويا، أنا تحملت أشياء لا يمكن أن يتحملها بشر، على الإنسان أن يتحكم بأعصابه وكنت عندما يحدث معي شيء صعب أحاول فلسفته لأنه يمكن أن يحطمني .