يعتبر معرض الفنان صفوان داحول في غاليري أيام، من أهم الأحداث الثقافية التي تعيشها دمشق، على مدى أكثر من شهر (15 آذار – 17 نيسان).
( في تغطيةٍ سابقة ) واكبنا أجواء الافتتاح الفخمة، ورصدنا الانطباعات الأولية عن المعرض لعددٍ من الفنانين التشكيليين، والنقاد، ومتذوقي الفن التشكيلي)... و اليوم حاورنا د . داحول (أستاذ التصوير في كلية الفنون الجميلة – جامعة دمشق)، في ركن هادئ من المعرض، بعيداً عن صخب يوم الافتتاح، الذي كان أقرب إلى الاحتفال بفنه و حلمه.
تحدث لنا داحول عن رؤيته للفن والحياة، أسلوبه و أدواته، ودلالات لوحاته، وحلمه الذي بدأ عام 1989، ومازال مستمراً إلى الآن، وممتداً في ا لزمن.
ما الجديد في معرضك الأخير؟
الجديد هو: حجم اللوحة ... التقشف اللوني...والاعتماد الأكبر على الفراغ، بقصد اكتشاف تناسب الشكل الإنساني ضمن الفراغ اللوني، وأترك للمشاهد حرية الرؤيا... الشكل على حساب الفراغ، أم الفراغ على حساب الشكل... هذه هي لعبتي، التي تتقاطع مع التساؤل القديم :هل نحن نشكل الفراغ؟ أم الفراغ هو الذي يشكلنا؟... هذا ما حرصت على إبرازه في المعرض...
من يلهم صفوان داحول؟
الحياة هي من تلهمني... أي موضوع في الحياة يمكن أن يصنع فناناً... حتى تشرشل كان يمكن أن يكون فناناً، و يرسم لوحةً مستمدة من حياته.
ما هي دلالات المرأة في لوحاتك؟
إذا وجدت المرأة في لوحاتي، فهذا استمرار لوجودها في الفنون القديمة، ونحن جزء من تلك الفنون... برأيي لا يوجد شيء مباشر عن المرأة في رسوماتي، والأشخاص فيها هم مجرد أجساد.. قد تكون لرجل أو امرأة... على كل حال الأمر متروك للمشاهد، و لا مانع لدي إذا رأى في الشخوص التي أرسمها أمراة.
قيل أن الحالات التي ترصدها في لوحاتك تتراوح بين الحزن و القهر و الملل... ما رأيك في ذلك؟
أنا أرصد لحظاتٍ بسيطة جداً في حياة الإنسان... لا تتعدى الأجزاء من الثانية... فيها كل تلك الحالات ... في ذات اللحظة، و كأنني أحمل كاميرا، و أصور تلك اللحظات في حياة الناس.
لكننا لا نرى الفرح في لوحاتك؟!
الفن لا يمكن أن يكون مباشراً... هذه طبيعة العمل الفني... إذا كنت لا ترى الفرح في لوحاتي - و افترض أن كلامك صحيح-أقول لك: إن الحزن من المشاعر النبيلة أيضاً... في النهاية المشاعر الإنسانية مهما كان نوعها، هي مادة لوحاتي ، التي تنعكس في اللون والخط و الفراغ...
ماذا عن اللون في لوحاتك؟ أنت تستخدم ألواناً قليلة و محددة، وقد تستخدم لوناً واحداً و درجاته...
أنا لا أحب التلوين كثيراً... غيري من الفنانين لهم رؤية أخرى... أهم ما في الفن التنوع و الاختلاف ... لا أميل عادةً للوحةٍ استعراضيةٍ تبدو كما لو كانت مهرجاناً لونياً... بأقل ما يمكن من الألوان، يمكن أن أوحي للمشاهد بكثيرٍ من الأشياء، وهذا يساعدني في الوصول إلى فكرتي... و للمشاهد الحرية في تفسير ما يشاهده، حسب بيئته وثقافته.
أحد زوار المعرض قال أنه يحب ألوان داحول لأنها تشبه بيئته الفقيرة بالألوان؟ هل لهذا علاقة بالبيئة التي نشأت بها؟
لا أعتقد ذلك... لا علاقة للبيئة التي نشأت فيها بذلك... ربما يكون انطباعه صادقاً تماماً... بيئتنا الحالية فقيرة بالألوان عموماً، و كلنا نتأثر بذلك... في مرحلةٍ من المراحل سيطر اللون الرمادي على الفن الإنكليزي بسبب كون لندن مدينة الضباب... هناك أشياء تتراكم في الذاكرة، و تمحي أشياء أخرى بالمقابل ومنها اللون... من الفنانين من يصر على صناعة اللون ،حتى لو لم يكن موجوداً في محيطه الحيوي... أنا لست كذلك.
هناك من يقول أن التكوين زاد في لوحات معرضك الحالي على حساب الفراغ ؟
أنا أرى العكس تماماً، و لا يمكن الفصل بين الفراغ والتكوين في لوحاتي أبداً... المسألة تخضع في ذهني إلى حساباتٍ هندسيةٍ دقيقة، وهي أشبه ما تكون بمعادلةٍ رياضية، والفراغ شيء مهم جداً في الرياضيات... لا يمكنني أن أرى أي شيء على حساب الآخر، سواءاً الفراغ أم الشكل... إنه توازن محسوب بدقة...
لماذا تبدو لديك الأجساد بلا عظم ... منحنية ... تتخللها، وتحيط بها الأشكال الهندسية... ؟
عملي كما قلت لك سابقاً هندسي تماماً ، يعتمد على علاقة المربع بالدائرة... الجسد في لوحاتي دائرة تتموضع ضمن مربع، وهنا أخفف من التشريح لحساب الدائرة، وحركة الأجساد ضمن محيط الدائرة، بخلاف وضعها التشريحي الطبيعي...
وماذا عن الوضع الجنيني الذي تتخذه الأجساد- الأشكال- في لوحاتك؟
أكرر لك أنه مجرد دائرة... إنه تجريد يمكن أن يحتمل العديد من التفسيرات ... لا مانع لدي من هذا التفسير... أنا لست بالفنان الذي يرسم اللوحة ، ويعرف نتيجتها مسبقاً، و تصوراتي عن اللوحة لا تتجاوز العشرة بالمائة من شكلها النهائي...
أحد تلاميذك وصفك بالقديس... العديد من أعمالك تتسم بالروحانية... ما مدى تأثرك بالأيقونة، أو الفن الديني؟
أنا سعيد بهذا الوصف... إنه أجمل مما توقعت... أنا حتماً متأثر بالأيقونة، وسائر الفنون الدينية، لأنها فنون برئة كما لوحاتي تماماً...
تحدث العديد من النقاد عن تأثرك بالفنان التشكيلي السوري الراحل لؤي كيالي ... ما مدى صحة هذا؟
سمعت بهذه القصة كثيراً... أنا لم ألتقي لؤي كيالي يوماً ، ربما هناك شيء يتعلق بكيالي تراكم في ذاكرتي ... في اللاوعي... عملياً لم أشعر أنني تأثرت به بشكلٍ مباشر.
أين ترى لوحتك بشكلٍ أجمل في المعرض أم المرسم؟
في الصالة تتزين اللوحة ... يسلط عليها الضوء، وتبدو أجمل بين الناس حينما تتقاسمها الأعين... في المرسم يمكن مراجعتها أو تعديلها... أما في المعرض تبدو عملاً نهائياً لا رجعة عنه... أنا انتهيت من مرحلة الغيرة على لوحتي ... و لا أنتظر انطباعات الناس عنها، لأنني أرسم لنفسي، و ليس للآخرين.
تعاونك مع غاليري أيام... فخامة افتتاح معرضك الحالي... الرقم القياسي الذي و صل إليه سعر إحدى لوحاتك في دبي... هل يكرس كل ذلك ارستقراطية فنك؟
من حق الفنان أن يعيش ، وأن يقدر عمله مادياً ... ليس في ذلك عيب... أن أكون موجوداً في هذا الكون... أن يكون للفنان التشكيلي احتراماً أسوة ببقية الفنون... لنا أحلامنا المشروعة... أن تعرض لوحاتي في أرقى المعارض، و أن يقتنيها أهم الأشخاص.
هل من أحلامٍ جديدة لصفوان داحول بعد حلم 2008؟
في سنة 1989 رسمت لوحة، وأسميتها حلم... و بقيت أرسم حلم لمدة عشرين عاماً ... ربما ستتلقيني بعد سنوات في حلمٍ آخر.