السنديانة الدمشقية الشامخة، استقبلها المسرح عام 1960م، ولم تفكر حينها أن الخشبة سوف تصبح حياتها، خرجت من المسرح كملكة عام 1990م بعد عرض مسرحية "لحرم معالي الوزير"، كما كان لها نصيب كبير في السينما السورية عملت مع مخرجين كثر أهمهم "مصطفى العقاد" في فيلم "الرسالة" ومع "نبيل المالح" في فيلم "بقايا صور"، بعدها توجت تلفزيونياً لتكون من كبار الفنانين السوريين، لعبت أدواراً عديدة، حصدت جوائز عديدة كان آخرها وأعظمها على الإطلاق تكريم سيادة الرئيس لها وتقليدها وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، إنها الياسمينة الدمشقية "منى واصف".
أول مانود قوله لك "ألف مبروك" تقليدك وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة من سيادة الرئيس "بشار الأسد".
** عندما قررت أن أصبح ممثلة لم أعرف أنني سوف أصل لهنا، ولم يكن عندي هذا الهدف، أعتقد أن النتيجة هي من أوصلتني، ولكن كان لدي إحساس بذلك، فعندما كنت طفلة صغيرة وأنا استمع إلى الراديو وأسمع أن هناك حرباً على بلدي، كنت أحلم أنني فراشة أو طير.. أطير لكي أنتصر وأعود بانية قصراً على "جبل قاسيون"، لكي أرتاح بعد كل انتصار.
على مدى السنوات التسع والاربعين حلمت بالوسام، وعندما دخلت إلى قصر الشعب أحسست أنني جئت كي أرتاح بقصري، مثلما كنت أحلم، وفعلاً دخلت وارتحت عندما قابلني "سيادة الرئيس" بهذه الحفاوة، وكانت لهذه الراحة رهبة، تكلمنا مدة ثلاثين دقيقة عندها شعرت أن الشام كلها تسري بعروقي وتموضعت بقلبي، ثم قلدني الوسام وقال لي : "إنني أقلدك الوسام من أجل تاريخك الفني والإبداعي ومواقفك الوطنية".
طبعاً تحققت أحلام طفولتي بشكل ما، وتحقق شيء جميل جداً، فأنا دخلت إلى القصر وعمري سبعة وستون عاماً، وخرجت وعمري سبع سنوات مثلما كنت أحلم، حتى الضحكة الطفولية كانت من القلب، وأكثر من القلب كانت من ذكريات الطفولة، ومن الطموح، ومن الفن، من التاريخ من كل شيء، وكلمة شكراً للسيد الرئيس لن تستطيع أن توصل الإحساس الذي أشعر به والفرح الذي يغمرني، حقيقة إنه شيء جميل والأجمل أنني أتمتع بهذا الإحساس، وكنت دائماً أقول ولا شك أنني كنت أحلم بالوسام خصوصاً في السنوات الأخيرة عندما أصبحت مشاركاتي كثيرة وتكرمت في كل الوطن العربي، وحدثني "سيادة الرئيس" عن الأعمال من "أسعد الوراق" والأعمال السورية مجتمعة، وخصوصاً الأعمال الحالية، ودورها الحضاري الذي أخذته، ودورها الفكري وانتماءها للوطن، كما أن "سيادة الرئيس" يعتبرنا سفراء لسورية وقد أحب كل مضامين الأعمال، وخصوصاً التسامح الديني الموجود الذي هو صورة سورية الحقيقية.
** كان للحديث وقع خاص في نفسي لدرجة لم أتذكر كلامي.. وما الذي قلته، ولكن ما أتذكره أنني قلت لسيادة الرئيس: إنني أحلم.
** "سيدة المسرح السوري" "نجمة الوطن العربي"، "سنديانة دمشق" والأقرب لقلبي السنديانة.
أما سيدة المسرح السوري فقد كنت صغيرة، ولذلك أبقيته بعيداً عني، أما "نجمة الوطن العربي" فقد أطلقوه علي خارج سورية، وهذا مهم لأنه بعيد عن المحاباة، وكان "السنديانة" لقباً سورياً، وأنا أحب هذا اللقب، وعندما قالوا لي "السنديانة" بعد هذا العمر تمنيت أن أصبح كالشجرة المعمرة أعيش مثلها.. وأموت واقفة، وأنا حقيقة أحببت كل الألقاب التي أطلقوها علي ولكن أكثر لقب أحببته أنني أول امرأة "سورية" يقلدها "سيادة الرئيس" وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، وأول فنانة أيضاً، والشيء الذي زادني فرحاً على فرحي أن الناس فرحوا معي ولأجلي، وقد كنت أتوقع ذلك، وأحسست أنهم يشاركونني الفرحة بكل أحاسيسهم.
** هذا واحد من الألقاب التي أطلقت عليّ والتي أنا أحبها بلا شك، لأنها تحمل شيئاً دمشقياً مني؟.
** ما زلت أمشي، أنا لا أفكر إلى أين وصلت.. دائماً أنا مستمرة وحياتي جميلة رغم الصعاب التي تعترض طريقي، وما زلت على الطريق لأنني لا أنظر إلى الوراء.
* بمن تأثرت واقتديت؟.
** لم يكن قبلي في "دمشق" قدوة فنية حتى أقتدي بها أو أقلدها ولكن من أثر بحياتي هي أمي "رانيا عبود الأزرق" أولاً، ثم حماتي "بهية شيخة" والسيدة "سعاد ميرزا" مدرستي في مادة اللغة العربية في المرحلة الإعدادية، هن من أثرن بي كنساء، فأنا تربية نسائية أكثر من كوني تربية رجل.
** لا شك أنني استمديت من قوتي المسرحية الكبرياء والملوكية والنبالة، فالصعود على الخشبة يعطي إحساساً بالملوكية، فالناس تنظر إليك وأنت فوق، ولغتي العربية أيضاً، وصعوبة الأدوار التي لعبتها، ثقافتي المكتسبة من المسرحيات العالمية والمسرحيات العربية، والكتب التي قرأتها لكي أعرف فترة كل كاتب – متى كتبها؟ وماذا يقصد بكتابته؟، وما الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في فترته؟ ـ، فقد شكل عندي المسرح حصيلة ثقافية كان من الصعب تشكلها لو بدأت من التلفزيون أو من السينما أو من الإذاعة فقط، فالمسرح كان معهدي الكبير "الحياتي والفني والإنساني والثقافي"، طبعاً شهرتي استمديتها من التلفزيون وخصوصاً بعد انتشاره، واشتهرت سينمائياً أيضاً، وقد كنت أحلم بأن أكون نجمة سينمائية، وقد شاركت في أعمال سينمائية، وكان أهمها فيلم "الرسالة" للراحل العظيم "مصطفى العقاد"، كما شاركت بأربعة أفلام للمؤسسة العامة للسينما، التي قدمتها من أدب "حنا مينه" ومع ثلاثة مخرجين من مدارس مختلفة "نبيل المالح" الذي أخرج فيلم "بقايا صور". "محمد شاهين" الذي أخرج فيلمي "يوم غائم، وآه يا بحر". "قيس الزبيدي" الذي أخرج فيلم "اليازرلي"، وقد كنت سعيدة بمشاركتي معهم، وأنا أحب "حنا مينه" وأدبه أيضاً، وأحب إحساسه بالمرأة لأنه يستطيع أن يدخل إلى أعماقها، حيث قدمها بقدسية.
** آخر عرض قدمته هو "لحرم معالي الوزير" عام 1990، كانت مسيرة ثلاثين عاماً كفيلة بخروجي من المسرح، والأصح أنني تبعت الشهرة والمادة.
* ولكن ماذا عن مسرحنا؟.
** بالنسبة لي قدمت له شبابي، أنا أعطيته أحلى ما عندي وهو أعطاني أعظم ما عنده، وبرأيي المسرح مرتبط كثيراً بالشباب، فأنا عندما كنت شابة كنت أشعر بأن المسرح بيتي لأنه يعطي نوع من الدفء، له رهبة خاصة ولا شك بذلك، فمقابلة الجمهور يومياً تحتاج إلى أعصاب قوية، وهذا ما يمتلكه الشباب، وأنا بعد العرض الأخير "لحرم معالي الوزير" كان علي أن أترك المسرح لأبقى بألقي، والشيء الثاني لي في المسرح هو أنني لم أقدم تنازلات، فأنا كنت موظفة لدى الدولة ولي راتبي، فلم أعمل للربح المادي حتى بعد فيلم "الرسالة" تابعت في المسرح، وعندما شُهرت تلفزيونياً أكملت، ولم يكن هدف مسيرتي في المسرح هو "المادة" في البداية، ولكن المسرح أعطاني شيئاً أعظم من المادة، والشيء الذي كان يربطنا بالمسرح هو المال، ثم وجدناه في مكان ثانٍ "التلفزيون والسينما".
** أنا أحب وطني ولذلك أهتم بكل شيء يهم وطني وأي شيء أحس أنه يجب أن أتكلم عنه أتكلم به.
** الجوائز ليست الأساس، ولكن الكاتب الذي يكتب العمل لا يكون هوسه الجائزة، بل يكون هوسه الجمهور لأن الجمهور هو الجائزة الحقيقية، بعدها تأتي الجوائز الثانية فمن يكتب عملاً واحداً ويستطيع الوصول إلى الجمهور العريض فهذا أكبر جائزة، فالجائزة ليست مقياس للعمل، ربما حصيلة أو نتيجة فقط.
** إذا لم يكن عندي تصوير، أحفظ وأعمل على دوري من ست إلى سبع ساعات، ويومياً أفرغ ست ساعات لعملي، وإذا لم يكن عندي حفظ أجلس أربعة ساعات على قراءة كتاب، وأنا أقرأ للجميع ولكن أحب الأدب الروسي والأدب الانكليزي والفرنسي، وأدب المغرب العربي، وأنا أول من قرأ كتاب "الخبز الحافي" للكاتب "محمد شكري"، وأنا قارئة نهمة ومتأثرة بالأدب الروسي.
* هل تشبهين والدتك؟.
** أشبهها عندما آخذ دور المرأة القاسية، الطموحة، رفيقة الدرب، التي تختار رفيق دربها.