بدأ يخط أفكاره أدباً من وحي رموز دمشقية ملأته عشقاً وسحراً، ليستقر على حافة الشاطئ ويختار لنفسه معايير ومقاييس إبداعية يمارس حسبها الكتابة بمرحلة جديدة تمثلت في البحث الأدبي بمزيج من إرث الحضارة وروح العصر، وبنفسٍ دمشقي عتّقت رائحة الياسمين في داخله. إنه الكاتب ورئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور "حسين الجمعة".
لم تكن الكلمة وحدها نقطة الجذب للقائنا هذا، بل الفكر الذي يرصف طريق تلك الكلمة أيضاً، وخلال لقائنا بالدكتور "جمعة" حدّثنا عن بداياته الأولى في الكتابة، وعن تأثير الحي الدمشقي في تلك المرحلة.
** ولدت في "يبرود" عام 1949عشت في حي "النوفرة" الدمشقي قرب الجامع الأموي، حيث "الحكواتي" والسيّاح وعراقة الحضارة فيها. درست معهد إعداد المدرسين وبعد التخرج قررت التقدم لنيل الشهادة الثانوية مجدداً والالتحاق بالدراسة الجامعية، فعُيّنت بعد إنهاء دراستي الأكاديمية في مدرسة "خير الدين الزركلي" بمنصب مدير لها، ومن ثم أستاذ في جامعة "دمشق". كنت أبذل كل طاقتي وبأقصى ما وسعي لأحقق طموحاتي الاجتماعية والثقافية. واخترت المنحى الثقافي والعلمي، فبدأت بالتأليف وكتابة القصة منذ عام 1982، وأنجزت مؤلفات عدة، من ثم انتقلت إلى مرحلة البحث في كتاباتي، معتمداً على مقاييس ومعايير عقلانية وإبداعية. حيث إن الثقافة والمنهج الفكري يوصلانك إلى القمة. إنني ابن فقير دمشقي نقشت على الحجر مسيرة أدبية بدأتها بظل شجرة الياسمين والنارنج الدمشقية، ومازلتُ أخطّ الكلمات وأتغزل بتلك الشجرتين وبعروستي الدائمة "دمشق".
** أنا لا أكن إلى "دمشق" الاعتزاز والانتماء فقط، إنّما هي مجبولة في شراييني تجري ثقافتها في عروقي لأسباب كثيرة، فأمي تعود جذورها من "دمشق" القديمة، إضافة إلى أن هذه البيئة الدمشقية التي تملأ الإنسان بالدفء والمحبة والحنان مرتبطة بأزلية هذه الأرض وحضارتها، فعندما تحتضن "دمشق" كل من فيها وتعاملهم جميعاً معاملة واحدة على مقدار ما يقدمون للوطن من عطاء تتميز عن غيرها من المدن وتبث حبها في قلوب من سكنها ولو ليوم من عمره، إنها فتاتي الجميلة الناعمة التي تأخذني بسحرها، وقد عشت -كما تحدثت سابقاً- في حي دمشقي قديم وشاهدت النوفرة وأرض "الديار" المكشوفة على السماء بمحبة وود. كنت أتردد كثيراً على الجامع الأموي لأشاهد حلقات الدروس الدينية، وبالقرب من الجامع تقع الكنيسة التي تمدك بثقافة أخرى لها عمقها التاريخي، فعندما أتأمل "دمشق" بكل هذه التفاصيل أجدها فضاءً مليئاً بالثقافة، المحبة، السحر والجمال.
** لا أستطيع أن أكتب إلا إن كانت الفكرة واضحة في مخيلتي، فالفكرة تحمل الإضافة الجديدة التي أحاول أن أقدمها للقراء، مثلاً تطرقت لدراسة الشعر الجاهلي الذي يحمل عاطفة إنسانية نبيلة، فأردت أن أبين هذا الغرض الإنساني النبيل الذي مازال منذ "جلجامش" وحتى الساعة، الذي حافظ على ثباته في معطياته الكبرى رغم تغير أنماطه الفنية من عصر إلى عصر ومن جيل إلى آخر. من هنا لابد للكتابة أن تكون إبداعاً مرة وفناً مرات عدة.
** لأنني أريد أن أكون مخلصاً لأجدادي يجب أن أكون مخلصاً لنفسي، من هنا بدأت أزاوج بين القديم والحديث، فتحدثت في النقد الأدبي عن هذه التناصية التي توجد بيننا وبين القدماء، ومن ثم عن النظريات الحديثة التي تعد نظرية التناص في بعدها القديم والحديث، لذا قلت لك لا يمكن أن أعزل نفسي عن العصر الحاضر فلدي الكثير من الكتابات عن المعاصرين حيث تحدثت في مقدمة كتاب عن "غسان كنفاني"، وقدمت للكثيرين من أدباء "دمشق" وأبرزت "دمشق" والكتابة المعاصرة التي دخلنا إليها، كما شاركت في مؤتمر في "مصر" بمادة للحكواتي التي حاولت فيها أن أوضح تاريخ هذه الشخصية القديمة في حياتنا بشكل معاصر، لذلك كانت لدي عدة محاولات في الكتابة بين النمط الحديث والقديم.
** بالنسبة لي شاعري المفضل هو "نزار قباني" الذي قرأت له متأخراً، تأثرت به وتعمقت في كتاباته التي تطرق طارقة الطرق وتحلق بك إلى عالم الياسمين، فـ"نزار" أبدع في العبقرية الشعرية العربية وله مكانة أدبية خاصة في فكري، كما هناك عدد من الأدباء المميزين لدي ومنهم "عمر أبو ريشة، بدوي الجبل، نديم محمد، حنا مينه، عبد القادر الحصني، سعيد عقل، الأخطل الصغير ورشيد سليم الخوري"، وهناك أدباء كثر في سورية أعتز بهم فالأدب نبت في بلاد الشام وسيبقى بلاد الشام.
* أين تجد نفسك الآن؟
** إنني أجد نفسي في الدراسات الجمالية وفي تحليل بنية القصيدة، فقد كتبت التقارب الجمالي في النص القرآني والذي أعتًبره أحد المفكرين بأنه فتحٌ جديد في باب الدراسات القرآنية أدبياً وفنياً، إنني أكتب في كل موضوع يستهويني، وقد دخلت في باب الفكر السياسي والثقافة الفكرية، البحث هو اهتمامي الأكبر، فهو عالم كبير أريد أن أتعمق فيه وأبدع أكثر، كما إنني منحاز هذه الأيام لكل فكرة ممكن أن تشكل تحدّياً وحافزاً للقارىء.
** الإنسان مدين بهذا الشعور إلى القلق الوجودي قلق البحث عن المصير أن يثبت كينونته إن كان مرتحلاً إلى عالمٍ آخر فيه الجنة أو النار، أو إن كانت الحياة نهاية المطاف، أنا أَدخل في بحث الإنسان عن هذه الكينونة المنتجة له في الوجود، وكيف يمكن أن يقدم نفسه بين أوساط الناس بصورة مختلفة متميزة ومبدعة، وهنا أريد أن أذكر أن "سيف الدولة" إنما خُلد بالمتنبي، والمعتصم خلّد بقصيدة للشاعر "أبي تمّام"، و"المتوكل" بقصيدة لـ"البحتري"، فالسياسي يرحل وأي إنسان يفنى لكن الأدب والبحث يبقيان، لذلك أردت عندما كنت أبحث عن القلق الوجودي والمصيري للإنسان أن أسأل هل يمكن أن أبقى بعد أن الموت وأن أتميز عن الآخرين؛ فعندما كانت هذه الأفكار تراودني أتجهت إلى البحث والكتابة وأنتجت عدداً من الكتب، لذلك اخترت العزلة عن الجوار والتفرغ للبحث والكتابة، فالزمن بيدك أمانة وأنا أحاول أن أحافظ عليه قدر الإمكان، وأؤمن بالحديث القائل "يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلّما ذهب يوم ذهب بعضك" لذلك فالسنة عبارة عن ساعات أريد استغلالها، وأجد ساعة الكمال هي ساعة الولادة، من هنا أردت أن أملأ المساحات البيضاء في حياتي بما أنتجه من إبداعات وأفكار.
من الجدير بالذكر أن الدكتور "حسين جمعة" وهو رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية ـ منذ 2005م له عدة مؤلفات منها:
ـ الحيوان في الشعر الجاهلي "داردانية ـ دمشق ـ 1989م".
ـ مشهد الحيوان في القصيدة الجاهلية "دار دانية ـ دمشق ـ 1990م".
ـ الملل والنحل للشهرستاني: عرض وتعريف "دار دانية دمشق ـ 1990م".
ـ الرثاء في الجاهلية والإسلام "دار معد ـ دمشق ـ 1991م".
ـ مختارات من الأدب في صدر الإسلام "جامعة دمشق ـ 1992م".
ـ قراءات في أدب العصر الأموي "جامعة دمشق ـ 1992 ـ 1993م".
ـ قصيدة الرثاء ـ جذور وأطوار ـ "دار النمير ومعد ـ دمشق ـ 1998م".
ـ في جمالية الكلمة ـ "اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ 2002م".
ـ ابن المقفع بين حضارتين ـ "طباعة المستشارية الإيرانية بدمشق ـ 2003م".
ـ إبداع ونقد ـ قراءة جديدة للإبداع في العصر العباسي ـ "دار النمير ـ دمشق ـ 2003م".
ـ المسبار في النقد الأدبي ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ 2003م.
ـ نصوص من الأدب العربي المعاصر ـ بالاشتراك ـ "جامعة دمشق ـ 2005م".
ـ جمالية الخبر والإنشاء ـ دراسة جمالية أسلوبية ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ 2005م.
ـ التقابل الجمالي في النص القرآني ـ دار النمير ـ دمشق ـ ط1 ـ 2005.
ـ البيئة الطبيعية في الشعر الجاهلي "مجلة عالم الفكر ـ الكويت مج 25- 1997م".
ـ شعرنا القديم ـ صورة ودلالة "م. مركز الدراسات والبحوث ـ قطر ـ عدد 10 ـ 1998م".
ـ كيفية قراءة النص الأدبي "م. مجمع اللغة العربية بدمشق ـ مجلد 4 ـ 1999م".
ـ نظرية التناص: صك جديد لعملة قديمة "م. مجمع اللغة العربية بدمشق ـ مجلد 75 ـ 2000م".
ـ المؤثرات الفارسية في شعر الأعشى "أبحاث ندوة العلاقات الأدبية واللغوية العربية الإيرانية" ـ مطبوعات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ 1999م.
ـ ابن رشيق وآراؤه النقدية "م. مجمع اللغة العربية بدمشق ـ مجلد 76 ـ2001م".
ـ جمالية اللسان في اللغة والحياة "م. مجمع اللغة العربية بدمشق ـ مجلد 77 ـ 2002م".
وهناك أبحاث كثيرة في مجالات أخرى متعددة وندوات علمية وتلفزيونية ومؤتمرات محلية وعربية ودولية.