«هو شاعرٌ وكاتبٌ ومدرسٌ ومتكلمٌ فصيح ووجه جماهيري وطلابي مشهور وأخيراً هو المفكر الحر» بهذه الكلمات عرف الدكتور "حسين جمعة"- رئيس "اتحاد الكتاب العرب"- الأديب "شوقي بغدادي"، وأكمل بقوله:
«هو من أبرز الشعراء الذين حافظوا على جمال الشعر الحديث، كما أن له يد السبق في المشاركة في تأسيس الهيئات الإدارية الخاصة بالأدباء العرب، فهو لم يسهم فقط بإرفاد المحتوى الأدبي العربي ولكن ساهم أيضاً بتأسيس الهيئات الكفيلة بتنظيمه».
هو من أبرز الشعراء الذين حافظوا على جمال الشعر الحديث، كما أن له يد السبق في المشاركة في تأسيس الهيئات الإدارية الخاصة بالأدباء العرب، فهو لم يسهم فقط بإرفاد المحتوى الأدبي العربي ولكن ساهم أيضاً بتأسيس الهيئات الكفيلة بتنظيمه
فالشاعر "بغدادي" بدأ أولى محاولاته الأدبية في الشعر في عام/1940/، عندما كان في المرحلة الاعدادية، وحاز أول ألقابه "شاعر المدرسة" في المرحلة الثانوية؛ والتي شهدت أيضاً أول دواوين "البغدادي" والمسمى "ديوان البراعم" الذي جمع فيه الطالب "شوقي" باكورة أشعاره، ولم يتوقف عطاؤه الأدبي في مجال الشعر خلال مسيرته الطويلة فقصائده لم تنضب على الرغم من تجاوزه الثمانين من عمره، وديوانه الأخير المسمى "ديوان الفرح" والذي فاجأ به "شوقي بغدادي" متابعيه حسب ما ذكره "شوقي بزيع" في دراسة "لديوان الفرح" ذكر فيها:
«خمسة عقود تفصل بين المجموعة الأولى للبغدادي والتي كانت بعنوان "أكثر من قلب واحد" والتي ظهرت فيها طريقة الكتابة القائمة على التحريض والالتزام العقائدي، وتعبئة الحشود في المعركة الحاسمة مع قوى الهيمنة والتسلط والاستغلال، وبين مجموعته الشعرية الأخيرة والتي سماها "ديوان الفرح"، والتي فاجأ فيها "بغدادي" نفسه أولاً ومن حوله بأن الشاعر الثمانيني، لم يستنفد كل ما لديه، رغم غزارة عطائه، لا، بل كانت المفاجأة أن العنوان بحد ذاته تجدد، ويسير ضد المجرى القائم اليوم في الشعر العربي الحديث.
"ديوان الفرح" يدعوك إلى الابتعاد عن التحسر والندب، ليدخل في مصالحة مع الشيخوخة واستحقاقاتها القاسية». «1»
تميز "شوقي بغدادي" بالتزامه بقضايا أمته، فعرف عنه منذ أيام الدراسة اشتراكه في المسيرات والمظاهرات التي تندد بالظلم وتطالب بالحقوق، بل كان أحد رموز هذه المسيرات؛ فلا تخلو مسيرة من كلمة وشعر "لشاعر المدرسة" و"لشاعر الاشتراكية" و"للشاعر الجماهيري"- هذه الألقاب التي عرف بها البغدادي بين الجماهير- فكان الصوت الذي يحرك الأفئدة ويرفع همة الجماهير المتظاهرة.
الدراسة الجامعية "للبغدادي" بدأت بعد الاستقلال، وتحديداً سنة /1947-1948/، إذ التحق بكلية الأداب في "جامعة دمشق"، وقضى في "دمشق" أربع سنوات كان لها الأثر الكبير على مسيرته الفكرية والأدبية، فآمن بالأفكار الاشتراكية، وانحاز إلى اليساريين وتبنى الدفاع عن الجماهير وطالب بتطبيق الحلم العربي المتمثل بوحدة الأمة العربية، وظهر ذلك واضحاً في أشعاره وكتاباته القصصية، وكان عنصراً مشاغباً وخطيباً مفوهاً في المظاهرات المتكررة التي جالت "دمشق" تلك الآونة، حتى استطاع الوصول ومقابلة الرئيس "شكري القوتلي" في إحدى المظاهرات الطلابية.
نشاط "البغدادي" في المرحلة الجامعية لم يقتصر على الاحتجاج والتنديد بل شارك بتأسيس "الجمعية الفنية الجامعية" التي نظمت المعارض التشكيلية والأمسيات الشعرية والموسيقية وحتى المسرحية، وتعرف "البغدادي" خلال تلك المرحلة على أسماء كثيرة حملت فيما بعد لواء الأدب العربي، كالشاعر "نزار قباني"، والكاتب "سعيد حورانية"، والأخوين "حسيب ومواهب الكيالي" وغيرهم الكثير من الشباب الذين جمعتهم هموم ورؤى واحدة، وكتب في عدد من الصحف والمجلات كمجلة "النقاد" الأسبوعية وحاز عدداً من الجوائز والمكافآت عن تلك الإبداعات.
وساهم الشاعر "شوقي بغدادي" عام /1952/ بشكل رئيسي في تأسيس "رابطة الكتاب السوريين"، التي ما لبثت بعد عامين أن تحولت إلى "رابطة الكتاب العرب" لأنها ضمت كتاباً من دولٍ عربيةٍ أخرى، وفي تلك المرحلة بدأ اسم "شوقي بغدادي" يظهر بسرعة على الساحة الأدبية وزج به في الساحة السياسية التي طالما ابتعد عنها، مفضلاً الدفاع عن الإنسان العربي من التحديات والمؤمرات التي تحاك ضد هويته وثقافته الأصيلة.
بعد التخرج مباشرة عمل "شوقي بغدادي" في تدريس اللغة العربية في ثانوية "التجهيز الأولى للبنين" في "طرطوس" سنة /1952-1953/، ثم انتقل للتدريس في "ثانوية البنين" في "اللاذقية" سنة /1953-1954/، ليعود بعدها إلى التدريس في ثانويات "دمشق"، فبدأ بإحدى ثانويات "حي الميدان"، ثم انتقل إلى "ثانوية الثقفي" في "حي المالكي"، وشهدت هذه المرحلة من حياة "بغدادي" محاولات عديدة لضمه إلى صفوف "الحزب الشيوعي"، لكونه يتميز بقدرة على إثارة الجماهير بأشعاره وخطاباته حماسية، وحاز لقب "شاعر الشيوعية"، رغم كونه لم يدخل صفوف الحزب على عكس ما يعتقده الكثير من الناس عن الشاعر حتى اليوم، حسب ما ذكره "البغدادي" في الكثير من المناسبات.
ارتاد الشاعر "بغدادي" المقاهي السياسية في مرحلة الخمسينيات، وهو اليوم أحد رموزها، وفي مرحلة الوحدة مع "مصر" دخل السجن لمدة تسعة أشهر، بتهمة مناصرة "الحزب الشيوعي"، رغم أنه كان يتغنى بالوحدة العربية منذ الاستقلال، ويكتب الأشعار حالماً بقيامها، وفور خروجه من السجن سافر إلى "بيروت" وبقى هناك إلى إعلان الانفصال، حين عاد إلى "دمشق"، وابتعد عن أشكال الحياة عدا الأدبية منها، وعاش حياة المدرس والشاعر والكاتب، وأضاف لهما حياة المفكر الحر.
أوفد المدرس "شوقي بغدادي" إلى "الجزائر" عام /1968/ بعد تحرر "الجزائر" من "الاحتلال الفرنسي" الذي بقي حوالي مئة عام على أراضيها، في سياق "حملة لتعريب وحماية المناهج من هيمنة اللغة الفرنسية"، أوفد خلالها إلى هناك مدرسون من كافة الدول العربية، خاصة من سورية ومصر، انحصرت مهمة "البغدادي" هناك في تعليم "مدرسي اللغة العربية"، فدرس في "دار المعلمين" لمدة خمس سنوات، وتعرف هناك على بعض "الجمعيات الدينية" التي كانت تملك مدارس خاصة ليلية، وانقسم يوم المدرس "البغدادي" قسمين قسم صباحي للمدرسين، والقسم الليلي لطلاب "الجمعيات الدينية" التي يصل عدد الطلاب في الصف الواحد منها إلى /60/ أو /70/ طالباً، وأطلق الطلاب المتعطشون إلى لغتهم وثقافتهم الأم لقب "شيخ العربية"- كما هي العادة في تسمية مدرسي "العربية" هناك- وهذا اللقب يحبه "البغدادي" ويفتخر به حسب ما ذكره لموقع "eSyria".
ذكر الشاعر "شوقي بغدادي" أنه تعلم خلال السنوات التي قضاها المدرس في "الجزائر" حب اللغة العربية وكثيراً من جماليات هذه اللغة وصعوباتها، وتعلم منه الطلاب عشق لغتهم وتاريخها، وزار "البغدادي" أثناء أيفاده عدة دول أوروبية كفرنسا واسبانيا وايطاليا، وسّعت عليه آفاقاً وجعلته أكثر انفتاحاً، خاصة أن سيرة حياة "البغدادي" غنية بالرحلات.
فمنذ نعومة أظفاره كان يسافر إلى بيت جده لأمه في "طرابلس" ليقضي هناك بعض أشهر الصيف، وبسبب عمل والده الحكومي فقد تنقل "البغدادي" في عدة محافظات، وأثناء فترة دراسته سافر إلى الاتحاد السوفيتي ورومانيا والصين، كما أنه درّس في محافظات "طرطوس" و"اللاذقية" و"دمشق"، وبقي في "بيروت" بعد خروجه من السجن أواخر فترة الوحدة، وسافر إلى الجزائر خمس سنوات، كل تلك الرحلات جعلت من "البغدادي" مفكراً متجدداً لا يلتزم بتيار محدد، ويبحث عن التميز في بحور إبداعية جديدة.
المدرس "محمد نعسان" أحد الذين عاصروا "شوقي بغدادي" أثناء تدريسه في ثانوية "جودة الهاشمي" ذكر أن الشاعر "البغدادي" عاد إلى "دمشق" عام /1972/، ودرّس في ثانوية "جودة الهاشمي" حتى إحالته إلى سن التقاعد عام 1990.
وفي عام /1973/ تزوج الشاعر "شوقي بغدادي" ورزق بابنته المحامية "ملداء" عام /1974/، وابنه الطبيب "طرفة" الذي ولد عام /1976/، وهو جراح متخصص بالجهاز "العصبي" متخرج في "الجامعة الأميركية في بيروت"، ونال الشاعر "شوقي بغدادي" في تلك الفترة عدداً من الجوائز منها "جائزة البابطين الشعرية" عن ديوان "شيء يخص الروح" عام /1998/.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة كُرِّم "شوقي بغدادي" من قبل الجهات الثقافية الرسمية في "سورية" وعدد من الفعاليات في بلدان العربية أخرى، كما أسهم في تدوين قصيدة الشعر والنثر العربي، خاصةً السورية منها، كما فعل في مشروع "أنطولوجيا الشعر السوري خلال الربع الأخير من القرن الماضي".
«1»: مقتبس من جريدة السفير، للكاتب "شوقي بذيع" عدد /11346/ الصفحة الثقافية.