رائدة من رائدات الفكر والأدب والتربية والتعليم في سورية والوطن العربي، استطاعت أن تشق طريقها بين بنات جيلها القلائل في زمن يقال عنه إنه كان يحارب طموح المرأة، جل مسيرتها قضتها في ربوع التاريخ العربي وتدريسه لينتهي بها المطاف كأول عضو نسائي يدخل مجمع اللغة العربية في دمشق.
إنها السيدة "ليلى الصباغ" عضو مجمع اللغة العربية والمدرسة في سورية وعدد من الدول العربية، مدونة وطن "eSyria" التقت السيدة "رشا الصباغ هيكل" ابنة أخ السيدة "ليلى الصباغ" بتاريخ 28/10/2012 والتي تحدثت بالقول: «استطاعت السيدة "ليلى" في ذلك الزمن الصعب- في أربعينيات القرن الماضي- أن تشق طريقها بين بنات جيلها القلائل، متحدية مجتمع له فكره وتقاليده الراسخة، مسخرة إيمانها بالمثل العليا وإرادتها الصلبة، في سبيل ترسيخ منهج فكري تحرري».
استطاعت السيدة "ليلى" في ذلك الزمن الصعب- في أربعينيات القرن الماضي- أن تشق طريقها بين بنات جيلها القلائل، متحدية مجتمع له فكره وتقاليده الراسخة، مسخرة إيمانها بالمثل العليا وإرادتها الصلبة، في سبيل ترسيخ منهج فكري تحرري
أبصرت السيدة "ليلى" النور في حي الصالحية عام 1924، عاشت في بيئة محافظة، أتمت دراستها الثانوية فيها، عرف عنها الالتزام والجد والتفاني في تحصيل العلم والمعرفة منذ نعومة أظفارها، ونظراً لتفوقها ابتعثت إلى مصر، حيث نالت إجازتها الجامعية من كلية آداب جامعة القاهرة قسم التاريخ عام 1947، لتعود إلى سورية فيما بعد لتعمل في التدريس والإدارة في العديد من المدارس الحكومية عام 1952، دفعها طموحها لمتابعة مسيرتها العلمية، لتحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في تاريخ العرب الحديث عام 1961.
وعن ذلك تحدثت الدكتورة "ليلى" بالقول: «عملت في وزارة التربية والتعليم، وتوليت إدارة مدرسة التجهيز الثانية للبنات بين عامي 1954- 1963 فعملت جاهدة على جعلها أنموذجاً يحتذى به لكل المدارس السورية، وذلك من خلال العمل على إدخال نشاطات تربوية جديدة لم تكن موجودة قبلاً.
بعدها شغلت منصب مفتش خبير موجه لمادتي التاريخ والجغرافية في الإدارة المركزية بوزارة المعارف عام 1963، لأنتدب بعدها أستاذاً زائر في جامعة الجزائر عام 1966، حيث استغليت إقامتي في الجزائر في تحصيل المزيد من المعارف، وعملت في الدوريات التعليمية المتخصصة في التاريخ وخاصة الإسلامي منه.
عملت بين سنتي 1968-1971 في مديرية البحوث التابعة لوزارة التعليم العالي السورية، إلا أن مهنة التعليم كانت تجري في عروقي، فعدت بكل ما أحمل من زخم علمي ومعارف وخبرة اكتسبتها خلال سنين طوال قضيتها في البحث العلمي، للتدريس في جامعة دمشق، وشغلت منصب أستاذ زائر في جامعة العين في الإمارات العربية المتحدة عام 1993».
تضيف السيدة "رشا": «تعد الدكتورة الصباغ من رواد الفكر في الوطن العربي، حيث استطاعت أن تجمع بين الأدب والتاريخ، بمنهجية علمية قل نظيرها، وبجهد مستمر وحتى اليوم مازالت الدكتورة الصباغ تخط بقلمها مخزوناً فكرياً متألقاً بصياغة أدبية متميزة، تاركةً بصمات واضحة في المجالات التي عايشتها، فكانت أهلاً للتكريم أينما وجدت، وتقديراً لجهودها في مجال التعليم، قامت لجنة الأكاديميين العرب بتكريمها عام 2000 من خلال التصويت لها كعضو في مجمع اللغة العربية في دمشق، خلفاً للطبيب الراحل الرئيس الأسبق للمجمع العلامة أنس سبح (1900-1986) لتكون العضو النسائي الأول في المجمع منذ تاريخ تأسيسه عام 1922.
لها العديد من المؤلفات في اختصاصات مختلفة، إلا أنها استطاعت التركيز بصورة دقيقة على منهجية البحث التاريخي، حيث اعتمد كتابها "دراسة في منهجية البحث التاريخي" كمادة تدرس في جامعة دمشق، كذلك تناولت أبحاثها: الثقافة، المجتمع، السياسة، لكنها وجهت جل عنايتها من خلال مؤلفات عدة إلى دور المرأة في السياسة والأدب والإصلاح في المجتمع العربي في فترات مختلفة، ولم تكتف بالبحث والتأليف في التاريخ العربي والعثماني، بل تجاوزتهما في مؤلفها تاريخ أوروبا في العصر الحديث، الذي اعتمد تدريسه في جامعة دمشق، لتدعم من خلاله تداخل الحدث التاريخي ونتائجه».