"الياس قدسي" تربوي وأديب تميز بنشاطه الوطني الاجتماعي والعلمي، فكان أول رجل شرقي شارك بتقديم أعمال مؤتمرات المستشرقين الدولية، له العديد من الكتب المطبوعة وأخرى ماتزال تنتظر.
عرف "قدسي" بأخلاقه الحميدة يقول العلامة "محمد كرد علي": «عرفته أديباً يحب كل من اشتغلوا بالعلم والأدب، صحبته اثنين ثلاثين عاماً فما رأيته إلا مثال الوفاء والكرم، صفتان يمتاز بهما الرجل العربي الحر الأبي، عصامي عظامي، هو نسخة جميلة من التربية القديمة العربية مزينة بالتربية الحديثة».
عرفته أديباً يحب كل من اشتغلوا بالعلم والأدب، صحبته اثنين ثلاثين عاماً فما رأيته إلا مثال الوفاء والكرم، صفتان يمتاز بهما الرجل العربي الحر الأبي، عصامي عظامي، هو نسخة جميلة من التربية القديمة العربية مزينة بالتربية الحديثة
وتذكر الأديبة "مهاة فرح الخوري" أن «"إلياس قدسي" ترك نتاجاً أدبياً غزيراً من القصائد والمواويل في الأدب الشعبي باللغة العامية الشامية ودَون إنتاجه في مخطوطين ارتدت أسلوب الأدب لتنبه الناس لإصلاح أحوال مجتمعهم، نشر عام 1913 مجموعة صغيرة بعنوان "نوادر وفكاهات من أحاديث الحيوانات"، و"زهرة الربيع" وهي مجموعة من القصائد والمواويل، له الكثير من الآثار الأدبية لم تنشر منها "مجموعة من الأحجيات في 250 موضوعاً باللغة العامية الشامية"، كما جمع مجموعة من الأمثال الدارجة في بلاد الشام مع ما يقابلها في اللغات الأجنبية، كما قدم نبذة تاريخية في الحرف الدمشقية، والطريقة القدسية، وأنجز دراسة مقارنة بين اليونانية والعربية.. لقد كان "قدسي" مولعاً بالشعر العامي إضافة لكونه مرجعاً باللغة العربية الشامية وأبحاثه في مظاهر الحياة الشعبية.
لم يكن اهتمامه منصباً فقط على اللغة العامية الشامية بل عرف من اللغات إضافة للعربية اليونانية والفرنسية والإيطالية والإنكليزية والتركية انتخب "قدسي" عضواً عاملاً في المجمع العلمي العربي 1921، كلفه والده بأمانة سر القنصليات الفخرية التي كان يتولاها حيث سمي بعد وفاة والده عام 1888 قنصلاً فخرياً لثلاثة دول أوروبية، كانت له صلات مع المستشرقين الأوروبيين وانتسب لمؤتمراتهم الدولية، فقدم أبحاثاً عن الحرف الدمشقية من حيث تنظيمها وتقاليدها الاجتماعية، يمكننا اعتباره أول رجل شرقي يشارك بتقديم بحث في أعمال مؤتمرات المستشرقين الدولية».
تتابع الأديبة "مهاة فرح الخوري": «أسس "الياس قدسي" عام 1878 "الجمعية التاريخية" في دمشق وكانت بمنزلة منتدى ثقافي انتسب إليه عدد كبير من الشباب المثقف زاد عددهم على السبعين عضواً كانوا يجتمعون بشكل دوري ويبحثون في كل جلسة محاضرة بموضوع من التاريخ القديم أو الحديث».
كما تميز الأديب "قدسي" بنشاطه الوطني الاجتماعي والعلمي، تذكر "الخوري": «كان مخلصاً محباً لأمته ولشعبه، آلمه وضع بلاده من ناحية التخلف العلمي فتحمس ودأب على تعليم جيل الشباب غير آبه بكسب المال، دافعه لذلك أخلاقي اجتماعي ثقافي، عقد صلات وثيقة بالأوساط الوطنية ورجالات الجمعيات العربية التي تم تنظيمها في مطلع القرن العشرين، لكن ذلك أغضب السلطات العثمانية فاضطر لمغادرة دمشق سراً لبيروت والقاهرة وبقي إلى أن أُعلنت الحرب وارتفع علم الدولة العربية في دمشق وعاد إليها معتزاً بوطنيته، وفي عام 1925 عندما قصف الفرنسيون دمشق قدم احتجاجاً للسلطات الفرنسية مستنكراً عملها العدواني على دمشق ما جعلها تعزله من القنصلية الفخرية الفرنسية التي كان يتولاها».
وتعرض الأديبة "مهاة فرح الخوري" لمراحل حياة الأديب "الياس قدسي" الغنية فتقول: «ولد في دمشق عام 1850 لأسرة صناع وتجار، والده "عبده القدسي" من وجهاء دمشق الذي أصبح قنصلاً فخرياً لخمس دول أوروبية في دمشق، كان بيته موئلاً لأهل الأدب والفن، في هذا المحيط نشأ وترعرع "إلياس قدسي"، تلقى تعليمه في المدرسة الأرثوذكسية في دمشق وتابع تحصيله في عينطورا- لبنان في مدرسة الآباء العازريين الفرنسية، سافر عام 1866 إلى اليونان ليتابع تعليمه لمدة ست سنوات أتقن فيها اللغة اليونانية القديمة والحديثة، في العام 1872 عاد لدمشق ليعين عام 1873 مدير المدرسة الآسية التي تأسست 1840 والتي شهدت تأسيساً جديداً لها في عهده حيث قسمها لثلاثة مراحل ابتدائية وإعدادية وللبنات فغدت أهم المدارس الأهلية الوطنية وقد ارتقت بعهده بتعليم اللغة العربية وهيأت جيلاً من الشباب ذوي الثقافة العربية، ولابد من الإشارة إلى أن "قدسي" بقي في وكالة المدارس الأرثوذكسية ثلاثة وثلاثين عاماً يعلّم فيها ولا يتقاضى أجراً بل في أغلب الأحيان كان ينفق من ماله الخاص».
يذكر أن "إلياس قدسي" رحل للديار السماوية عام 1926 ودفن في دمشق، وتكريماً له ولما قدمه من أعمال متميزة قامت الدولة بتسمية مدرسة باسمه في مدينة "دمشق" منطقة "باب توما".