أخذت الموضوعات الحياتية في خطوطه حيزاً هاماً، وترك بصماته في كثير من الأماكن السورية، وقدم الخط العربي كفن تشكيلي يعنى بالإبداع والتجميل للأشياء والتنسيق للكلمات في الفراغ التصويري.
إنه الخطاط الدمشقي "حلمي حباب" الذي تحدث عنه الناقد الراحل "طارق الشريف" فقال: «كان "حلمي"رمزاً من رموز الخط وعلماً من أعلامه وواحداً من الخطاطين المجيدين الذين طوروا هذا الفن، وقد حافظت لوحاته على التقاليد المتوارثة والحياة اليومية ومتطلباتها».
كان "حلمي"رمزاً من رموز الخط وعلماً من أعلامه وواحداً من الخطاطين المجيدين الذين طوروا هذا الفن، وقد حافظت لوحاته على التقاليد المتوارثة والحياة اليومية ومتطلباتها
مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 20/10/2013 تابعت ما كتبه الباحث "محمد مروان مراد" عن الخطاط "حلمي حباب" في كتابه "مبدعون في ذاكرة الوطن" حيث كتب: «عادت بي الذكريات إلى سنين خلت، عندما كنت أجلس على مقاعد الدراسة تلميذاً صغيراً في مدرسة " الرشيد" الابتدائية في منطقة "الصالحية" بـ"دمشق"، فقد كانت مادة الخط ضمن البرنامج الأسبوعي الدراسي، وكان يهل علينا مدرس المادة بطلعته المحببة حاملاً أدوات الكتابة وأوراقه ثلاث مرات في الأسبوع، وعندما أنهيت دراستي الإعدادية والتحقت بدار المعلمين كان معلم الخط فيها أستاذاً قديراً شديد المهابة نحيل الجسم، يلبس طربوشاً فوق رأسه، أنيق الملابس تزين وجهه لحية قصيرة اسمه " حلمي حباب"، كان مرحاً في درسه وصديقاً للجميع ما شد الطلاب إليه ورغبوا في تلقي دراسة فن الخط العربي على يديه، ومازال طلابه حتى اليوم يذكرون بيت الشعر الذي كان يردده على مسمعهم بداية كل حصة درسية:
الخط يبقى زماناً بعد صاحبه / وصاحب الخط تحت الأرض مدفون.
ولد الخطاط "حلمي حباب" في مدينة "دمشق" عام /1909/، وتعلم القرآن والكتابة والقراءة في "الكتاتيب" منذ كان صغيراً، شغف بتوزيع الحروف العربية في السور والآيات في المصاحف، بدأ تعلم الخط منذ /1926/ على يد الخطاط "ممدوح الشريف"، كما عمل معه وهو يتعلم عنده وساعده في كتابة لوحة الجامعة السورية، ومنذ العام /1927/ بدأ يعمل وحده في التعليم حيث دّرس في المدارس "الأهلية" في "الكاميلية"، وفي مدرسة "أحمد منيف العائدي، والعازرية والتجارة ودور المعلمين والمعلمات"، كما درس في كلية "الفنون" منذ تأسيسها /1961/ وكان اسمها المعهد العالي للفنون، وعمل مع عمدائها جميعاً وبعد إحالته إلى التقاعد /1969/ درس في المعهد المتوسط للفنون التطبيقية، ولم يمنعه ذلك من صناعة اللوحات في محله الكائن بـ"العصرونية" جانب "دار الحديث"، ومن كتابة الشهادات الجامعية حيث كتب شهادات جامعة "دمشق" جميعها، ولوحات الجامعة ووزارة العدل، إضافة إلى الآيات القرآنية الكريمة في مقبرة الشهداء بـ"نجها"، وجامع "العثمان" وجامع "الأكرم" بـ"دمشق"، كما قام بكتابة دفاتر خاصة لتعليم الخط باسم " الفن العربي" وكتب كثيراً من لوحات أجنحة أول معرض دولي أقيم في "دمشق" /1954/، وكان وشاح أمية أول وسام يقوم بكتابة براءته، وكتب بعده براءة عشرات الأوسمة من مختلف الأنواع والدرجات».
وعن أهم الخطوط المحببة إليه وأسلوبه وما قاله عن الخط كتب "مراد": « أحب "حلمي حباب" جميع الخطوط وأتقنها بنفس القدر حيث لكل خط صفاته ومميزاته واستخداماته، فخط "الرقعة "كان للكتابة العادية، "الديواني" لكتب الاعتماد وبراءات الأوسمة، "الفارسي" للعناوين العامة وكتب الآثار وشواهد القبور، "الكوفي" للأبنية الهامة مثل الجامعة السورية، "الثلث" للأشياء المهمة مثل العمارات والمساجد وعناوين الكتب، "النسخ" لكتابة الكتب قبل ظهور المطبعة، وهو الذي يكتب به القرآن لأن قراءته سهلة وحروفه مفتوحة، والخط العربي برأي "حلمي حباب" ليس للكتابة فقط فهو للتزيين والتجميل، وأضاف معلومة هامة أن التواريخ تكتب باستعمال الكلمات حيث لكل حرف في اللغة العربية رقم يقابله، وفي بعض الكتابات الخاصة بالتاريخ فإن جمع أحرف الجملة أو بيت الشعر تعطي التاريخ المطلوب، ومثال على ذلك هناك شطر من بيت شعر على أحد الأضرحة يقول: "أبو الخير في دار النعيم يقيم" إذا جمعنا أرقام أحرف هذا الشطر فإنها تعطي رقم/1345/ وهو العام الذي توفي فيه صاحب الضريح».
وتابع: «امتازت تراكيبه الخطية بالوضوح والبساطة في رسمه للحروف وعلاقة الكلمات مع بعضها بعضاً وتوضعها ضمن تآلف وانسجام الحروف وحركتها بما ينسجم مع هدفه في تحقيق لوحته الخطية المعبرة عن شخصيته، لذلك نراه في بعض اللوحات يعتمد قلمين مختلفين لاستنباط تكوينه المطلوب، تميز بطرافة أسلوبه في تدريس فن الخط العربي وذاكرته القوية وحيويته التي ظلت تسكنه حتى آخر حياته».
وعن أهم المعارض التي شارك فيها والأوسمة التي حصل عليها كتب: «شارك "حباب" خلال حياته في المعارض المحلية والعربية والدولية، حيث شارك عام /1929/ في معرض أقامته جامعة "دمشق"، ونال الجائزة الأولى والميدالية الذهبية في معرض وزارة الاقتصاد عام /1939/، ومنح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى عام /1988/، وباقتراح من جمعية الخطاطين السوريين وبتاريخ /27/ كانون الأول عام /1997/ منحته وزارة الثقافة لقب "شيخ الخطاطين" ضمن احتفال تكريمي شمل إقامة معرض كبير شارك فيه عدد من خطاطي "سورية"».
يشار إلى أن "حلمي حباب" رحل عام /2000/ تاركاً شواهد تدل على نضج تجربته وتمكنه من إيجاد شخصية خاصة تحمل النكهة الشامية في الخط العربي، وسيبقى واحداً من الرواد الذين تشكل بهم تاريخ الخط العربي في القرن العشرين.