عندما نتحدث عن تاريخ "سورية" المعاصر، يطالعنا أهم فجر طلع عليها، فجر يوم "17/4/1946" الذي حمل معه "الاستقلال" فكان يوم /17/ نيسان من كل عام عيد أعياد في سورية. إذ فيه ترتدي سورية حلتها البيضاء فرحاً وتنقلب "دمشق" إلى مكان كبير مملوء بمظاهر الاحتفال والبهجة، "eSyria" عاد إلى الماضي ورصد مظاهر الاحتفال بهذا العرس الوطني في دمشق وخاصة في الفترة التي تلت الاستقلال عبر لقاء من عاصر يوم الجلاء وشارك بفرحه.
والبداية كانت مع المجاهد "عمر أرناؤوط" /91/ عاماً، الذي استهل لقاءنا بالقول: «ما إن تخلصت "سورية" من آخر جندي داس على ترابها، حتى تحول يوم "17/4/1946" إلى عيد، وأي عيد أغلى على سورية من "عيد الاستقلال"؟ فكنت تجد أن جميع شرائح المجتمع تحتفل، ليس هذا فقط بل كنا نجد أن وفوداً عربية كانت تشاركنا هذه الفرحة العظيمة».
ما إن تخلصت "سورية" من آخر جندي داس على ترابها، حتى تحول يوم "17/4/1946" إلى عيد، وأي عيد أغلى على سورية من "عيد الاستقلال"؟ فكنت تجد أن جميع شرائح المجتمع تحتفل، ليس هذا فقط بل كنا نجد أن وفوداً عربية كانت تشاركنا هذه الفرحة العظيمة
اللواء المتقاعد "محمد صياح آقبيق" تحدث عن بعض مظاهر الاحتفال بعيد الاستقلال في "دمشق" بالقول: «لعل "العرض العسكري" أحد أبرز أشكال الاحتفال بيوم الجلاء وخاصة في السنوات الأولى بعد الاستقلال، ولكنه لم يكن الشكل الوحيد للاحتفال، فكنت تجد أن عروضاً رياضية وأهلية ترافقه، وتجد الأهالي تتبادل الزيارات حيث تفتح البيوت لاستقبال المهنئين.
وقد حظيت بشرف المشاركة باحتفالات عيد الاستقلال بعد الجلاء بعامين أو ثلاثة من خلال العرض الرياضي الخاص بالمدارس الابتدائية والإعدادية الذي كان يقام على أرض الملعب البلدي- مكان قصر البنلاء حالياً-، وأتذكر أننا تدربنا لمدة شهر كامل للتحضير لهذا العرض الرياضي، بحضور عدد من الأهالي ومديري ومعلمي المدارس».
وعن استعراض العسكري تحدث "آقبيق" بقوله: «بدأ أول استعراض في الذكرى الأولى للجلاء، وكان يقام في شارع "بيروت القديم" أو ما يسمى "شارع شكري القوتلي"(*)، بمشاركة سرية من كل فوج وكتيبة من كتائب الجيش والشرطة، وفرق الكشافة بالإضافة إلى انضمام بعض السرايا من جيوش العربية المجاورة مثل لبنان التي كانت تشارك سورية فرحتها بهذا العيد، وهنا لابد من الإشارة إلى أن كل سرية يتقدمها عريف عنها يحمل علم- شعار- الفوج أو الكتيبة للدالة عليها: بحرية أو برية أو غيرها".
وهنا يجب أن أشير إلى أن أول علم سوري رفع خلال استعراض العسكري في الذكرى الأولى للجلاء كان من قبل الملازم الثاني "عدنان المالكي"، بعد أن وقع الاختيار عليه نظراً لمسيرته الوطنية في النضال ضد القوات الفرنسية خلال فترة الاحتلال، كما أنني أتذكر كيف كان تقدم العرض العسكري مرور عدد من الفتيان والفتيات الصغيرات يحملون بأيدهم باقات الورود».
لابد للاستعراض من وجود منصة شرفية يجلس عليها راعي الحفل وكبار الضيوف، وكذا فإن المنصة الموجودة كانت مصنوعة من الخشب وذات ثلاثة درجات، وكانت توضع خصيصاً لاستعراض يوم الجلاء، ويفيد المجاهد "عمر ارناؤوط" عن مكان المنصة بالقول: «كانت تلك المنصة الشرفية على الرصيف الشمالي لشارع "شكري القوتلي" عند "طلعة الخنازير"–مكان فندق الديديمان حالياً-، وكانت المنصة مؤلفة من ثلاث درجات؛ خصصت الأولى لكبار الضيوف؛ ويذكر أن السرايا المشاركة في الاستعراض كانت تتجمع عند مفرق الربوة – بداية حديقة تشرين من طرف الربوة-، وتتجه شرقاً، وعند وصول وحدات السرايا إلى المنصة والعلم المرفوع هناك؛ تقدم التحية إلى راعي الحفل، وكان أول راعي للاستعراض هو الرئيس "شكري القوتلي"».
كذلك تحدثت السيدة "فريال خزنة كاتبي" عضو "جمعية حماية الأسرة" عن بعض المظاهر المرافقة للإستعراض العسكري من الأهالي بقولها: «كانت حشود المواطنين تذهب مباشرة يوم الاحتفال لمشاهدة العرض، فكان البعض يقفون على الرصيف يمين ويسار المنصة الخشبية.
في حين كانت بعض العائلات تتوجه يوم "الاستعراض العسكري" إلى "فندق القطان" الملاصق لـ"سينما دمشق" –المجاورة لفندق سميرا ميس-؛ حيث يتم حجز الشرف المطلة على شارع "القوتلي" لمشاهدة العرض العسكري؛ بنصف ليرة سورية للفرد.
يبدأ العرض في العاشرة صباحاً بمرور مجموعة من طلاب المدارس يحملون أكاليل الزهور تعبيراً عن الفرح يتبعه أفراد الكشافة يحملون الأعلام بملابسهم الجميلة يتقدمهم عازفوا الطبول، ثم تبدأ السرايا الخاصة بالكتائب وفرق الجيش بالمرور تباعاً بمشهد جميل مؤثر يبعث على الشعور بالإعتزاز والفخر بالوطن، كذلك كان الاستعراض يتميز بوجود دبابات تحمل كل منها أسم شهيد من شهداء الوطن.
وبدايةً كان لابد للمحتفلين والضباط وكبار الشخصيات السياسية من وضع أكاليل الزهور عند ضريج الجندي المجهول؛ الموجود حينها عام /1947/ عند الحديقة "الجلاء" -مقابل مدرسة "جودت الهاشمي"-.
كذلك كانت الحوامات العسكرية تشارك أهالي دمشق فرحتها بعيد الجلاء عبر إلقاء قصاصات ورقية ملونة مكتوب عليها عبارات تعبر عن حب الوطن وفرحة عيد الجلاء».
السيد "إبراهيم آقبيق" من سكان "حي القنوات" تحدث عن مكانة عيد الجلاء عند الدمشقيين وبخاصة عن رجال "الكتلة الوطنية" بقوله: «قدمت سورية في سبيل الاستقلال والحرية عدد كبير من الشهداء، لذا عد يوم الجلاء عيداً للاستقلال ومما أذكر أن بيت الزعيم الوطني "فخري البارودي" كان يفتح ويقام فيه حفل يضم كل أطياف المشهد السياسي والاجتماعي في دمشق وريفها، كما كان الرجال يرتدون في يوم الجلاء طقم خاص لونه أبيض مع قميص خاص له ياقة وأكمام "منشات" تلبس لمرة واحدة فقط، مع حذاء أبيض».
(*): هو الطريق الواصل بين ساحة المرجة وساحة الأمويين، وكان يمتد عام /1950/ إلى طريق الربوة بدون الساحة التي لم تكن موجودة.