«تتميز قصصه بترسيخ "المخيم" كمكان في الذاكرة الفلسطينية، ورفد من خلاله حياة الشعب الفلسطيني في مناطق الشتات بمختلف الدلالات، ولم تغب فلسطين عن ذاكرته، وهو يهتم بالوصف واللغة الرشيقة المتراصفة والتجديد في القصة بالإضافة إلى أنه يستطيع استخدام التقنية القصصية والتداخل في الأزمنة مع إعطاء المشاهد الحوارية المتميزة».
هذا ما تحدث به الأستاذ "باسم عبدو" (عضو اتحاد الكتاب العرب ومدير تحرير جريدة النور، راوٍ وقاص) لموقع eSyria بتاريخ 30/8/2008، واصفاً الدكتور حسن حميد عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب.
إن الآخرين من البلاد الغربية كان لديهم مثلما كان لدينا "ابن جني والجرجاني" ولكنهم تطوروا فصار لديهم "ديدوروف" و"رولمبارت" و"جرار جنيت" و"جان كوهين" الخ من الأسماء الموجودة والفاعلة في الحياة النقدية الغربية
موقع eSyria أجرى الحوار التالي مع القاص والروائي "حسن حميد":
** استهلالاً القصة القصيرة في سورية بخير، لأن عدداً كبيراً من كتاب القصة يحاولون مضايفة كل جديد إلى تجاربهم القصصية ودائماً وفي كل عام يوجد مفاجأة في القصة القصيرة في سورية، وهناك أجيال متعاقبة على كتابة القصة القصيرة، ودائماً المرء يشعر أن هناك مضايفات جديدة وذات نكهة خاصة ولن أقف عند الأسماء بل سأقف عند التجارب، والكتابة القصصية هذه الأيام تحاول أن تجول في عوالم القيم النبيلة وقد دحمتها أو دهمتها القيم المادية الخسيسة ولذلك تشكل القصة القصيرة وجهاً من وجوه النضال الاجتماعي أي داخل المجتمع في سورية وهي شديدة الهجاء للربوية القيحية التي تكاد تلتهم الناس والعقارات وكل ما يحلم به الإنسان وتجعل من النفيس مدنساً للأسف الشديد ولذلك فأنا أقول القصة القصيرة في سورية من الناحية الفنية تشكل مدونة سردية مهمة تنادد المدونات السردية في أحسن البلاد العربية بل تكاد تتقدمها لأنها شاملة على مناخ فني ممتاز، وشاملة على ما يختلج في وجدان الناس وهي تعمل على تجسيد وظيفية اجتماعية وسياسية وفنية في الوقت نفسه.
** ترتبط نشأة القصة القصيرة العربية عامة والسورية خاصة، بعلاقتها بوجود الصحافة ولها علاقة بنشوء الأحزاب السياسية ونمو التيارات الفكرية والفلسفية بالبلاد العربية ولكن الأهم هي الصحافة التي عملت على تشجيع أهل السرد على كتابة القصص القصيرة من جهة وكتابة الحواريات والمسلسلات من جهة ثانية، وقد مرت القصة العربية في المراحل الأولى ربما كانت تحاكي القصة الغربية أو تحاكيها أو تقلدها ولكن في فترة قصيرة ما لبثت أن تقدمت وبدأ الكتاب والأدباء والقصاصون العرب يكتبون قصصاً عربية خالصة تحمل هموم المجتمع والذات العربية والهموم العربية، وترفع راية الفقراء والمهمشين ومنذ الأربعينيات تقريباً ومع نشوء دولة الاستقلال بدأت البلاد العربية تكتب القصة القصيرة في العالم العربي عامة والسوري خاصة، وتأخذ حضورها وتمايزها في مجال الكتابة الأدبية، مثلاً في مصر في تلك الآوانة "محمود تيمور، محمد تيمور، أمين يوسف غراب" ومثلها كان في لبنان وفلسطين وتشابهها في هذه المحاكاة أسماء أدبية كبيرة في سورية ولعل أهم ممن عملوا على القصة القصيرة "محمد النجار، وعلي خلقي، وعبد السلام العجيلي، وسعيد حورانية، وشوقي بغدادي، ونصر الدين البحرة، وزكريا تامر، وغادة السمان، وألفة الأدلبي، وكوليت خوري" وصولاً إلى الأجيال الجديدة إلى "حسن م يوسف، وليد معماري"، إلى الأجيال التي تكتب منذ عقدين من الزمن مثل "خطيب بدلة، نجم الدين السمان، فيصل خرتش"، وفي ظني أن مشهدية القصة القصيرة في سورية وعبر تجلياتها في كل المراحل كانت مشهديات رائعة بجماليتها رائعة حتى بحمولاتها الاجتماعية والوظيفية.
** أنا أتيت إلى كتابة القصة القصيرة متأخراً، وكنت قد تجاوزت المرحلة الجامعية وطالباً في الدراسات العليا عندما بدأت أنشر قصائدي أولاً ثم نصوصي القصصية في الصحف والمجلات الفلسطينية والسورية، كان من حظي أن وجدت قبولاً وتأييداً من النقاد والأدباء وأهل الرأي والمثقفين في سورية وهذا ما شجعني على الاستمرار في الكتابة ولم انشر من قصصي إلا في حوالي الثمانينيات أي بعد حوالي خمس إلى ست سنوات من الكتابة، والمعالجة القصصية والاجتهاد والحوار مع أهل التجارب، ونشرت في أواخر 1983 أولى مجموعاتي "اثنا عشر برجاً لبرج البراجنة" وبعدها تلتها مجموعات قصصية عديدة، وحول تجربتي كاتب في الشتات فأنا حاولت أن أكتب عن الإنسان الفلسطيني المقهور والحالم وحاولت أن أجسد حكايات الجدات وأحلام الرجال والنساء في الاستشهاد والعودة وأحلام الناس وذلك بطي حالة الانتظار والعودة والقلق والخوف من المصائر الآتية التي يعيشها الفلسطيني والتي يتخوف منها الفلسطيني وعبرت عن مآلات وغايات المخيم في المنفى لأقدم التوجه فلسفي لمعاني البقاء والحذف والطي والتحييد ومحاولات فلسفية التي تنظر إلى المخيم بوصفه مكاناً مكروهاً تارةً ومكاناً مقدساً يجمع الفلسطينيين في داخله من أجل أن يكونوا وحدة عضوية واحدة تبقى على انتظارها وقلقها من أجل العودة المأمولة إلى فلسطين.
** كانت تجربة لي في النقد ولكنها متواضعة وحاولت فيها أن أقرأ مشروع أهم خمس تجارب أدبية في العالم فاخترت من كل لغة من لغات العالمية كاتباً له تجربة كبيرة وحضور ومهمة وله تأثير في المشهد الثقافي العالمي، فأخذت من اللغة الألمانية "كافكا" ومن اللغة الروسية "دستويفسكي" ومن اللغة الأسبانية "سرفانتس" ومن الفرنسية "مارسيل بروست" ومن اللغة الإنكليزية "جيمس جويس" وحاولت أن أقرأ هذه التجارب قراءة جديدة تخص أبناء الثقافة العربية لا قراءة تنحو النحو الذي قالت به مدونة النقد الغربية قرأت هذه التجارب عبر مراحلها المختلفة وعبر كتبها المختلفة أيضاً ووقفت عند جملة من الآراء حول جملة من هذه الأسماء والكتابات وأعدت هذه الكتابات إلى مرجعيتها وينابيعها ومصادرها وأظن أن هذا الكتاب كان كتاباً مهماً لأن الآراء فيه جديدة لم يسبق لأحد من كتاب النقد في البلاد العربية، أن استنبط أو استخرج مثل هذه الآراء التي استخرجها من تجارب "كافكا" و"دستويفسكي" و"سرفانتس" و"مارسيل بروست" و"جيمس جويس" وأنا على هذه الآراء لأن هذه الآراء غير قابلة للتغيير لسبب بسيط هي قراءة معمقة لتجارب هؤلاء الكتاب والأدباء وهي آتية من حياض تجاربهم أي إنني لم أتكلم على هواي بل إنني تحدثت من داخل التجربة الأدبية وليس من خارجها وعملت على المنهج التكاملي بحيث جعلت حيوات هؤلاء وجعلت نشاطهم الثقافي في كتلة ومنتجهم الثقافي في كتلة ومزجت ما بين الكتلتين لاستخلاص هذه الآراء لأن الكثير من جوانب الحياة والحراك الثقافي الذي عاشه هؤلاء الكتاب يفسر الكثير من الأفكار الرابخة والموجودة داخل نصوصهم الأدبية والتي شكلت العلامات الأبرز لتجاربهم الأدبية.
** أي كاتب دائماً يتطلع إلى مرآة النقد كي يرى صورة ما كتبه وصورة الأدوار التي حاول أن يلعبها داخل نصه الأدبي، النقد في البلاد العربية أقول عنه ويقال عنه إنه في حال ضعف وفي حال سبات وغيبوبة ولكن نحن بحاجة إلى النقد ونبحث عن الناقد وأنا أعتقد بأن ضعف التأثير النقدي هو الذي يؤدي في هذه الآونة وربما في كل الأزمنة السابقة يؤدي إلى ترك الحبل على الغارب الأمر الذي يفسح المجال لظهور كتابات هشة ورخوة ومطفأة لأن النقد سلطة وهذه السلطة هي أشبه بالقانون والقانون يمنع المخالفات ولكن وللأسف الشديد إرادة النقد وذراع النقد في حالة ضعف وارتخاء لذلك نرى الكتابات الضريرة تطالعنا في الصحف ومواقع الانترنت والإذاعات ومنابر النشر المختلفة وخصوصاً في الأمسيات الأدبية إن حضور قوة النقد وحضور جمالية النقد هو حضور لدوره بلجم مثل هذه الكتابات الرخوة والهشة الخفيفة وعدم اقتراف خطيئة الاستسهال في الكتابة ودخول حرم الكتابة أو دخول الأمكنة النبيلة للكتابة وهذا الأمر لا يمنع أن أقول إن نقاداً كباراً مثل "فيصل دراج، محمد شاهين، جابر عصفور، صلاح فضل، حنا عبود، سمر روحي فيصل، إبراهيم خليل، خليل موسى...." يقومون بأدوار نقدية مهمة تعمل على حجب هذا الشيء أولاً بحجب الكتابات الباردة وانتباه نحو الكتابات المهمة سواء كانت كتابات مفردة أو جمعية تتشكل وتصبح على شكل تجارب.
** الكتابة في مجال النقد كثيرة ومحاولة الكتاب والنقاد العرب والمفكرين العرب أيضاً هي محاولات جادة لما يسمى بنظرية نقد عربية ولكن هذه المحاولات جميعها لم تسفر عن بيان وخصائص وصفات مآلات هذه النظرية العربية للنقد، هناك تلمسات حاول أن يعمل عليها الدكتور "عبد السلام المسدي" محاولات يعمل عليها الدكتور "جعفر دك الباب" وآخرون من أجل تمييز نظرية عربية خاصة بالنقد عن غيرها من التجارب أو المشاريع النقدية الأخرى والتجارب النقدية والنظريات الأخرى التي عرفها الغرب أو التي عرفتها بلاد مثل أفريقيا مثلاً أو الهند أو شرق آسيا أعتقد بأن المحاولات جارية لتفعيل مثل هذا الأمر لاستخلاص السمات والصفات الخاصة بنظرية نقدية عربية ولكن الأمر فيما أظن عصي على اكتمال ذلك لأن المناهج والمصطلحات النقدية ومعطيات النقد بشكل عام وللأسف الشديد تأتي من قنوات غربية ولذلك لابد على مدونة النقد العربي من أن تتبع مصدرية وينابيع هذه النظريات النقدية الغربية من أجل مماشاة العصر ومواكبة التطورات الجديدة ولكن هذا لا يمنعنا من القول بأن لدى العرب مدونة نقدية مهمة قد يكون "ابن جني والجرجاني" على رأسها أو في طليعة من عملوا عليها وأن لدينا التفاتات نقدية باهرة موجودة بين تضاعيف الكتب الثقافية الأدبية والعربية، وأنا أقول: «إن الآخرين من البلاد الغربية كان لديهم مثلما كان لدينا "ابن جني والجرجاني" ولكنهم تطوروا فصار لديهم "ديدوروف" و"رولمبارت" و"جرار جنيت" و"جان كوهين" الخ من الأسماء الموجودة والفاعلة في الحياة النقدية الغربية».
** مؤسسة اتحاد الكتاب العرب مشروع ثقافي مهم منذ أواخر الستينيات وحتى يومنا الراهن وهو يعمل على تفعيل وتثمير الجانب الثقافي والفكري والإبداعي عند العرب، وأنا في ظني منزل المثقفين والمبدعين وأهل الرأي في سورية ومن بين اتحاد الكتاب العرب قامات أدبية كبيرة وأصحاب تجارب كبيرة وله أدوار في احتضان الأجيال الجديدة وله أدوار في طباعة هذه الكتب وأنا من خلال خبرتي ومعرفتي في الروابط والاتحادات والأسر الأدبية العربية لا يوجد في البلاد العربية كلها أي اتحاد أو رابطة أو أسرة أدبية مماثلة فيما يعطيه اتحاد الكتاب العرب أو فيما يقوم به من أدوار ذلك لأن اتحاد الكتاب العرب مؤسسة ثقافية متينة في تنظيمها وبنيتها الإدارية وأيضاً تحاول دائماً أن تضايف الكثير من أجل خدمة الأدباء والكتاب الذين انتموا إلى هذه الأسرة انتساباً للأدب وللثقافة والمعرفة وهو يحاول رفد التجارب القديمة بالتجارب الأدبية الطالعة لكي تعيش في هذا المناخ وللأجيال الأدبية كي يأخذ بعضها من بعض وأعتقد أن ما ينشره اتحاد الكتاب العرب وما يقوم به من جهد والمساهرة الطويلة لمعرفة أحوال الأدباء الاجتماعية وتقصي رغباتهم وميولهم وطموحاتهم أعتقد أن هذا عمل نقابي شديد الأهمية قد لا يتوافر في كثير من البلاد العربية.
يذكر أن "حسن حميد" حصل على شهادة دكتوراه مؤخراً من الجامعة اللبنانية بعنوان "الذهنية العربية، الثوابت، المتحولات" وهو خريج جامعة دمشق علم الاجتماع وخريج الجامعة اللبنانية باللغة العربية وحالياً عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، وكان رئيس تحرير الأسبوع الأدبي والموقف الأدبي لعدة سنوات، صدر له خمس عشرة مجموعة قصصية وست روايات وأربعة كتب في الدراسات وحصل على عدة جوائز بالرواية وهو مشارك نشيط في المشهد الثقافي السوري والعربي.