«جميعنا نعلم محبة الطفل للموسيقا، وإن الإنسان ذاكرته للموسيقا أو للنغمة أقوى من الكلام العادي الأمر الذي يساعد الأطفال على اكتساب كم كبير من الكلمات بطرية سهلة، كما نعلم أن الطفل الذي لديه تأتأة عندما يغني فهو يغني بطلاقة لكن عند التحدث يتأتئ، إضافة إلى حقيقة أن الإنسان مزيج من الروح والجسد، ونعلم أن معظم الأمراض لها خلفية روحية سببها مرض نفسي»، هذا ما بدأ به الدكتور "وسيم القطب" خلال لقائنا به قبل دقائق من بدأ محاضرته "العلاج بالموسيقا".
موقع "eSyria" بتاريخ 28/8/2009 كان في كنيسة "سيدة دمشق" لحضور ندوة عن "العلاج بالموسيقا " للدكتور "وسيم القطب" التي تقام ضمن سلسلة نشاطات الرعية الجامعية في إطار المحور الثقافي، وإلى حين موعد الندوة حدثنا الدكتور "وسيم" الطبيب البشري، عازف البيانو وخريج المعهد العالي للموسيقا: «درّست في المعهد العالي للموسيقا، وعملت في مستشفى "الشامي" من ثم حصلت على منحة للدراسة في "لندن"، أنا أحب الطب والموسيقا لذلك حاولت أن أجد طريقة أجمع بينهما معاً وبدأت أبحث عن ذلك بمختلف الوسائل فعلمت عن "العلاج بالموسيقا"».
هذا الموضوع لا يكفي لطرحه جلسة واحدة فنخشى من الانطباع الخاطئ ذلك نحن بحاجة لورشة عمل فيها جلسات متعددة وتنفيذ عملي حتى نتمكن من إيصال الصورة الصحيحة للعلاج بالموسيقا
يتابع "القطب": «درست هذا الاختصاص في "إنكلترا" بمعهد "نوردوف روبنز" وهو مركز أبحاث من أهم /3/ مراكز في العالم، فحصلت على الماجستير في العلاج بالموسيقا وقد اتخذت قراري بالتخصص في هذا المجال رغم معرفتي أنها مجازفة خصوصاً أني أعلم لدى العودة إلى بلدي سأجد مجتمعنا بحاجة لوقت جيد لتقبل هذا النوع من العلاج ويثق به، لكني تفاجأت عند وصولي أنه تم استقبالي من قبل المنظمة السورية لرعاية المعوقين "آمال"، فقمت بمعالجة أطفال التوحد في الجمعية وهم حوالي /32/ طفلاً خلال عام كامل وأثناء هذا العام تواصلت مع الكثير من الأشخاص الذين حاولوا أن يتعرفوا على هذا النوع من العلاج، كما تلقيت عرضاً لافتتاح أول عيادة "علاج بالموسيقا" في الوطن العربي ضمن عيادة "الشام" بدمشق وبالفعل بدأت بذلك».
من ثم كان اللقاء بين "القطب" ومن جاؤوا ليسمعوه عن علم يجهلونه في قاعة "السواعد" بدعوة من الأب "الياس زحلاوي" وكنيسة "سيدة دمشق"، حيث كانت البداية بعرض مقطع فيديو يتحدث عن العلاج بالموسيقا من تسجيل المنظمة العالمية للمعالجين بالموسيقا، من ثم وضح الدكتور "وسيم" تعريف العلاج بالموسيقا: «هو استخدام الموسيقا والأدوات الموسيقية لتحقيق أهداف أخرى غير تعلم الموسيقا كتعديل سلوك الأطفال أو تلقين مهارات جديدة، فهناك الكثير من الأطفال المصابين بفرط النشاط وقلة التركيز، وقد أثبتت دراسات جامعة "ألبيرت" الكندية أن الموسيقا تساعد على رفع شدة تركيز الأطفال، تخفيف العنف لديهم وزيادة الذكاء، فالموسيقا تهتم بمعالجة الجزء النفسي المنشأ من الأمراض».
يتابع "القطب": «أول ما يتبادر إلى ذهن من يسمع العلاج بالموسيقا أنه علاج بالاستماع إلى الموسيقا لكن في الحقيقة الجزء الذي يحمل الاستماع ضئيل جداً، بل العلاج هو استعمال للموسيقا والأدوات الموسيقية، كما أنه من الضروري التفريق بين العلاج بالموسيقا وتدريسها، فالعلاج بالموسيقا هو طب بديل لكنه ليس بديل عن الطب لكنه عامل مساعد وقوي للمعالجة للطبية، بذلك تكون الموسيقا ليست الحل النهائي لكنها عامل مهم وفعّال وضروري وأحياناً يحقق نتائج أسرع من الطرق العادية المتبعة».
من ثم استعرض الدكتور "وسيم" لمحة تاريخية عن العلاج بالموسيقا: «أنا لا أبتكر علماً جديداً، فهذا العلاج قديم جداً وسأذكر الآن بعض الأسماء لمن كانوا أول من استخدموا هذا العلاج: الطبيب والفيلسوف العراقي "أبو إسحاق الكندي" الذي تحدث عن العلاج بالموسيقا وأهميتها في رسائل كثيرة مثل كتاب "المدخل إلى الموسيقا" وقد شرح في هذا الكتاب عن الآلات الوترية وعن ربط كل نغمة على كل وتر بمرض معين قد تساعد على شفائه، و"ابن سينا" الذي تحدث كثيراً عن المصابين بالآفات العقلية والأمراض النفسية، "الرازي"، "الفارابي" و"النقّاش"، ولا ننسى البيمارستانات كبيمارستان "النوري" في دمشق حيث كانوا يجمعون فيه المرضى حول البحرة فكانت بمثابة جلسات استماع لأصوات الطبيعة».
عن تاريخ العلاج بالموسيقا يتابع "القطب": «في دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية تطوع الكثير من الموسيقيين ليزوروا الجنود المصابين في المستشفيات حيث كان الجنود يصابون بأزمات نفسية نتيجة ما عايشوه خلال الحرب، فالمتطوعون كانوا يسمعونهم الموسيقا كمؤازرة لهم وخلال ذلك لاحظوا أن هذا الأمر يساعد على الشفاء بشكل أسرع، فبدؤوا بدراسة هذه الظاهرة ومعرفة سببها وبدأت الدراسات عن هذا الموضوع حوالي العام 1944، من ثم توسع مفهوم العلاج بالموسيقا إلى أن تشكلت منظمة عالمية للمعالجين بالموسيقا من حوالي 20 عاماً وهي منظمة أميركية وفيها 5000 طبيب معالج بالموسيقا».
ثم تطرق "القطب" إلى بعض الأمراض التي يفيد العلاج بالموسيقا فيها: «هذا النوع من العلاج موجه لكل الأعمار، فبالنسبة للكبار بالسن هو طريقة للعلاج من "الازهايمر"، "الباركنسون"، بعد الجلطات الدماغية فيكون كإعادة تأهيل (علاج فيزيائي) باستخدام الآلات الإيقاعية أو الغناء لإعادة قدرتهم على الكلام، ولمرضى السرطان باختلاف الفئات العمرية المصابة للتخفيف من أعراض الاكتئاب والآلام بعد جرعات العلاج الكيماوي، إضافة لسرعة اندمال الجروح بعد العمليات الجراحية، لرفع المناعة عند الأطفال والكبار، أما عند الأطفال فهو علاج يساعد في حالات "التوحد"، "متلازمة داون"، فرط النشاط وقلة التركيز، تأخر النطق والتأتأة».
دارت محاور الندوة حول تاريخ العلاج بالموسيقا، الفئات العمرية التي تستفاد منه، الأمراض التي يساعد على علاجها، أنواع الموسيقا المستخدمة، وعرض لبعض مقاطع الفيديو من جلسات العلاج وصور لحالات عالجها الدكتور "وسيم" في العيادة بعد أخذ موافقة أصحابها بالعرض، إضافة إلى مقاطع فيديو لحالات يتم علاجها خارج سورية، وفي النهاية فتح باب الحوار والسؤال حيث وضح هنا الدكتور "وسيم القطب": «هذا الموضوع لا يكفي لطرحه جلسة واحدة فنخشى من الانطباع الخاطئ ذلك نحن بحاجة لورشة عمل فيها جلسات متعددة وتنفيذ عملي حتى نتمكن من إيصال الصورة الصحيحة للعلاج بالموسيقا».