الشكل والمضمون وإن اختلفت الآراء حولهما على أنهما مصطلحان فلسفيان أم أدبيان، إلا أن كثيراً ما تجد نقاداً ينتمون بفكرهم نحو الشكلانية، وآخرون يهتمون بالمضمون، لكن عوامل الاختلاف والإتلاف تجعلنا نسأل النقاد والأدباء عن هذين المصطلحين ومدى ميلهم نحو أحدهما.
«الشكل والمضمون مقولتان توطنتا الحقل الأدبي فالمعروف مثلاً أن القوى المنتجة في الاقتصاد تحدد علاقات الإنتاج والبناء القومي يعكس البناء التحتي وكل أشكال الوعي الاجتماعي هي بشكل أو بآخر انعكاس للعالم الموضوعي الموجود بشكل مستقل عن ذواتنا وعن الانطباع الذي تشكله عنه»، الحديث كان للناقد الدكتور "عاطف البطرس" لموقع eSyria وتابع: «وهو موجود ليس كما ندركه أو كما تقدمه لنا مدركاتنا، وما نعرفه عنه ليس أكثر من التصور الخاضع لقدرة الحواس وإمكانيات الدماغ، مشكلة الشكل والمضمون في الفن لا يمكن أن تكون علاقتها متداخلة، كما تتجلى مثلاً كفعل انعكاسي مباشر بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج أو العربي والعالم، وإنما لها خصوصيتها، ومنحنياتها الدقيقة وزواياها المدورة إذ لا يمكن حل مسألة الشكل والمضمون في الفن دون توضيح الخصائص المميزة للإبداع الفني آخذين بعين الاعتبار طبيعة الذات العاكسة وقدراتها وثقافتها لأن هذه الذات لا تعكس الواقع فنياً كما تعكس المرآة الضوء، فالفنان عندما يعكس الطبيعة يأخذ موقفاً منها، هذا الموقف يتلون بتضاريس الذات العاكسة وفق العلاقة المعقدة العاكس، المعكوس، المنعكس».
الشكل والمضمون مقولتان توطنتا الحقل الأدبي فالمعروف مثلاً أن القوى المنتجة في الاقتصاد تحدد علاقات الإنتاج والبناء القومي يعكس البناء التحتي وكل أشكال الوعي الاجتماعي هي بشكل أو بآخر انعكاس للعالم الموضوعي الموجود بشكل مستقل عن ذواتنا وعن الانطباع الذي تشكله عنه
وتابع د."البطرس" بالقول: «لكل نوع فني آلياته ولابد لمن يدرس سيسيولوجيا الفن أن يدخل هذه الآليات والمنحنيات في تقديره، وإلا كان عابثاً أو مستهتراً لأن الأشكال الفنية ليس نابعة من الوعي الفردي لمحدداته السمع أو البصر وإنما هي أيضاً تعبير عن نظره المبدع إلى العالم المتشكلة تاريخياً ومعرفياً، الفن هو تشكيل أو أعطاء الأشياء شكلاً والشكل وحده هو الذي يجعل من الإنتاج عملاً فنياً، فالشكل هو سيطرة الإنسان على المادة بإعادة تشكيلها وفق إرادته ورغباته واحتياجاته، وهناك وحدة لا تنفصم عراها بين الشكل والمضمون، والسؤال، الأسبقية لمن؟ والغلبة لمن؟ وأيهما أهم؟ لم يعد يحتل الموقع الذي شغله في تاريخ الأدب، فثمة اتفاق على وحدة الشكل والمضمون مع الاعتراف بخاصية المضمون في تحديد شكله، هذه الإمكانية لا نهائية فهناك أشكال متعددة للمضمون الواحد، ولكن شكلاً منها أكثر مناسبة لهذا المضمون أو ذاك، الأشكال نفسها قد تصبح مضامين وفق مقولة الانزياح، لأن ثمة صراع دائم بين كل شكل ومضمونه، المضمون ينفي شكله، عندما يضيق الشكل عن استيعابه عندها نبدأ رحلة البحث عن شكل جديد، وهذا لا ينفي وجود لحظات استقرار نسبية تجعل هذا الشكل معبراً عن مضمون محدد ما يلبث أن يتبدل ليصبح بدوره مضموناً لشكل آخر، وقد تتعايش الأشكال المعبرة عن مضامين واحدة لكن هذا التعايش مؤقت ولابد للجديد أن يولد من رحم القديم لأن النقيض يستدعي نقيضه وينفيه في نفس الوقت، وهذا ما يمكن التعبير عنه فلسفياً بوحدة وصراع المتناقضات، والشكل والمضمون أحد تجلياته».
وكان للأستاذ الدكتور "غسان غنيم" رأي تطبيقي بقوله: «عندما نقرأ نصاً ونحبه نسأل لماذا؟ لأنه جميل، ومعناه متميز، ربما، لأن الصراعات تشدنا نحن الذين نعمل في حقل الأدب كمضمون، وإذا وجدنا في داخلنا استجابة خاصة، ومن القضايا التي يفكر في شكل من أشكال بالمعاني السامية وجمالية النص من طريقة وأسلوب حيث سكب فيه الأدب عباراته وبالتالي لا يشكل الموضوع بقدر الشكل من الناحية الجمالية، وهناك مواضيع وجودية منذ ملحمة "جلجامش" وهي أقدم ملحمة في التاريخ حتى يومنا حاملة عبارات ودلالات تتغير بتغير الألفاظ والمعاني، ومن خلال الانزياح اللغوي يستطيع الشاعر استخدام ألفاظ محددة ألفناها في ماضي السنين ونجعلها تنطق بدلالة لحظات مرحلية ومادامت هي في السياق وهذا مؤشر للشكل والمضمون، الشكل الحديث لا يبحث عن المضمون بل يبحث عن الإيحاء والموسيقا».
لعل المقولة السائدة "الإتلاف في الاختلاف"، إذ كان لأستاذ الأدب المعاصر الدكتور "خليل الموسى" رأي يميل نحو الشكلانية على المضمون بقوله: «الشكل والمضمون مقولة معاصرة لم تعش طويلاً، منذ قديم الأزمنة وعند العرب "الجاحظ" كان شكلانياً وقال: "المعاني مطروحة في الطريق"، في "ابن طباطبا العلوي" كان إلى جانب المضمون لأنه رجل دين، وبالتالي فالمقولة تحتمل التأويل والبحث عن المعاني قبل الألفاظ، ولا يمكن أن يولد المعنى واللفظ في لحظة واحدة إلا في الرومانسية، فقد قال "لامارتين" بكتابه "رفائيل": "في رأسي كثير من الأفكار ولكن اللغة لا تساعدني، إن الألفاظ تفر مني"، والرمزية وصلت أعلى درجات المثالية، إن الألفاظ استهلكت وينبغي أن نبحث عن معاني ودلالات جديدة، حيث بدأت الألسنيات، ورأي ليس بالقصائد نرتب المعاني بل بالكلمات، والطريقة الرمزية لم تكن في الانزياح بل بالإيحاء وبمعنى المعاني بالذات، وتسمية الأشياء تذهب ثلاثة أرباع الإيحاء، وأنا مع الشكلانية فالشكل هو الذي يبقى والجمال في الشكل خاصة هذه الأيام، لأن العالم يسير نحو الشكلانية والعولمة والشكلانية الواحدة هي شكلانية الغرب ونظريته».
واعتبر الشاعر "سليمان السلمان" أن الشكل والمحتوى لا ينفصلان وخلاصة الكلام ما يبعث الرضا بقوله: «الشكل والمحتوى لا ينفصلان وعندما نتكلم بهما مفردتين فللتوضيح فقط، لأن بينهما الالتحام لا تتطابق، وفي الوجود لانفصام بينهما لذلك من يتحدث في الشكل ويراه وحده الفن يفرغه من مضمونه، لأن كل من لا مضمون له لا وجود له، فالأشكال ومحتواها تحقق وجودها وإذا كان أحدهم يعتبر أن الجمال المطروح في السوق العالمية ما تراه الرأسمالية في بيوتات الأزياء ونحن نتبعها، فانا أرى أن للأشكال أشكالها».
كل راوٍ له طريقته في الروي يدخلها إلى المتلقي تختلف بهذا الشكل أو ذاك عن راوٍ آخر، يرويها بطريقة مختلفة تعتمد على المفردة الممتعة، بهذه الكلمات أوضح القاص والروائي "باسم عبدو" رأيه متابعاً: «إذا كان المضمون واحداً، فالشكل يختلف والشكل والمضمون يشكلان علاقة جدلية، وأن تعددت الأفكار أو المضامين وهي لا تحصى والأشكال تختلف، وعلى سبيل المثال اثنان يكتبان قصة في مضمون واحد ولكن الشكل الفني من حيث التوصيف وبناء الشخصية والمفردة هو الأساس في عكس المضمون فنياً، وهناك مضامين جيدة وأشكال رديئة في تنظيمها وترتيبها وأيضاً هناك أشكال جيدة ومضامين رديئة، لذلك لا بد من التوافق والتناسج بين الشكل والمضمون في القصة والرواية والشعر والفن، ويبقى طرفا المعادلة هما اللذان يتحكمان في كل التطورات بما فيها التجريب بالحداثة، في ظل الثورة الثالثة "الاتصالات"».