رغم كل الصعوبات التي واجهها ملف العروض المسرحية المحلية في احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية /2008 وضغط الوقت؛ قدمت الاحتفالية على برنامجها سبعة عشر عرضاً مسرحياً وراقصاً، أضاءت من خلالها على تجارب ثلاثة أجيال من المسرحيين السوريين،
بدءاً من جيل المخضرمين: "مانويل جيجي، نائلة الأطرش، ووليد قوتلي"، مرروراً بالجيل الثاني من أساتذة وخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية: "غسان مسعود، بسام كوسا، سامر عمران، عبد المنعم عمايري، ياسر عبد اللطيف، ونوار بلبل"، وصولاُ إلى جيل الشباب الذين أتاحت لهم الاحتفالية - من خلال برنامج المنح الإنتاجية- تقديم عروضهم الخاصة ليس في "دمشق" فقط، وإنما في "حمص، حلب، واللاذقية.."
كنت أشعر بالإحباط من الأحكام المسبقة قبل عرض أي مسرحية، كما كنا نعاني عموماً من مشكلة تحميل الأمانة الفشل الفني، أو الفشل الإداري لأي عرض لا يروق للنقّاد، الذين كانوا يحملونا دائماُ ما لا طاقة لنا به..
الإشراف على إنتاج كل تلك العروض، وتنسيق الجهود التي بذلت من أجل إنجازها في الزمان والمكان المناسبين، وفي أفضل الظروف الممكنة كان المهمة الرئيسية لــ "لواء يازجي" مسؤولة ملف العروض المحلية (مسرح ورقص) في احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية /2008.
"لواء يازجي": حائزة على شهادة الدبلوم في الأدب الإنكليزي- جامعة "دمشق"، وخريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، التحقت بالعمل في فريق الاحتفالية، كمبرمجة ومنسقة لملف العروض المسرحية المحلية، بالإضافة إلى بعض الفعاليات المتفرقة؛ مثل: "أوبرا زنويبا ملكة تدمر"، ومهرجان السنديان في "الملاجة".. بالإضافة إلى متابعتها على مدار العام /2008 لما نشرته الصحف الرسمية عن الاحتفالية، والعمل على أرشفته، وتوثيقه.
موقع "eSyria" التقى بــ " لواء" ودار الحديث حول ملف العروض المسرحية السورية، في احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية /2008، وتجربتها الشخصية في إدارة هذا الملف:«يعتبر ملف المسرح السوري من الملفات الحسّاسة جداً، استناداً إلى حجم المشاكل التي يعانيها منذ زمنٍ بعيد وعلى مستوياتٍ عديدة منها: البنى التحتية، الإمكانيات الأكاديمية، المشاكل الإنتاجية..، والأمانة العامة للاحتفالية لم يكن بإمكانها أن تحل هذه المشكلات بين يومٍ وليلة، حيث كان علينا أن نتعامل مع البنى الموجودة نفسها، وضمن نفس الإمكانيات المتاحة، ومع نفس الأشخاص، وكل مافعلناه هو تأمين إمكانية إطلاع المشتغلين بالمسرح السوري على تجارب عالمية من خلال استقدام عدد من العروض العالمية التي كانت بمثابة ورشة عمل ممتدة على مدار العام، بالإضافة إلى اختيار عدد من مشاريع العروض السورية التي حاولت الأمانة العامة للاحتفالية تقديم أفضل الشروط الممكنة لإنتاجها على صعيد (ميزانية العمل، وأجور الممثلين..)، بينما تبقى المسؤولية الفنية على عاتق المخرج فقط، حيث لم نمارس بأي حالٍ من الأحوال دور الرقيب على أي عرض، بل كنا نقدمه كهدية للقائمين عليه- مع ديكوره وأزياءه- دون أن نطالبهم بأية حقوق مستقبلية..»
وعن الآلية التي تم على أساسها اختيار العروض المسرح والرقص التي أنتجتها الاحتفالية؛ قالت "لواء يازجي": «قررنا منذ البداية عدم أخذ دور المديرية العامة للمسارح والموسيقا التابعة لوزارة الثقافية باعتبارها الجهة الرئيسية التي تشرف على إنتاج المسرح السوري، وعلى هذا الأساس طلبنا من كل الراغبين بالتقدم إلى الاحتفالية بمشروعات مسرحية أن يقدموها للمديرية، بحيث يتم الجمع بينها وبين المشاريع المقدمة إليها مسبقاً في أرشيف واحد، ثم طلبنا من المديرية العامة للمسارح والموسيقا أن تنتقي موسمها الخاص للعام /2008 وتترك لنا بقية المشاريع، وهذا ماحدث بالفعل..
وكانت المحصلة /52/ مشروع عرض مسرحي تم التقدم بها إلى الاحتفالية، تمت دراستها بعناية من قبل لجنة مختصة وضمن شروط أساسية منها: أن يكون العرض مقدماً لأول مرّة في سورية، ليس بالضرورة أن يكون الكاتب سورياً، لكن المهم في النهاية أن يكون العرض لائقاً من الناحية الفنية... وبعد دراسة تلك المشاريع قررنا إنتاج /5/ عروض مسرحية سورية، وعرضي رقص، وكل تلك العروض تم إنتقاؤها بعناية استناداً للميزانية المقترحة، وضمن مفهوم الإنتاج الضخم. العروض المسرحية التي تم اختيارها كانت لــ "مها الصالح، غسان مسعود، فايز قزق، وليد قوتلي، وياسر عبد اللطيف"، أما عروض الرقص فهي: "صقر قريش/ لفرقة إنانا، وكونتراكت/ للراقصة السورية: مي سعيفان"..»
وأضافت "لواء":«كان من المقرر أن نفتتح الموسم المسرحي للاحتفالية بعرض "مها الصالح": "الساعات الأخيرة من ماضي السيدة حكمت" إلى أن مرضها الشديد حال دون ذلك، فتم إٍسناد مهمة إخراج العرض إلى الفنان العراقي "باسم قهّار" بناءً على طلبها، إلا أن التزامات "باسم قهّار" بمشاريع أخرى أجلت العرض إلى نهاية العام، أي بعد رحيل الفنّانة "مها الصالح" بأشهر. أما الفنّان "فايز قزق" فاعتذر منذ البداية عن إخراج العرض الذي تقدم به للاحتفالية بسبب كون الميزانية المطلوبة لإنتاج العرض وفقاً لرؤيته الفنية الخاصة أقل من المبلغ الذي قدمته الاحتفالية حيث كنّا نلتزم بسقف مالي محدد لكافة العروض المقدمة، وعندما تعذر عليه تأمين بقية المبلغ المطلوب اعتذر عن العرض ككل، وهكذا أصبحنا أمام ثلاثة عروض مسرحية فقط، وهنا ظهرت مشكلة النقص في العروض المسرحية السورية، والتي تم حلها عبر إعادة فتح باب التمويل للعروض السورية في منتصف العام، ولكن ليس عبر اللجان كما في المرة السابقة، وإنما من خلال التواصل المباشر مع فنانين سوريين لهم بصمتهم المميزة على مستوى المسرح السوري، ولديهم مشاريع مسرحية جيدة يمكن أن نتتجها الاحتفالية، وعلى هذا الأساس تم تقديم عروض مسرحية لكلٍ من: "مانويل جيجي، نائلة الأطرش، بسام كوسا، عبد المنعم عمايري، سامر عمران، وفرقة الخريف المسرحية: نوار بلبل ورامز الأسود.."، ولكن بسبب انشغال معظم الفنانين السوريين بموسم الدراما التلفزيونية الذي ينتهي التحضير له في الشهر الخامس والسادس من كل عام؛ تأخرت العروض المسرحية السورية إلى الربع الأخير تقريباً من العام /2008، الأمر الذي سبب إرهاقاً كبيراً لنا وللمشاهدين على حدٍ سواء..».
وعن ملف المنح الإنتاجية التي قدمتها الاحتفالية للمخرجين السوريين الشباب قالت "لواء يازجي":«إلى جانب إنتاج العروض المسرحية للمخرجين المسرحيين السوريين المخضرمين، قررت الاحتفالية منذ البداية أن تسلط الضوء على تجارب الفنّانين الشباب تحت عمر الــ/35/ سنة، من خلال العمل بمبدأ المنح الإنتاجية، أي تقديم مبالغ مالية ضمن سقف محدد، لمجموعة من الشباب يتم انتقاؤهم بعد أن تقوم لجنة خاصة بدراسة المشاريع التي يتقدمون بها إلى الاحتفالية، ولم نشترط أن يكون المتقدمون للمسابقة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، يكفي فقط أن يكونوا جامعيين، الأمر الذي وفّر لهؤلاء الشباب فرصة جيدة لتقديم نتاجهم الفني وفي أفضل الشروط الممكنة، ولم تنحصر حدود المنح الإنتاجية في مدينة "دمشق" بل امتدت إلى كلٍ من"حمص، حلب، واللاذقية"، حيث أنتجنا عرضيين مسرحيين، وعرض رقص في "دمشق"، بينما كانت حصة بقية المحافظات ثلاثة عروض مسرحية، أما العرض الرابع فكان من المقرر إقامته في "السويداء" لولا أن الفائز به كان من سكان "الجولان"، وعندما أتم دراسته في "دمشق" كان من المتعذر عليه البقاء في سورية، فقررنا منحه المبلغ المخصص لإنتاج عرضه المسرحي، ليقيم به حفلاً موسيقياً بمناسبة عيد الجلاء، وتم ذلك بالفعل حيث نظم حفلاً موسيقياً بهذه المناسبة أحيته الفنانة الفلسطينية "ريم البنا" في الجزء المحتل من الجولان- قبالة موقع "عين التينة"، وذلك ضمن فعاليات الاحتفالية يعيد "الجلاء" /2008»
وختمت " لواء" حديثها عن ملف العروض المسرحية المحلية في احتفالية "دمشق" بالقول:«كان لدينا رغبة بالتطرق للأنواع المسرحية المختلفة كــ (مسرح الغرض، الإيماء، عروض مسرح الشارع، وخيال الظل..)، لكن لم يردنا ملفات سورية قوية ومتكاملة بهذا الخصوص، وعلى هذا الأساس قررنا عدم المغامرة.. في حين كان هاجسنا الدائم وخاصة د. "حنان قصاب حسن" تفعيل الأماكن البديلة للمسرح؛ كالحدائق، والملاجئ، والأقبية.. وحينما توفر لدينا المشروع المناسب أقدمنا على هذه الخطوة مباشرة، كما حدث في العرض المسرحي" المهاجران" للمخرج "سامر عمران" والذي تم تقديمه على مدى ثلاثة أشهر في ملجأ "القزازين"، وكان من أهم العروض المسرحية التي قدمتها احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية /2008، وأكثرها جماهيرية..»
وعن الفائدة التي حققتها على الصعيد الشخصي من تجربة عملها في الاحتفالية، قالت "لواء يازجي":«صار عندي خبرة إدارية أكبر في عملية الإنتاج المسرحي، وأصبحت أكثر قدرة على المقاربة الواقعية للأشياء انطلاقاً من ملف موجود على الورق، والمساعدة في العملية الإبداعية انطلاقاً من تفهمها، وبالتالي كيف يكون المنتج شريكاً في كل عرض مسرحي..»
أما عن الإحباطات والصعوبات التي واجهتها فقالت:«كنت أشعر بالإحباط من الأحكام المسبقة قبل عرض أي مسرحية، كما كنا نعاني عموماً من مشكلة تحميل الأمانة الفشل الفني، أو الفشل الإداري لأي عرض لا يروق للنقّاد، الذين كانوا يحملونا دائماُ ما لا طاقة لنا به..»
ورغم الصعوبات التي عانتها "لواء" خلال فترة عملها في الاحتفالية، كان هناك الكثير من الذكريات التي ستبقى إلى الأبد: «أجمل الذكريات؛ لحظات الحقيقية التي لا يعتريها أي مجاملة، تلك اللحظات التي كنّا فيها متورطين بالمشاريع المقدمة حتى الرمق الأخير، هذا التورط العاطفي كان نابعاً من حرصنا على نجاح ما سيتم تقديمه، ففي كل مرّة كنا نحس بأننا داخل اللعبة؛ كأي فرد من أفراد طاقم كل عرض مسرحي.. يعترينا نفس الخوف والقلق، ذلك القلق المرهق والخلاّق في نفس الوقت..
وإلى جانب ذلك كله كان لدينا الكثير من الذكريات الجميلة التي تجمعنا كفريق عمل في احتفالية "دمشق"، والتي استطاعت د. "حنان" أن تجعل منه فريقاً متجانساً فكرياً ومحباً لبعضه البعض..»
وختمت بالقول:«سأشتاق كثيراً لهذا الفريق الذي كان بمثابة عائلةٍ كبيرة، والعائلة الأكبر هي كل أولئك الناس الذين تعاملنا معهم خارج مكاتبنا، وساعدونا على إنجاز عملنا دون أي مقابل، سوى أنهم أحبوا أن يؤدوا واجبهم تجاه احتفالية اعتبروها مناسبتهم الوطنية الخاصة... شكراً لكم جميعاً..».