واحد وخمسون عاماً من العطاء كأمين رئيسي للمتحف الوطني في سورية ولايزال لدى "بشير زهدي" الكثير ليقوله ويقدمه.. استحق التكريم في وطنه وفي دول العالم فناله.. يعتبر شخصية "دمشقية" معروفة، وأحد رموز الثقافة في "دمشق"، عالم آثار ومدرس التراث وعلم الجمال بجامعة "دمشق"، واحدى جامعات "حلب" الخاصة.
eSyria التقى السيد "زهدي" بتاريخ /22/4/2010 وأجرى معه الحوار التالي:
"بشير زهدي" قاموس متحرك بما يخص الآثار وعلم الجمال فقد عرفته منذ ما يزيد على نصف قرن مهتماً بالآثار والفن والجمال، وأقول متيقناً: مهما تعاقب على المتحف الوطني بـ "دمشق" من مديرين فإن "زهدي" هو الأكثر اجتهاداً بينهم، وختم قوله واصفاً زهدي بأنه إنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى
** الواقع أنني درست الحقوق بادئ الأمر وتخرجت في جامعة "دمشق" مطلع ستينيات القرن الماضي، ثم أوفدت إلى "باريس" لدراسة الآثار الشرقية القديمة وتاريخها، وتاريخ الفن، وعندما بدأت دراسة علم الجمال شعرت بأنني خلقت لهذا الفن، ومنذئذ كرست نفسي وحياتي كلها لدراسة هذا العلم الجميل الذي بدل وغير حياتي ونظرتي للحياة، لان من يدرس هذا العلم تختلف نظرته للحياة عن الآخرين، فيصبح أكثر صبراً على الآلام والمعاناة، يعالج كل ما يتعلق بالفن والطبيعة، الفن والحياة، الجمال والحق، الجمال والخير، الجمال والإنسان، الجمال والحياة.
** الفن يشمل كل شيء ولا يقتصر على التصوير والنحت، والعرب أسهموا في نشوء الفكر الجمالي وتطوره، الخليفة الراشدي الثاني "عمر بن الخطاب" أدرك جمالية الفن في الشعر وقال: علموا أولادكم "لامية العرب" للشاعر الشنفرى، إنها تعلم مكارم الأخلاق.
وأؤكد هنا أنه لا يوجد فن في العالم بمرتبة الشعر العربي، لأنه ببساطة شعر إنساني، من هنا أقول إن العرب لعبوا دوراً كبيراً في نشوء وتطور الفكر الجمالي العالمي، ونذكر هنا قول الشاعر "ايليا ابو ماضي":
«كن جميلاً ترى الوجود جميلاً» والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً.
ولذلك أتمنى أن يدرس علم الجمال في كل مراحل الدراسة... المحامي كما الطبيب بحاجة لفكر جمالي، لقد أصبح علم الجمال ضرورة من ضرورات الحياة، حيث دخل عالم الصناعة، وشعار المسؤولين عنها يثبت أهمية علم الجمال: البضاعة القبيحة تباع بصعوبة وبأسعار متدنية.
** برأيي الجمال قيمة إنسانية مثل الحق والخير، إلا أن ثمة ما يربط الجمال بالفائدة، نحن عندما نختار أو نشتري أي شيء ننظر لشكله وجماله، إذاً للجمال قيمة، ولكن له فائدته أيضاً.
** السبب بسيط ويتعلق بتدني مستوى الدخل في سورية، والبلدان العربية عموماً، والسبب في هذا برأيي يعود إلى أن الشخص عندنا مسؤول عن الجميع، وليس عن نفسه فقط كما هو الحال في دول الغرب، ومن هنا أؤكد أن المسألة لا تتعلق إطلاقاً بالثقافة، والدليل على ذلك أنه إذا أُعلن عن دخول المتاحف مجاناً سنجد أن عدد الزوار قد تضاعف مرات ومرات.
** هذا غير صحيح إطلاقاً، آثارنا من صنع بلادنا، وكل موجودات المتحف الوطني في "دمشق" محلية الصنع، تم جمعها من مختلف المواقع الأثرية في سورية، وهو المتحف الوحيد في العالم الذي يتمتع بهذه الميزة، في حين نجد أن معظم موجودات متاحف كبرى في العالم مشتراة، أو دخلت بشكل شرعي أو غير شرعي للمتحف.
وإذا قارنا بين آثارنا وآثار "اليونان" أو "روما"، لن نجد تماثلاً، فآثار البازلت لا نجدها في "روما"، لكن الثقافة في العصر "الروماني" أو "اليوناني" كانت ثقافة ميثولوجيا وأساطير، والفنان السوري اقتبس من تلك الأساطير "الرومانية" و"اليونانية" ونحت تمثال هنا وهناك يمثل هذه الأسطورة أو تلك.
وأشير هنا إلى ما ذكره المؤرخ الكبير "فيليب حتي" في كتبه بقوله: كان العمال السوريون يعلمون أبناء مدينة "رافينا" عاصمة "الرومان" الغربية فن الفسيفساء، وهذا يعني أن الفنان السوري فنان مبدع، وترك آثاراً مهمة جداً.
** الفن المعاصر فن حائر بين الطابع المحلي وبين تقليد الفنون والاتجاهات الأوروبية، وأذكر هنا أنه في عام / 1959 / زارتنا سيدة "ألمانية"، وكان في المتحف الوطني معرض فني، ودعوتها لزيارة المتحف، وسألتها أثناء تجوالها عن رأيها بالمعرض، فكان جوابها أي معرض؟!! ولما استغربت اجابتها، وهي المهتمة بالمتاحف والفن استدركت قائلة: كنت أعتقد أنني ما زلت في أجنحة المتحف، وهذا دليل على أن الفنانين آنذاك لم يطلعوا على الجديد في العالم، فالفن يحتاج لمتابعة أكثر، فكل يوم هناك رؤية جديدة، وليس سهلاً الإبقاء على ثقافة قديمة جداً، ومن هنا أنصح الفنانين بمتابعة الدراسة والاطلاع على كل ما هو جديد، مع التأكيد على أن أهم شيء في الفن الابتكار والاعتماد على الذات.
** الدائرة أجمل الأشكال الهندسية، ليس هناك ما هو أجمل من الدائرة، أولاً: هي شكل هندسي منتظم ورائع جداً، وثانياً: هي رمز ديني فيها شيء رمزي، فلا نعرف أين تبدأ أو أين تنتهي، كالخالق العظيم ليس له بداية أو نهاية.
** الحقيقة أن أوقات فراغي منظمة، قراءة أو كتابة، أو رسماً، أو تأليفاً، وعندما أرسم أشعر بأنني في غيبوبة، واللاشعور هو الذي يوحي إلي بالرسم، ودائماً أحاول أن أتأمل وأفسر ماذا رسمت يداي، وأرى أن الرسم ضرورة لكن بالمقابل له وظائف، فهو يحررنا من متاعب الحياة والمعاناة، فــ "تشرشل" رئيس وزراء "بريطانيا" أثناء الحرب العالمية الثانية كان يرسم أثناء الحرب، وله رسوم نادرة، والمرضى النفسيون أيضاً لهم رسومهم، وغالباً ما كان الأطباء ينصحونهم بالرسم.
** أنا أحب السياحة، وأتابع أخبارها... السياحة لها شروطها بدءاً من سائق التكسي الذي يلتزم بالأجرة أو لا يلتزم، مروراً بأسعار قائمة الطعام في هذا المطعم أو ذاك الفندق، وهكذا... أقول لا بد من إعداد البنية التحتية للسياحة لجعل شروط السياحة متوافرة، وبما يشعر السائح بالاريحية وعدم الاستغلال من هذا السائق أو ذاك البائع.
السيد "زهير زرزور" رئيس جمعية الخطاطين في سورية وفي اتصال هاتفي معه بتاريخ 2/5/2010 قال عن الأستاذ "زهدي": «"بشير زهدي" قاموس متحرك بما يخص الآثار وعلم الجمال فقد عرفته منذ ما يزيد على نصف قرن مهتماً بالآثار والفن والجمال، وأقول متيقناً: مهما تعاقب على المتحف الوطني بـ "دمشق" من مديرين فإن "زهدي" هو الأكثر اجتهاداً بينهم، وختم قوله واصفاً زهدي بأنه إنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى».
أخيراً: "بشير زهدي" من مواليد "دمشق" /1927/ ويحمل إجازة في الحقوق من جامعة "دمشق" 1951 م.
ليسانس في الآداب من جامعة "السوربون" في "باريس" عام 1954م.
دبلوم معهد "اللوفر" في "باريس" عام /1955/ م.
له مؤلفات أهمها: علم الجمال والنقد- فلسفة الجمال- علم الجمال والنقد- علم الفن- المتاحف والإمبراطور فيليب العربي- دمشق وأهميتها العمرانية والمعمارية عبر العصور، وله العديد من المقالات في صحف محلية وعربية في المعلوماتية والموسيقا والفن بأنواعه وفي علم الجمال والاجتماع والرياضة والطوابع.
أمين فرع الآثار السوريّة للعهود اليونانيّة والرومانيّة والبيزنطيّة في المتحف الوطني بدمشق عام 1955م- 1981م..
•نشر ما يزيد على /150/ بحثاً علمياً يتعلق بالآثار والمتاحف وعلم الجمال وعلم النقود وعلم الميثولوجيا وعلم الاجتماع وتاريخ الزجاج والتاريخ والحلي، والصناعات اليدويّة وتاريخ الفن والتربية، والرياضة، والحب، والأيقونات، والنقد الفني..
منحه الرئيس الراحل "حافظ الأسد" وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى.
منحته الجمهورية الايطالية وساماً بدرجة فارس.
منحته الجمهورية الفرنسية وساماً بدرجة ضابط.