الناقد الأستاذ في الأدب الحديث والمعاصر في جامعة "دمشق" الدكتور"غسان غنيم" له مساهمات كبيرة في الساحة النقدية.
يذكر الدكتور "عاطف بطرس" أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة "دمشق" بتاريخ 17/7/2008 أن النقد الأدبي الذي يتميز به الدكتور"غسان غنيم" يأخذ منحى خاصاً، لتميزه بالموضوعية، وخصوصية نقده تكمن في الثقافة المعرفية والمتابعة اليومية للساحة الثقافية، أي إنه يتابع ما توصلت إليه النظريات النقدية والمعرفية للأجناس الأدبية /قصة، رواية، شعر، مسرح/، وهذا ما أكسبه الاحترام والود لكثير من زملائه بالاختصاص نفسه، ولطلابه الذين يسعون للاستزادة من علمه وخبرته ومعرفته.
موقع eSyria زار "د.غسان غنيم" وأجرى معه الحوار التالي:
** لا بد لنا من ربط النقد بالفكر والحالة الفكرية العامة، لأن النقد فعالية تعد محصلة حقيقية لروح الأمة وواقعها الفكري والحضاري.. فالنقد كالفكر لا بد له من الانتماء إلى مناخ عصره ونظامه، وأول ما يقوم عليه النقد نظرية فكرية أو رؤية فلسفية معينة إضافة إلى وجود معرفة وثقافة ووعي بتقاليد النصوص الأدبية وتقنياتها ثم تأتي الخبرة العملية في التعامل مع النصوص الإبداعية، باختصار، النقد يحتاج إلى أدواته المعرفية بالإضافة إلى الاستعدادات الفردية بالشخصية للناقد ذاته.
** أرى أن النقد العربي، قد لا يكون في أحسن أحواله، وهذا لا يعني ضعفه وتأخره، بل على العكس، فعبر تاريخنا الأدبي تجاوز عدد نقادنا الحقيقيين حتى مطلع عصر النهضة المئة ممن امتلكوا رؤية نقدية ومعرفة موسوعية وقدرة على التعامل مع النصوص بأدوات نقدية معرفية حقيقية.
ولو نظرنا إلى أعداد النقاد منذ عصر النهضة لوجدنا أن النقد لدى العرب ما يزال بصحة جيدة، ويحاول أن يقوم بالدور المنوط به.
وهذا لا ينفي وجود نقاد حقيقيين أدركوا أهمية النقد وأهدافه وواجباته فامتلكوا النظرية النقدية، وعرفوا المناهج النقدية ومعطياتها، فالمشكلة ليست في عدم امتلاك المعرفة العلمية والإمكانيات، بل في الرؤية الأحادية، ومحاولة ليّ أعناق النصوص الإبداعية، وعدم مراعاة التقاليد الأدبية وخصوصيتها القومية.
** النظرية النقدية العربية، هذه مجرد خرافة في هذا العصر العولمي، فالجميع قد أسهموا في وضع نظرية نقدية عالمية، إذن فمن عدم الدقة أن نتحدث عن نظرية نقدية عربية فالفكر بات إنسانياً، وعنه تصدر النظريات النقدية ولا يمكن لقومية مهما علت أن تدّعي امتلاك الفكر العالمي وبالتالي صبغ النقد وحركته بصبغتها القومية.
وأقول: على الأمم، ألا تكون إلا ذاتها. وألا تخجل من هذه الذات وألا تشعر بالنقص تجاه أي من الأمم والشعوب الأخرى، فما هو قائم في أمة، كان في الأمم جميعاً لأن الجوهر الإنساني واحد.. والمراحل التي تمر بها الأمم متشابهة إلى حد بعيد، فليس ثمة ما يدعو إلى الخجل، بل على العكس على الأمم أن تقدم نفسها دون مواربة أو تجميل، وهي بهذا تستطيع أن تتجاوز أزماتها وذاتها المشروخة، نحو أفق أرقى وأجمل.
** زاد اهتمام النقاد بفكرة الأجناس الأدبية في القرن التاسع عشر عصر ازدهار الرواية والقصة والقصة القصيرة والمسرحية.. ثم ترسخ هذا الاهتمام في القرن العشرين، وازداد التنظير لفكرة الفصل بين الأجناس الأدبية، ووضع الأسس والأركان التي يستند إليها كل جنس أدبي، بعد أن تمايز منها الشعر الجنس الأكثر طغياناً في المراحل الأدبية السابقة. وقد انتقل ذلك كما هي العادة إلى حركة النقد العربية في النصف الثاني من القرن الماضي.. فظهرت الكثير من الكتب والمقالات والدراسات التي تتناول فكرة الأجناس الأدبية، تنظيراً ودراسة ومعالجة.
أما عن واقع الأجناس الأدبية اليوم، فأقول: ما تزال فكرة الأجناس قائمة على الرغم من تركيز الدراسات الغربية والعربية على قضية "النص" بقصد إغفال الجنس، وللحق فان الكثير من الأجناس الأدبية والفنية تستفيد من آليات الأجناس الأخرى ومن تقنياتها، فالشعر استفاد من بعض الأجناس السردية، بل ظهر ما يسمى قصيدة النثر التي استفادت من تقنيات الأجناس النثرية، ولا تخفى استفادة الشعر من الرسم والموسيقا... كما استفادت الرواية.. والسينما.. والقصة القصيرة من لغة الشعر، ومن أساليب التقنيات السردية "ونوس- وإخلاصي"، فثمة تداخل حقيقي بين الأجناس الأدبية ولكن مع ذالك فثمة تمايز مازلت أصر عليه على المستوى النقدي، وان كنت لا أرفض النصوص غير الأجناسية إذا ما حققت مستوى أدبياً متميزاً.
وإن مشكلة الحداثة في الأجناس الأدبية في واقعنا العربي قد تعّرض لها كثير من الدارسين والنقاد وعلى رأسهم الشاعر الكبير "أدونيس"، فالمجتمع العربي عاش صدمة الحداثة مع نهايات القرن التاسع عشر ولما يفق منها، فما تزال البنى الاجتماعية العربية منقسمة إلى:
قسم (آ) يعيش حالة منغلقة، وإن لم يعد قادراً عليها في أجواء العولمة المعاصرة.
قسم (ب) انفتح على العالم الغربي وآمن أن الحداثة يمكن استيرادها باستيراد أدواتها- وهذا غير صحيح- ففعل الحداثة فعل يقوم على الاحتكاك بالآخر عبر عملية تفاعلية تقوم على الأخذ والعطاء كما يقوم على التجاوز الدائم للذات والآخر.
أما (ج) فهو القسم الثالث التوفيقي.
فمن حطّم المقولات ورفض كل شيء فثار على أنماط التشكيل الشعرية ولجأ إلى قصيدة النثر وهؤلاء ممن لفظوا المجتمع أو لفظهم المجتمع، فعاشوا غير مؤمنين بالأشياء الثابتة، سواء أكانت أشكالاً أم أفكاراً أم أنماط حياة.
** في إطار القصة القصيرة العربية، تحولات كبيرة منذ بداية كتابتها في النصف الأول من القرن العشرين، ما جعل حصر الأشكال الناجمة عن تحولاتها أمراً صعباً. بحسب تجارب كتّابها أو بحسب تغيّر زاوية الرؤية لديهم أو التركيز لدى كاتب وآخر، ولهذا الجنس لم يخرج عن إطار القولبة إلا في "القصر".. أما في الأدوات والأساليب واللغة، فثمة تبدلات دائمة، حتى وصل الشكل القصصي أخيراً إلى ما يدعى بالقصة القصيرة جداً، التي تعتمد على الومضة الذكية واللغة المكثفة القادرة على القول بما يفوق عدد كلمات القصة بكثير معتمدة على حساسية المتلقي وذكائه، وثقافته ومعرفته الاجتماعية والسياسية.. فاللغة هي العنصر الأساسي الثابت في جميع الأشكال الأدبية، لأن طبيعة لغتها تقوم على التكثيف والإيحاء والرمز والصورة، وهذه من أخص خصائص لغة الشعر، ولكن هذه التقنية قد لا تتوافق مع الرواية والمسرحية فالرواية تعتمد على فلش اللغة لأنها من الأجناس الموضوعية التي تبتعد عن أدوات الشعر في أغلبيتها.
** أعتقد أن السؤال يتعلق بموسيقا الشعر الحديث وفيه أكثر من شق:
1- قضية استخدام إيقاعات مختلفة في القصيدة الواحدة وهذا شيء إيجابي بل واجب مع الملاحظة أن الإيقاع ليس بحر القصيدة أو تفعيلتها، وإن كانا يدخلان في إطار الإيقاع.. فثمة إيقاعات متنوعة في القصيدة الواحدة، وهذا ما يعطيها حيويتها وتدفقها.
أما الحديث عن تنوع التفعيلات والأوزان داخل القصيدة الواحدة.. فأرى أن هذه القضية قد تأتي من عدم معرفة بعض الشعراء بالأوزان والتفعيلات والدوائر العروضية- وهم ليسوا قلة- ما يجعلهم يخلطون ويتوهون في مسارب الموسيقا والعروض وإن واجهتهم يقولون هذه حداثة شعرية، أنا مع الحداثة في الرؤية والتجاوز الذي يجعل الشاعر في حالة تجدد دائم، فالحداثة لا تتعلق بالأوزان بل بموقف الشاعر من الكون والحياة.