"جان بابير" شخص يحاول أن يستفيد من كل شيء يحيط به ويلتقي كل ما هو هامشي من مفردات جمالية، يصوغه عبر فلسفته الخاصة ويحوله إلى أشياء جمالية ومحببة، هاجسه أن يعطينا مفردات جديدة عبر تركيباتها في جمل، ينتقل ما بين رصيف وشارع ليصف لنا الرواية كعبور الشارع دون أن يلتفت القارئ إلى يمناه ويسراه خشية أن يصطدم بجملة الشعرية في إرباك ازدحام دون انتباه إلى أبواق علامات الترقيم وصافرة الإنذار لاستفهام الشرطي،
رجلٌ مزدحم بأشخاص يعيشون بيننا ويقتنص من الآخرين فكرة فيحاول سردها في قالب روائي جديد، هذا ما وجدناه في شخصية "جان" خلال قراءتنا لكتاباته.
إن كنت تتوق إلى الحرية لا تستطيع أن تبني لنفسك سياجاً من الأسلاك الشائكة وحقلاً للألغام، فهذا يعني تقيد حريتك الفكرية، أستوعبُ المذاهب الأدبية لكنني أتجنب الخضوع لمذهب محدد، قد تجدني في فصل واحد من الرواية أجمع بين السريالية والواقعية وأحياناً الرمزية
موقع "eSyria" بتاريخ 27/2/2009 التقى مع الكاتب والروائي "جان بابير" الذي خرج من بيئة مغمورة بعيدة عن الأدب والثقافة حيث يقول: «ولدت في قرية صغيرة واقعة في شمالي سورية، لا تعرفها كتب الجغرافية ولا كتب التاريخ، لكن عيني عرفتها جيداً بآفاقها الواسعة والأسئلة التي كان يحملها القرويون في أعينهم، وحكايات جدتي عن الحصاد والحب والسهول المترامية التي جعلتني أدون وأرتكب كل عصياني من خلال اللغة».
هلوسة "جان" في اللغة تنسج كلمات وجملاً مترابطة غير تقليدية، وفي ظل حبكة الرواية يقول "بابير": «اللغة هي جسر التواصل مع الآخرين، ولكن كيف سندشن هذه اللغة لكي نرتقي بعشب اللفظ ومروج رنين الحروف لكي تكون متضمناً في النص دون إذن عبور المخالفات، اللغة وجدت منذ وجود الإنسان، وغايتي من استخدام اللغة بكثافة وبأسلوب فلسفي هو لبناء قامة أخرى للرواية دون الوقوع في المباشرة والتقريرية».
في روايات "جان" نجد أنه ليس هناك تقيد بمذهب أدبي محدد، فدائماً هناك تلاحم المذاهب في الرواية وعن ذلك يقول: «إن كنت تتوق إلى الحرية لا تستطيع أن تبني لنفسك سياجاً من الأسلاك الشائكة وحقلاً للألغام، فهذا يعني تقيد حريتك الفكرية، أستوعبُ المذاهب الأدبية لكنني أتجنب الخضوع لمذهب محدد، قد تجدني في فصل واحد من الرواية أجمع بين السريالية والواقعية وأحياناً الرمزية».
الصفات التي يصف به الشخصيات في روايات "جان" مهزومة تجمع ما بين القبح والجمال، وهنا يتابع: «باختصار إنها تعبر عن ذواتنا، فلم تعد الرواية بناء شخصية البطل الذي لا يقهر ويملك كل مقومات الخير ويحارب الشر، بل هي شخصية تفاعلية في زمن العطب، لا تستطيع إلا أن تكون شخصية انهزامية لأنها تمثل جيلاً كاملاً فينا، جيلاً يحملون أحلامهم في جيوب الانتظار دون ملامسة ذلك الحلم».
تندرج الارتكازات التي يدعم الروائي "جان بابير" في كتابة رواياته ما بين الفلسفة وعلم النفس والميثولوجيا وعن ذلك يضيف: «بالتأكيد أن يرتكز الكاتب على مقومات أساسية من المعارف الإنسانية، فأنا أعتبر الرواية بذراً يرتكز على ثلاثة أحجار وهذه الأحجار الثلاثة هي الفلسفة وعلم النفس والميثولوجيا، أحاول من خلال هذه المعارف أن أسقط الأشياء على الواقع المعاش عبر الرواية التي تعتبر الآن بمثابة ديوان العالم، ولن نستطيع تجاهل المعارف الإنسانية الأخرى باعتبارها آفاق المعرفة، ننهل منها ما يستوجب لكتابة الرواية».
أما عن وجهة نظر "جان بابير" لواقع الأدباء بشكل عام والروائيين بشكل خاص في سورية تحدث قائلاً: «هناك بعض من الأسماء كانوا قادرين أن يصلوا إلى حدود إقليمية بدون الحاجة إلى جواز سفر، وبعض آخر ما زال يرزح تحت كاهل أسماء روايتهم في الداخل دون أن يأخذوا نصيباً من الإعلام والشهرة، بينما هناك روائيون حقيقيون يمتهنون شرف الكتابة وما زالوا مغمورين دون أن يعرفهم أحد، وهنا يجب على الجهات المختصة أن تهتم بشؤونهم ليطوروا الأدب السوري نحو الأفضل».
هذا هو الكاتب والروائي السوري الشاب "جان بابير"، ومن مؤلفاته:
شطحات في الجحيم "شعر" 1998 -دمشق .
"شعر" 2001 -بيروت. GEWIRIYA HELBESTE ZA
الأوتاد "رواية" 2002 -بيروت .
قرارات الخطيئة "ما يشبه النصوص" نص مشترك.
ثلاثية كورستان "صرير الأحد، غرفة الأربعاء" 2007.