هنا كاتب يبحث عن الحلم في زمنٍ أصبحت فيه الأحلام مفقودة في رؤية الإنسان، يحاول أن يجمع خيوط اللغة والزمن في قالب فلسفي، وكما يواصل السير بالحلم في رواياته لزرع الحب في كل ذرة من خلايا الكون، هذا ما شعرنا به خلال لقائنا بالكاتب والروائي "عقبة زيدان".
بتاريخ 25\3\2009 موقع "eSyria" في مكتبه الذي يضج بأنين الكتب المنسية المرتبطة بالأدب والفلسفة، الجدل الفلسفي لم يكن يفارق كلمات "زيدان" كما هي العادة التي يتصف به أسلوبه لسرد الرواية يقول، وعن ذلك تحدث قائلاً: «الفلسفة هي الوجود في رواية جميلة، وهي جدل ومحرك ذهني نحو الحياة، لا يجوز الابتعاد عن الفلسفة في الرواية، بل استناد الرواية يكون دائماً على الفلسفة طوال فترة استمرارها، أستخدم الجدل الفلسفي في الرواية من عدة جوانب، فالفلسفة بالنسبة لي هي توسع رؤيتي للأشياء».
كتاباتي في هذا العمود هي عبارة عن سلسلة متكاملة من الأفكار والتي أتناول فيها رؤيتي لذاتي وللناس وللهموم التي تحيط بنا وأعبّر من خلالها عن الكثير مما يجول في صدري وفي ذهني
كان "زيدان" يتكلم ومن خلال كلماته تذهب بخيالك إلى أفق بعيد دون أن تعرف درب العودة، تناول "زيدان" الريف والمدينة في رواياته بكثرة محاولة منه في البحث عن الجمال والحب من خلالهما، لذلك يشدك التفكير إلى أن تسأله عن أهمية الريف والمدينة في رؤيته، وعن ذلك يقول: «تنضج الثقافات في المدينة وتكون منبعاً لها، وتصهر جميع الثقافات في بوتقة واحدة في المدينة وهذا ما شاهدناه عبر التاريخ وحتى الآن، أما الريف فيتميز بجماله وفطرته الحقيقية للإنسان، أنا أشبه المدينة بالعقل، والريف بالنفس بما يتمتع بجماليته».
ينطلق "زيدان" لبناء شخصيات رواياته من الواقع الذي يحيط بنا، وينسجه في سرد رواية بلغة جميلة وقريبة للقلب، وهنا يضيف: «أنتقي شخصيات روايتي من البيئة الواقعية، فقد تكون من موروثنا وتاريخنا التي تكون جزءاً من الإنسان، وأجلب التاريخ وأقوم بصياغته ضمن منظومة فلسفية خاصة به، وألتجئ في بعض الأحيان إلى شخصيات من الواقع المعاش حالياً».
قد يكون لـ "زيدان" رؤية خاصة في البطل الذي يمثل رواياته، وعندما يتحدث عنه تشعر كأنه يتحدث عن ذواتنا وشخصياتنا بكل ما تحمله من الصفات الإنسانية الرائعة حيث يقول: «البطل في الرواية شخصية خارجة عن المفاهيم السائدة وخارجة عن كل الإيديولوجيات، فهو يبحث دائماً عن حريته التي تكون جزءاً من حرية الآخرين الذين من حوله، وهو من الأشخاص الذين يطلبون المحبة والسلامة للآخرين، وهذه هي نقطة القوة في شخصيته».
أسماء الشخصيات تكون لها معانٍ كبيرة في ذهنية الروائي "زيدان"، أسماء تعكس الواقع وترسم نوراً إلى المستقبل مثلما تكون في روايته التي سماها بـ"تعاويذ"، وعن ذلك الكتاب يحدثنا: «المحبوبة البطلة اسمها "الحلم"، حيث بقيت هي الحلم بالنسبة للبطل لأنها قتلت من قبل أهلها، المرأة الأخرى التي جسدت إغواء البطل كان اسمها "السراب"، لأنها لن تبقى طويلاً ولن تغير حياة البطل طول فترة وجودها، فـ"السراب" سراب في النهاية كما كانت البداية، أما شخصية الأستاذ فسميت بـ "كمال" لأنه كان شخصاً مكتملاً بالنسبة لطلابه، فهنا عملت على الشخصيات الموجودة في الرواية بأن أسميها بأسماء أكثر قوة وتعلقاً بشخصيتهم، إنها محاولة في الحب المستحيل، الزمن فيها يبتلع كل شيء، يمتد متى يشاء ويتتابع بخطى واثقة، ثم ينتفخ، وأحياناً ينقسم إلى شرائح، والحلم هاجس يراود الذاكرة، فدعونا نفكر بانتصارنا، لأن الخير لن يتحقق، مادام هناك طفل حزين، أو رجل يفكر بانتصاره على أخيه، النصر لنا جميعاً، حين نشارك معاً بالبناء، وتصبح القلوب قلباً واحداً».
من بعد هذه الرواية كانت لفنجان القهوة لذتها مع "زيدان"، حين حدثنا عن روايته وهو في جوٍ يدلك على الارتباط الكامل مع تلك القصة أو ذلك العالم، وبعد فنجان القهوة، بدأ حديثنا معه عن واقع الرواية في سورية، له رؤيته المختلفة في الأدب المحلي والعالمي، وعن تلك الأمور يقول: «لا يوجد هناك أدب محلي وعالمي فكل ما ينتج من الأفكار في أي زمن هو منتج لهذا الكون، ثم لا يجوز أن نقول هذا أدب محلي لأنه بكل بساطة نستطيع أن نتواصل مع كل ما ينتج في أي مكان بسهولة مطلقة، أما الرواية السورية فإلى الآن هي بحاجة إلى العمل عليه، لايكفي أن نعمل في الرواية فقط مع الموضوع، واللغة، والفكرة، لأن الرواية العالمية الآن تعمل بجهد وعمل شديد على التقنية، وهذا ما لا يلقى اهتماماً على مستوى الرواية في سورية، ولا يجوز مهما كانت الفكرة مهمة أن نقدمها بالتقنية الكلاسيكية، وإلا ماذا سنضيف إلى الروايات التي نسجت في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فواجب كل روائي سوري التفكير بشكل جدي، وبمحاولة الوصول إلى كل ما ينتج من رواية في العالم، لأنه جزء من هذا المشهد الروائي العالمي، الفن برأيي هو تجاوز وتدمير ما أنتج سابقاً لإعادة بنائه من جديد سواء على مستوى اللغة، أوالتقنية، أو الفكرة».
كان الحديث مع "زيدان" في قمة الهدوء، ومن عالم الرواية انتقلنا إلى التحدث معه عن كتاباته في العمود الصحفي الذي يكتبه في جريدة "الثورة": «كتاباتي في هذا العمود هي عبارة عن سلسلة متكاملة من الأفكار والتي أتناول فيها رؤيتي لذاتي وللناس وللهموم التي تحيط بنا وأعبّر من خلالها عن الكثير مما يجول في صدري وفي ذهني».
انتهى حديثنا مع "عقبة زيدان" على أمل أن نكون قد استطعنا إطلاعكم على بعض من أفكاره وآرائه حول الأدب، وجدير بالذكر أن "عقبة زيدان" كاتب وروائي وإعلامي سوري، ومن مؤلفاته:
"تعاويذ" الطبعة الثانية 2008 دار كيوان- دمشق.
"هيولى" الطبعة الثانية 2008 دار كيوان- دمشق.
يكتب في العمود الصحفي في جريدة "الثورة" السورية.
بالإضافة إلى العديد من المقالات نشرت في عدة صحف سورية وعربية.