رغم أن مهنة الصحافة أخذته زمناً طويلاً من الإبداع الأدبي، إلا أنها لم تستطع إبعاده تماماً عن تكوينه الأساسي كروائي؛ ليعود "غازي حسين العلي" بعد مسرحيته "دخلت الرصاصة من النافذة" وقصة "أحداث ليلة" ورواية "حمود مستدير القامة" العام 1985، ويقدم روايته "صخب الأرصفة" العام 2003 وروايته "حديقة الرمل" العام 2005 التي أشار الروائي "وليد إخلاصي" في كلمتها الافتتاحية إلى أن الكاتب أزاح الستار بجرأة عن جانب خفي من كيمياء الكتابة الفنية التي تسعى إلى كشف العلاقة العضوية بين المؤلف وشخوص حكايته، وكذلك تصوير الروابط التي تجمع الكاتب بالمحكي أو التي تبني جسراً بين الواقع والمتخيل وكأنه يحيل القارئ على عملية المشاركة في أسرار التخييل...واخيراً روايته "مثلث الغرام" التي ستصدر بعد شهرين عند دار "رياض الريس" للنشر في "بيروت.
"eSyria" زار الروائي "غازي حسين العلي" بتاريخ 4/7/2009 محاولاً الدخول في عالمه الروائي، والكشف عن مفهومه للرواية كفن يُعنى بتصوير الواقع، الذي أكد الروائي "العلي" بأن «ما يهمه أولاً وفي أي حكاية يقدمها، هو عدم مطابقة الصورة للأصل، ولذلك اعتنى بما يسمى الواقعية المدورة، وهذا يعني أن أي صورة في الرواية يجب أن تجري في ذهن القارئ، وتجد لنفسها موقعاً في مخيلته. وإذا ما تحقق ذلك للرواية، فهذا يشير إلى أنها على قدر من الأهمية، واستطاعت أن تجد لنفسها مقعداً في صف (الرواية) الجيدة».
هذا الكائن الذي يتألف من أحرف مرصوفة بشكل منتظم على الورق، ليس دلالة على الإبداع، وهو في كليته، لا يتعدى تصوير الواقع بكاميرا جيدة، والمطلوب مشاكلة الواقع وإعادة تنضيده من جديد، وتقديم صورة متخيلة عن واقع مرئي وملموس، ولكنه لا يتطابق مع واقع أو كائن بعينه
وعن الكائن في النص الروائي يعتقد "العلي" بأن «هذا الكائن الذي يتألف من أحرف مرصوفة بشكل منتظم على الورق، ليس دلالة على الإبداع، وهو في كليته، لا يتعدى تصوير الواقع بكاميرا جيدة، والمطلوب مشاكلة الواقع وإعادة تنضيده من جديد، وتقديم صورة متخيلة عن واقع مرئي وملموس، ولكنه لا يتطابق مع واقع أو كائن بعينه».
وحول ما هو معروف عن انتصاره للرواية القصيرة يرى "غازي حسين العلي" أن هناك دوراً كبيراً للاقتصاد في حياتنا العامة، والرواية ليست بمنأى عنه، ولهذا فإن الاقتصاد اللغوي مطلوب أيضاً، لاسيما أن الزمن الذي كنا نملك فيه القدرة على قراءة روايات كبيرة قد ولّى، وأصبح التلفزيون والانترنت ومشاغل الحياة تقف عائقاً أمام قراءتها؛ وسبق أن أسميت روايتي "صخب الأرصفة" رواية الساعتين أي بالإمكان قراءتها في ساعتين فقط، وهو أمر لا يفقد روايتي أو أي رواية أخرى قيمتها الفنية، لاسيما إذا لجأ الكاتب إلى تجزيء الحدث، وتناول جانب منه، ومن ثم سرد ما هو هام، وفي سياق اقتصادي لغوي محكم».
وعن جمعه بين الواقع والمتخيل في رواياته يعتقد «أنه لم يعد الآن ثمة رواية واقعية مئة بالمئة، كما لم يعد ثمة رواية متخيلة مئة بالمئة، والجمع بين ما هو واقعي وما هو متخيل عملية ممتعة جداً، استطعت من خلالها قول مالا يمكن قوله، لأنها حررتني من قيود كثيرة كانت من الممكن أن تكون عائقاً تمنعني من البوح بها، وهذه التجربة ليست من اختراعي وإنما شاطرني الكثير من الكتّاب فيما قدمته».
وسبق أن اتفق بعض النقاد على أن روايته "حديقة الرمل" جاءت من خارج النص الإيديولوجي الذي يكاد يسيطر على المشهد الروائي السوري، وقد أكد الروائي "العلي" على أن «الرواية ليست معنية بتقديم بيان سياسي، فهي قبل كل شيء كيان إبداعي يؤدي رسالته بقليل من الحياد، فهو لم يسعَ إلى كتابة رواية إيديولوجية، ولم يفكر بأن يكون من كتّابها، إضافة إلى كون هذه الآلية من التفكير تثير في نفسه الغثيان، ولا تستقيم مع مفهومه للأدب؛ وأي رتابة لابد أن تحمل في طياتها قضايا إنسانية معينة، وهذا أمر مختلف عن الإيديولوجية، لأن الحديث عن الإنسان برأيه يعتبر بمثابة الحاملة التي تتسع لكل الآراء والطروحات، عكس ما هو عليه الحال لدى الانحياز لإيديولوجية بعينها، والتي تملي على الكاتب شروط معينة».