الترجمة هي مفتاح لكل الأمم التي شهدت نهضة في حياتها، تلك التي أعطت الترجمة اهتماماً بالغاً وجعلتها في الأولية. والمترجمون السوريون أمثال "سامي الدروبي" وآخرون كان لهم دور كبير في بلورة عالم الترجمة في سورية بالتحديد، ومن المترجمين الذين لهم باع كبير في عالم الترجمة الفرنسية الأستاذ "عبود كاسوحة" من "حمص" الخضراء.
موقع "eSyria" بتاريخ 15/8/2009 كان له لقاء طويل مع المترجم السوري "عبود كاسوحة" أحد المترجمين السوريين المعروفين، والذي نال في الفترة الأخيرة جائزة "سامي الدروبي" للترجمة من وزارة الثقافة السورية.
غالباً ما طلبوا إليّ في الوزارة أن أترجم بعض المؤلفات الفلسفية -مقارنة بترجمة الرواية أو المسرحيات- ما الديمقراطية؟ مفهوم الأدب، ما الأنوار؟...وغيرها
عن بدايات "كاسوحة" مع الترجمة وولوجه في هذا العالم يقول: «بدأت علاقتي بالترجمة منذ تأسيس جريدة "الثورة" عام 1963، وكانت ترجمة صحفية عن المجلات الفرنسية، تميّزت بغنى لا يوصف بسبب التنوع الكبير؛ فهي سياسية واقتصادية وثقافية. كانت بدايات جميلة حيث اليوم أمامك مقالة عن التحقيقات في اغتيال "كندي"، وغداً أنت أمام مقالة علمية حول تجارب تطوير الرادار استناداً إلى تشريح أنواع من الحشرات الطائرة التي تشبه الصراصير، والكشف عن جهاز التراسل ما بين الذكور والإناث من على بعد مئات الأمتار».
يكمل "كاسوحة" حديثه: «انتقلت بعد ذلك إلى تدريس الفرنسية حتى التقاعد عام 1998، لكنّ صلتي بالترجمة للصحافة لم تنقطع مطلقاً. أمّا ترجمة الروايات فبدأت مع مطلع الثمانينيات، والنشاط الفعلي لي في ذلك بدأ في منتصف التسعينيات بعد أن عرفني المرحوم "أنطون مقدسي" مدير التأليف والترجمة والنشر في وزارة الثقافة، لا سيّما بعد أن لمس لديّ ميلاً للتصدي لكل ما هو صعب، وأخص بالذكر ترجمة أعمال الفيلسوف الموسوعي "ديدرو"، فأنا أول من ترجم أهم أعماله إلى العربية، ولا ريب في أنّ هذه الترجمات كانت وراء منحي الوسام من الحكومة الفرنسية».
يتابع "عبود كاسوحة" المترجم السوري -الحمصي الأصل-: «غالباً ما طلبوا إليّ في الوزارة أن أترجم بعض المؤلفات الفلسفية -مقارنة بترجمة الرواية أو المسرحيات- ما الديمقراطية؟ مفهوم الأدب، ما الأنوار؟...وغيرها».
وقي حديثنا مع "كاسوحة" عن المترجم السوري الراحل "سامي الدروبي" قال: «إنّ معرفتي بـ"سامي الدروبي" لم تكن شخصية بالمعنى الشائع للكلمة، فقد كان أستاذاً جامعياً معروفاً يوم دخولي جامعة دمشق، إلا أن ترجماته كانت غذاءً روحياً لي ولأبناء جيلي، وأخص الترجمات عن الأدب الروسي، فهو من المترجمين السوريين الذين بذلوا جهداً كبيراً في عالم الترجمة ورسخ اسمه في ذاكرة أجيال كبيرة».
أمّا عن جمعية الترجمة في اتحاد الكتّاب العرب التي ينتمي إليها "كاسوحة": «سوف أشبهها بخبز الشعير، فلم يكن يأكل خبز الشعير في الأرياف حتى ستينيات القرن العشرين سوى الفقراء، يأكلونه وهم غير راضين، فظهر مثلٌ يقول في وصف شخص يجري استغلاله من غير الاعتراف بفضله "مثل خبز الشعير، مأكول، مذموم"، أما الآن فيسرّني أن أحافظ على تشبيه نفسه بقولي إنّ الترجمة ما تزال مثل خبز الشعير، لكن مع المكتشفات الحديثة في كل شيء، أضحى خبز الشعير مفضلاً لدى المثقفين الذين يدركون مكانة التغذية، ولدى الأثرياء أيضاً، وأصبحت قيمته أعلى من كافة أنواع الخبز الأخرى، إذاً هنا ينبغي أن تكون الترجمة في المقدمة، وأفضل القمة».
يتابع: «مع ذلك يبقى اتحاد الكتّاب العرب في سورية الجهة الوحيدة التي لم تعترف حتى الآن بهذا الخبز النبيل، ولا بفضله، فيكفي أن ينظر المرء إلى قائمة بالمنشورات السنوية للاتحاد، ليكتشف أن نسبة الترجمة هي مجموع أصابع اليد الواحدة، لكن ليس من مئة بل من ألف، أجل نسبة الترجمة كانت في بعض السنين مزرية، أمّا الجانب المزري الآخر فهو أن تقييم الترجمة من ناحية الأجر المادي أدنى بكثير من كافة الأجناس الأدبية الأخرى».
ونهاية حديثنا الشائق مع المترجم السوري "عبود كاسوحة" كان عن جائزة "سامي الدروبي" للترجمة التي نالها المترجم في الشهر الماضي: «قد تكون المرة الأولى في حياتي - وأنا بدأت الترجمة في مثل هذه الأيام قبل ستة وأربعين عاماً، في هيئة تحرير جريدة "الثورة"، يوم تأسيسها- إنّي نلتُ حقي، إنها كانت جائزة مميزة خاصة، وإنها حملت اسم عالم بارز كـ"سامي الدروبي"، آمل أن تتكرر مثل هذه المناسبات وأن نزيد من اهتمامنا بعالم الترجمة وبالمترجم السوري على وجه الخصوص».