«تستحق مدينة "دمشق" أن تكون رمز المدينة الأم التي حضنت التراث العالمي، فهي أقدم مدينةٍ مأهولةٍ في التاريخ، ومهد حضاراتٍ تعاقبت منذ عهود ما قبل التاريخ، "دمشق" أم الغرباء، وملتقى الأحبة، والبيت الذي يحتضن أبناءه بحنان». هذا ما تحدث به الأديب الروائي "رفيق ميرخان" لموقع eDamascus بتاريخ 20/12/2009 في حفل توقيع عمله الروائي الملحمي الأول "ليالٍ دمشقية".
وفي توصيف لهذا العمل يقول "ميرخان": «"ليالٍ دمشقية" ملحمةٌ روائية لم تكن من نسيج الخيال بل عاصرت الواقع الذي مرت به مدينتي خلال العقود الأولى من القرن العشرين، ولا أذكرها كمدينة متجردة، بل رمزاً للخصب والأمل والحب، وحاضنةً للطقوس الاجتماعية والثقافية، وهنا يغيب الزمن مع وجود المكان، الزمن الذي يمتد منذ عهود ما قبل الميلاد وحتى الألفية الميلادية الثالثة، الرمزية والخيال والواقعية والتجرد امتزجت في الرواية لتكوّن كلاً متماسكاً عبر حالةٍ روائية صنفت إلى يومياتٍ من حياةٍ أشخاصٍ واقعية، تعالج فيها الحالات القصوى للحب والموت والألم، هذه المعالجة الرمزية لأشخاص وقصص واقعية كانت السبب في الإلهام والمضي في مشروع إكمال الملحمة ليشمل عدة أجزاء».
كانت تجربتي الأولى في كتابة الرواية بعد أن كتبت العديد من القصص القصيرة التي لم تر النور، وعملت جاهداً على كشف الستار عن هذه الملحمة التي أعتبرها إنجاز عمري في وقتٍ يتلاشى فيه إبداع الكاتب مع دخولي في خريف العمر
وعن الشخصيات الأنثوية وشخصية "أم تيسير" المحورية تحدث الكاتب فقال: «الأرض أنثى، والشمس أنثى، والحياة أنثى، والأم أنثى، ولا يمكن أن نغفل دور الأنثى الأم والأخت والبنت والزوجة والصديقة والملهمة في حياة الرجل وتربيته، فهي رمز الحياة والخصب، "أم تيسير" كانت كذلك، فهي أنثى وجدت في الرواية لتكون بتفاصيل جسدها المترهل، الشفاه القاسية، واليدين الخشنتين، وعدم التناسق بين كل عضوٍ من جسدها، لكنها تمثل كل معاني الجمال المرتسمة في المرأة "الدمشقية"، وتكون حالةً من حالات المرأة التاريخية، من عهد "عشتار" و"زنوبيا" والمرأة "الأندلسية"، إلى "خولة" و"الخنساء"، لتجمع صفات تلك النسوة في هذا الجسد، في حبها للكون ولابنتها التي أسمتها "قمر"».
وأضاف "ميرخان": «كانت تجربتي الأولى في كتابة الرواية بعد أن كتبت العديد من القصص القصيرة التي لم تر النور، وعملت جاهداً على كشف الستار عن هذه الملحمة التي أعتبرها إنجاز عمري في وقتٍ يتلاشى فيه إبداع الكاتب مع دخولي في خريف العمر».
الملحمة الروائية حازت على اهتمام المتلقين والنقاد، تجلى ذلك في اختلاف الآراء النقدية، فالدكتور والناقد "حسان عباس" يقول: «عندما كنت أعلم طلابي ماهية النقد الأدبي وما يقوله "جورج لوكاتش" عن الملحمة وأسباب وجودها: هو أن من عاش خلالها كان يراها متجردةً عن الفلسفة، ولم أجد المثال العربي الذي يترجم هذه المقولة إلى أن قرأت "ليال دمشقية"، ما يميز الرواية هو الحياة بلا حدود، حرة ومنطلقة، واللغة المكسرة التي تخلق التماهي بين الفرد الإنسان والكون، هذا النوع من التفكير الحياتي لا ينسجم إلا مع هذا النوع من الكتابة المتخلي عن النظرة الدوغمائية للكون، فهي ذريعة أكثر من كونها فلسفة لتظهر الروح الحرة بعيدةً عن المحسنات والمجملات، وقد أحسن الكاتب تقطيعها إلى يومياتٍ ليخلق حالة عدم الاتزان والتناسق ليبقي القارئ مشدوداً ينتظر الأحداث في كل سطر».
فيما ترى الروائية "سمر يزبك" أن العمل يحمل كل معاني الفلسفة فتقول: «العمل متكامل وليس روايةً واحدة، بل هو تداخل روايات، تدخل وتخرج من الزمن بسلاسة، فكل شخصية موظفة لخدمة فكرة عبر علاقة طبيعية تسير بسرد متواتر للأعلى، لكن العلاقات تشير إلى الرؤية الرمزية، العمل فلسفي محض وينضح بالمعاني الفلسفية من خلال التقاطع مع الأساطير وإسقاطها على الواقع، واللغة تليق بالقصة فهي ليست مكسرة لكنها مكثفة ولاهثة ومتوترة تتكلم بإسهاب وهذا ما يميزها كملحمة».
وعن الإيقاع النصي الموسيقي للرواية تحدث العازف "أبان زركلي" فقال: «شخصيات القصة وموجوداتها من الكرسي وشجرة التوت والقمر، كلها أعطت لغة إيقاعية متماهلة، تعطي مدى لكل شيء مع وجود الحركة، العمل يجمع مساراً واقعياً مع مساراتٍ رمزيةٍ، وتجسيد الأحداث ذات التاريخ السحيق مع الحرارة الواقعية، والجمع بين الإنسان الفطري والرؤية الشمولية عن معنى الحياة، وهي بدورها تشكل الموسيقا النصية في الرواية».
يشار إلى أن إصدار "ليالٍ دمشقية" هو الجزء الأول من مشروعٍ يعمل الكاتب الروائي "رفيق ميرخان" على استكمال أجزائه الأخرى.