تتنوع التجارب الشعرية في سورية تَنوُّعَ أشجارها وثمارها، وأزهارها وأطيارها، وتمتد من أرَقِّ جهة في القلب إلى أندى جهة في الروح، فتعمُّ السهلَ والتلّ والجبل والنهر والبحر والبادية، فإذا بالمتذوق لا يمل من كثرة ما ذاق وعرف، ومن "داريا" هذه البلدة التي لا تظمأ من طول ما رواها "بردى" نهر الذكريات التي لا تغيب، يطالعنا "زهير هدلة"...
الشاعر الذي لا يتخلّى عن هدوئه، ولا يفارق عفويته سواء في عالم القصيدة، أو في عالم الواقع، أو في العالم المتشكل منهما معاً، فريق eSyria التقى الشاعر "هدلة" الذي تحدث عن عوالمه الشعرية، وقدم عدة آراء في عدة قضايا أدبية عامة وخاصة من خلال الحوار التالي:
** تطورت تجربتي الشعرية منذ صدور كتابي الأول، لكنْ ليس كثيراً، ولو أني أبرر لنفسي بعضاً من هذا البطء في التطور.
** ألتزم قضايا أمتي، فأنا ابن هذه الأمة، ولا يليق أن أحلق بعيداً متناسياً أحلامها وهمومها، ولكنَّ هذا لا يعني تقصيراً في حق النص الشعري، وعندما أكتب ملتزماً لا أجدني أبتعد عن الشعرية، ربما يبدو في النص شيء من المباشرة، ولكنْ لا أظنه يبتعد عن مقومات النص الشعري الجيد، والشاعر الملتزم قد يكتب في كل أغراض الشعر، ولا أظن الالتزام يمنعه من ذلك، ولكنْ عندما يتعرض الوطن لعارض ما، يكون هذا الشاعر قريباً وحاضراً.
** لكل شاعر رؤيا يعمل من خلالها.
** نعم، أنظر إلى النص من خلال اللغة وحسن استخدامها، التصرف بها، انعطافاتها، متانتها، سلاستها، سلامتها، قدرة الشاعر على الإدهاش، براعة الشاعر في تشكيل صورة كلية مبهرة من خلال عدة صورة تقدمها القصيدة، الموسيقا، ثم لا بد للقصيدة من أن تتملكك دون عسر، فلا تحس بأنك تُدفَعُ دفعاً إلى دخول عالمها.
** قصيدة النثر تعاني من جهل بعض الشعراء الجدد بعالمها، بمعنى أن البعض ممن لا يتقنون الشعر يلجؤون إلى قصيدة النثر هرباً من صعوباتٍ يجدونها في العروض وهم يكتبون قصيدة البيت أو
قصيدة التفعيلة.
** القصيدة شيء، والنثر شيء آخر، وإذا كان الأمر كذلك، فهل كتب "الرافعي" قصيدة النثر؟!
* لكنك تكتب قصيدة النثر؟
** أكتب قصيدة النثر، وربما قرأتَ لي منها، وأجدها تمنحني القدرة على التعبير بهدوء وراحة، ولكن عالمي الشعري الذي أرتاح إلى الكتابة فيه هو في قصيدة البيت أو قصيدة التفعيلة.
** الأزمة مشتركة، لا يتحملها الجمهور فقط، فالشاعر الذي يحلق بعيداً عن الجمهور بحجة الحداثة أو سواها، والشاعر الذي لا يتطور، يُنفِّر الجمهور، كما أن لحسن اختيار القصيدة دوراً في جذب الجمهور، وأنا لا أوافق الرأي الذي يعمل بالمقولة: «لماذا لا تفهم ما يقال؟!»، وتذكر أخي "قحطان" في أمسيتنا الأخيرة رغم وجود الكثير من الشعر المباشر عند بعض المشاركين، إلا أن الجمهور تفاعل معك كثيراً، وهذا يدل على أن الجمهور قادر على التمييز، وذواق للشعر الجيد.
** لازمت الأطفال في عملي ثلاثين عاماً، هذه السنون قدمت إليَّ الكثير من أجل الدخول إلى عوالم الطفل، ما يحب، وما يكره، ما يشده في النص الشعري، وما يُنفِّرُهُ منه، ولم أكتب للطفل إلا في مرحلة متأخرة، لأن الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابة.
** الكلمات السهلة المستحبة، غير البعيدة عن عالم الطفل اللغوي، وأن تُغني القصيدة ملكات الطفل (الجمال، الخيال، الأخلاق، اللغة)، وألا تطرح النصيحة بشكل فج، فالطفل ينفر من كل ما يقيد (افعل، لا تفعل)، وعلى الشاعر اختيار الأوزان المناسبة للموضوع، والأفضل البحور الغنائية القصيرة، والابتعاد عن الجوازات التي توقع الطفل في إرباكات لفظية.
** هناك تجارب جليلة تركت أثرها على جيل كامل، وهناك كتابات كثيرة لا ترقى إلى الكتابة الشعرية الطفلية، والأشد إيلاماً أنها تجد طريقها إلى الكتب المدرسية أو وسائل النشر الموجهة إلى الطفل.
** الملتقيات الأدبية على الشبكة لها وجهان، الأول مفيد، والآخر غير ذلك، أما غير المفيد فيتجلّى من خلال المديح الذي يتداوله روَّادُ هذه المواقع فيما بينهم، مما يضخم الكاتب ويوهمه بشيء ليس فيه، ويجعله لا يقبل النقد، وأجزم أن هذا هو السبب الرئيس في تدني هذه الكتابات.
** ربما بعضهم لم تواته الفرصة، والبعض الآخر ربما يكون نتاجه غير ناضج ولا يؤهله للتواجد.
** الانطلاق بعيداً عن المحلية، والتعرف على تجارب أدباء من أقطار أخرى، فلولا "الإنترنت" لما تَمَّ هذا، وأجزم أن من بين كُتَّاب هذه المنتديات من يليق أن نتعرّف تجربتَه، وربما يتعرّف تجربتَنا.
** في كل عمل مؤسساتي لا بد من أخطاء، وتقل هذه الأخطاء أو تكثر بحسب القائمين على إعداد الخطط وتنفيذها، ولو كنت أنا أو أنت في مكان يسمح لنا بالتخطيط أو التنفيذ لما خلا عملنا من الأخطاء، وحتى الآن لم أدخل في مفاصل العمل لأدرك الصعوبات، ولكننا كأدباء نطمح إلى الأفضل دائماً، وهذا ما يجعلنا غير راضين عن عمل الاتحاد أحياناً.
** لا أظن أن جميع أعضائه مبدعون، أما كيف جمُِعَ المبدعون وغير المبدعين في الاتحاد، فهذا أمر يطول شرحه، وفي الحديث نواشز كثيرة مؤرقة.
** لست راضياً.
نبذة عن الشاعر:
"زهير هدلة" من مواليد بلدة "داريا" بريف دمشق: 31/8/1958.
متزوج، وله أربعة أبناء: "محمد"، و"مجد"، و"زيد"، و"معتصم".
يحمل إجازة في الآداب /قسم الجغرافيا/، ويحمل أهلية التعليم الابتدائي.
يعمل حالياً موجهاً تربوياً بعد أن أمضى عشرين عاماً مديراً لمدرسة.
عضو "جمعية الشعر" في "اتحاد الكتاب العرب".
أمين سر "فرع ريف دمشق" لـ "اتحاد الكتاب العرب".
المدير الإداري لـ "ملتقى الحكايا الأدبي".
حصل على عدة جوائز في الشعر، والشعر الموجه إلى الطفل.
ينشر في عدد من الصحف والمجلات المحلية والعربية.
له خمسة أعمال شعرية مطبوعة:
"أزاهير السحر" 1983، "أزاهير من دماء" 1985، "يا قمر" 1993، "على ضفاف القلب" 1999، "لماذا أحبك؟" 2006.