أقيمت في "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى" أمسية شعرية وحوارية مع الشاعر "نزيه أبو عفش" والتي حضرها عدد من الأدباء والمهتمين بالأدب العربي من عرب وأجانب، وفي هذه الأمسية ألقى الشاعر مجموعة من كتاباته الأخيرة والتي تنتمي إلى ذات النسق الشعري المعروف عنه والتي تتناول عذابات الإنسان من خلال حالة العذاب والقهر الذاتي.
موقع eSyria حضر الأمسية في 11/12/2010 ورصد وقائعها، حيث قدم الدكتور "جمال شحيّد" الباحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى الأمسية من خلال هذا المدخل: «كان محمود درويش شديد الإعجاب بشعر "نزيه أبو عفش"، وله أسباب منها أن "نزيه" أغرم بالشعر منذ فتوّته، وهذا الغرام بينهما سيقتله كما قتل المتنبي، ومنها أيضاً أن "نزيه" ركز على تيماتٍ أساسية خاصة به "المسيح الشهيد، القبر والتابوت، سيزيف السوري، الحزن الخلاصي، جحيم دانتي،..الخ"»، في ديوانه إنجيل الأعمى يقول:
لمستقبلي الذي اسمه "سلمى عمر أبو عفش" كتبت لها جملتين: ابتسامتكِ جديرةٌ بأن ترسمَ على علم، وضحكتكِ تصير النشيد الوطني لشعب الأرض
لا تشهق يا روح أبيك العالي
يا روح أبيك النائم
يا درّة روح أبيك
لا
يا ذا الجالس يتبسم في أيقونته
لا تشهق
هو ذا بيت أبيك الأزرق
لا يلبث أن يغرق
ويخاطب أباه قائلاً:
يا أبتي، لست ابنك، لست حفيدك، لست وريث خطاياكَ
ولا منشد أعراسكَ
لست أخاك ولا عبدك، لست القديس ولا الخاطيَ
لست يهوذا النادم يتمرغ تحت صليب يسوع، كي يطلب غفران يسوع
ولست يسوع كي أمنحه مغفرتي،
لست سوى نفسي.
وتابع الدكتور "شحيّد" يقول" «يكتب "نزيه أبو عفش" قصيدته بأناةٍ وتروٍّ كصانع السجاد اليدوي، قطبةً قطبة، ومطرّز الصايات الشامية خيطاً خيطاً، ويحبكها كما تحبك الأم ظفائر ابنتها قبل ذهابها إلى القداس، كل هذا مع شمٍّ من الأسى لا أعرف من أين هبشه، ذات يوم غير بعيد سيستيقظ الناس فيجدون الأرض مغطاةً من نجومٍ ميتة، سيلقي علينا "نزيه أبو عفش" عدداً من قصائده الأخيرة، ومن ثمّ سيحاوره الجمهور حول تجربته الشعرية، وبعد انتهاء الحوار سنشرب كأساً على شرف نزيه، وعلى شرف الشعر الراقي».
وأضاف «فاتني أن أقول أننا هنا في المعهد الفرنسي نعدّ كتاباً باللغتين العربية والفرنسية لأربعة شعراء سوريين ترجمت لهم "كلود كرول" عدداً من القصائد، و"كلود كرول" هي مترجمة سويسرية تعيش في سويسرا وتأتي سنوياً إلى "دمشق" تمضي فيها شهراً تقريباً، وهؤلاء الشعراء هم: "شوقي بغدادي، منذر المصري، فرج بيرقدار ونزير أبو عفش"» .
وعلق الشاعر على الدكتور "جمال" فقال: «أنا مرتبك، أما عن التروي الذي أشار إليه الدكتور "جمال"، التروي في الكتابة، فلم يعد له وجود، الآن أرتجل كمن يريد أن ينتهي قبل أن يبدأ وأكتب كمن يريد أن ينفو (يتنحى)، قبل سويعات قليلة كي لا أخذلكم وأخذل نفسي، ارتجلت ما يشبه الواجب المدرسي على شكل شهادةٍ بسيطة».
وأجاب "أبو عفش" الشاعر والفنان التشكيلي وعازف العود عن سؤال إن كان هناك تأثير من الفنون الأخرى التي يتقنها على الكتابة، بمعنى آخر هناك خانة للشعر، وخانة للفن التشكيلي، وخانة للموسيقى، ولا تداخل بينها،فقال: «لا إطلاقاً، ربّما في اللاوعي، الحواس تأسست بصرياً وسمعياً.. الخ، بحيث أن اللواقط الخاصة صارت مأهلةً أو مشحوذةً أكثر، ولكن بشكل عام، منطقة الموسيقا ومنطقة الرسم منطقتان مختلفتان تماماً ومعزولتان تماماً، الشعر يأتي من مكان الشعر الذي هو عندي مكانه الصرخة، هو مكان الغضب، وهو مكان الرغبة في الانتقام، هو مكان الشرّ، مكان الشرّ الذي أغطيه بكلمة الحبّ، عندي لا علاقة أبداً، أنا أنسى نهائياً عندما أكتب الرسم والموسيقا وحليب أمّي، وأنسى كل شيء».
وقد ورد في حديثه خلال الندوة مصطلح الشعر الأخلاقي والذي سؤل عنه، فأتى جوابه: «لا أريد أن نختلف، ولا وقت لكي نختلف على تعريف ما هو أخلاقي، الشعر المَعْني بالقيم الإنسانية، وكما قلت الشعر المنخرط فيما هو يومي وإنساني، ما قصدته بالأخلاقية، الأخلاقيات الدينية والاجتماعية.. الخ، أنا أؤمن أن هناك أخلاقاً في الفن، وأنا مع "بونوين" الذي كان يقول: (كل ما لا يتحول إلى تقليد، لا يستحق أن يدخل إلى الحداثة)، الأخلاق جزء من التقليد، المعيار والقيمة، هذا ما قصدته بالأخلاق، الأخلاق ضدّ التنصّل، من المؤكد لم أقصد ما هو أخلاقي بالإرغام، بالاستجابة لأي شيء، لا.. فلكلٍّ منا أخلاقياته، لكلٍّ منا ما يريد أن يدافع عنه، القيم».
وعن كلمات يمكن تكتب على علم يقول: «لمستقبلي الذي اسمه "سلمى عمر أبو عفش" كتبت لها جملتين:
ابتسامتكِ جديرةٌ بأن ترسمَ على علم،
وضحكتكِ تصير النشيد الوطني لشعب الأرض».
يقول الأستاذ "أنيس خليفي" مدير مؤسسة "لقاء" للفنون العربية عن الأمسية و"نزيه": «يبدو أنّ هناك حالة يأس من الفضاء الشعري، أو من كتابة الشعر المتداول حالياً في الوطن العربي، لدى الشاعر "نزيه أبو عفش"، وأنا معه في هذه النقطة لأنّي أعتقد أن استسهال البعض بكتابة الشعر الآن، أو لكتابة أي نص أدبي صارت مسألة فعلاً لا أخلاقية، لأنه عندما تكتب فقط رغبةً في الكتابة،رغبةً بأن تظهر لنفسك بأنّك موجود، أو لتحقق توازناً، بقطع النظر عن كتابة حقيقية لشيء حقيقي، هذا فعلاً مؤلم».
أما الأستاذ الباحث "حسان عباس" فيقول: «كما نعرف "نزيه أبو عفش"، منذ وعينا على شعره من 30- 40 سنة، ونحن دائماً أمام نفس الحالة من السوداوية والكآبة، ولكن لا تحسها بأنها سوداوية وكآبة مجانية، وإنما خلاقة، وكأنه بحاجة دائماً لتطبيق النظرية التي تقول: لا يمكن للورد الجميل أن ينبت إلا بالطين، فهو يعبّر بقدرة هائلة على هذا الطين الحمأة، الذي نعيش فيه لكي ينبت شعراً جميلاً جداً، أنا سعيد جداً أن "نزيه أبو عفش" بقي حتى الآن يدغدغ مشاعري وأحاسيسي ويؤثر بي، كما كنت أقرأه وأتكلم معه منذ 40 سنة، هذا الشيء مدهش وملفت للنظر، أنه ما زال هناك أشخاص قادرون على ألا يتغيّروا».
ويعلق الدكتور "جمال شحيّد" بالقول: «أعتبر أن "نزيه أبو عفش" هو من أهم شعراء سورية حالياً وأعمقهم، صحيح أن نظرته متشائمة للشعر ولما يحدث في العالم، ولكن هذا هو الواقع الذي نعيشه، نزيه أمسك بأسرار الكلمة، أمسك بأسرار الشعر، اللغة التي يكتبها نزيه هي لغة متميزة، لغة قريبة من المعاصرة، وبنفس الوقت جميلة ورهيفة وشفّافة».
الآنسة "نسرين أبو خميس" تقول: ما سمعناه اليوم يقودنا إلى مساحات من الحزن والتشاؤم المسكون به الشاعر، بعد فترة طويلة كنت أتمنى أن أسمع شيئاً مختلفاً عند "نزيه أبو عفش" وأن يرى نصف الكوب الملآن لأنه القادر على خلق صورة وجملة شعرية تميزه تماماً».
لكن الصحفية "أمينة عباس" تقول: «أمسية الشاعر "نزيه أبو عفش" كانت مختلفة عن أي أمسية أخرى لأي شاعر آخر، "نزيه أبو عفش" دائماً يفاجئنا بما يكتبه وبما يقوله، ولكن ربما ما أحزن الحضور هو ذلك الإحباط الذي شعر به الجميع والذي يعاني منه هذا الشاعر الكبير، وقد عبّر عنه صراحةً وأورد هذه الأسباب التي لا تبدو غريبة عن المحيط الذي يعيش فيه، أو حتى الذي نحن نعيش فيه، هناك إحباط في جميع المستويات عند الشاعر "نزيه أبو عفش"، وهو أمر طبيعي لشاعر يتمتع بحساسية كبيرة باتجاه كل القضايا الصغيرة والكبيرة، قد تكون مرحلة أو منعطف في حياة هذا الشاعر، ولكن رغم ذلك أستطيع أن أقول بأنها حالة تشبه الشاعر "نزيه أبو عفش" الذي عودنا دائماً أن يتحدث عن الآلام وعن الإحباطات وعن الانتكاسات وعن الآلام وعن الحزن».
والجدير ذكره أن الشعر "نزيه أبو عفش" من مواليد مرمريتا 1946.
صدر له منذ العام 1968 وحتى العام 2005 الأعمال التالية: "الوجه الذي لا يغيب، حوارية الموت والنخيل، عن الخوف والتماثيل، أيها الزمان الضيق.. أيتها الأرض الواسعة، وشاح من العشب لأمهات القتلى، الله قريب من قلبي، تعالوا نعرّف هذا اليأس (نصوص)، بين هلاكين، هكذا أتيت.. هكذا أمضي، ما ليس شيئاً، ما يشبه كلاماً أخيراً، أهل التابوت، الله يبكي".
الأعمال الشعرية في جزئين "إنجيل الأعمى، ذاكرة العناصر".
صدر له كتيّبان من قصائده المختارة باللغة الفرنسية ترجمة المستعربة السويسرية "كلود كرول" كما صدرت له مختارات باللغة الإيطالية بعنوان: "باحثاً عن الحب والحرية" ترجمة المستعرب الإيطالي "إيروس بالديسيرا".