في روايتها الثالثة "سلطانات الرمل" تناولت الكاتبة "لينا هويان الحسن" عالم القبيلة حيث دخلت إلى أعماق العشائر في بادية الشام وعوالمهم مع ذكر واضح وصريح للأسماء واعتمدت على المراجع القريبة من حياتها، وكذلك على الوثائق التاريخية. موقع "مدونة وطن" كان له هذا اللقاء عن روايتها:
*عوالم البدو، تاريخهم، و ذهنيتهم الثقافية وعمق تفاصيل حياتهم والقيم والتقاليد التي يؤمنون بها، كل هذا الزخم عن هذه البيئة شبه المنسية، هل تحدثينا عن ذكريات دافئة عشتها في هذا العالم لنقرأ عن كل ذلك؟
**سأبدأ من قول لأحد الفلاسفة يؤكد فيه:" أن أي نص هو خلاصة لما لا يحصى من النصوص قبله " وهذه النصوص أو ما يمكن اعتبارها نصوص تسربت إليّ بلحظة تقاطع حضري- صحراوي نادرة وبسبب ظروف خاصة عشتها في كنف أقاربي البدو حتى إخوتي لم يعيشوها . منحتني طفولتي "الخاصة" مخيلة مشتعلة. واحتجت لوقت طويل لأكبر وأعيش الحياة المدنية بكامل ممكناتها لأكتشف أن هنالك قدرا نادرا تدخل في حياتي وأسس لذاكرة لن تكون ذابلة قط . . في البداية كنت استثمر ذلك التنوع الغريب الذي حظيت به بقص الحكايا الغريبة على إخوتي وزملائي في المدرسة وكانت تلك أولى تمريناتي " الروائية" وكل من قرأ أعمالي انتبه لاعتمادي بنية الحكاية. . ولدي قناعتي الخاصة بهذا الشأن: يفترض بالروائي في أحيان كثيرة أن يكون "حكواتيا" حتى يضمن إبعاد شبح " الملل" عن نصه.
*أيضاً نقرأ أن هذا العالم رغم اختلافه إلا أنه قابل للتغيير أمام مواجهة حوادث التاريخ وحروبه ، فهل أردت توثيق ذلك من خلال الرواية؟
**أكثر الأشياء ثباتا في الحياة هو التغيير, إنه نسغ الحياة, والتغيير هو العملة المعتمدة من قبل التاريخ, يختزل قوة ونشاط البشر وكل ما يمكن أن تصبو إليه السير الذاكراتية من تنوع, ولهذا "تحدث" الحياة. . لكن السؤال كيف نتغير؟! هل يمكن للتغيير أن يحصل دفعة واحدة؟ أم أنه يأتي نتيجة تراكم هادئ ومتوازن فيأتي التغيير في سياقه الطبيعي؟ خلال الرواية عدت بالزمن إلى الوراء وناوشت ما اندثر, أو الأصح ما كاد يندثر, فالذاكرة مع الأيام تصبح أكثر نفاذا, أكثر مخاتلة, ومتحدية . . وهنا تبرز رشاقتنا: هل نمسك بها أم أننا نتوهم ؟ ! كيف نميز بين ظلالها الكثيرة ونعثر على الجذع الحقيقي . .!؟
*صورة الحب التي قرأنا عنها مع العاشقين اللذين يعيشان الحنين الدائم إلى البادية بعد رحيلهم عنها رغم تأقلمهم مع الحياة المدنية يجعلنا نقرأ ثورة فكرية للبدوي بانحيازه إلى المدنية كيف تفسرين ذلك؟
**البدوي مثله مثل غيره لم يكن أمامه خيار أفضل من "التغير" لصالح التمدن والتحضر, وأحيانا نسف كامل ماضيه . . وبعض هؤلاء ذكرتهم في الرواية.
البدوي هو فجر البدايات وأول تثاؤب للقلب, البدوي يحركه قلبه أكثر من عقله, ميزته عن ابن المدينة أنه لا يوارب بمشاعره ولا يجامل, فقط قد يكبتها من باب اللياقة التي فرضتها عادات المجتمع القبلي بقوة وإصرار. عندما أعود بذاكرتي للهجة البدوية ولطريقة محادثتهم لبعضهم البعض طريقة عشقهم وحتى كرههم وبغضهم كل ذلك كان يتم بلغة غاية بالتهذيب وفي الرواية سقت بعض المقاطع لرحالة أوروبيين أكدوا هذه الميزة التي لم يألفوها لدى غيرهم من الشعوب. البدو أناس مهذبين حاسمين جارفين لا توسط لديهم " الرماديات" مرفوضة في منطقهم المعلن: أبيض أو أسود, هذا الوضوح سبب الكثير من حروبهم وبذات الوقت سبب الكثير الكثير من الحكايا إنهم بشر يمضون بغاياتهم حتى النهاية, ومهما كان الثمن وهنا قد نختلف معهم ولكنه شأن يفرض "الاحترام" والإعجاب وأحيانا الدهشة وأحيانا الرفض.
*اعتمادك على أحداث تاريخية حقيقية وأسماء مثل قبيلة "شمر, طي" وقبيلة "عنزة" والشيخ "طراد الملحم" والشيخ "سطام الشعلان" يجعلنا ندرك أهمية ماسمعته ودونته من ذاكرة الأهل، فماذا كان رأي النقاد بهذا التوثيق؟
**أدرجوها ضمن سياق الرواية التاريخية أو التوثيقية وبعضهم رأى في ذلك "أرشفة", وبالمقابل كان هناك من هو متحمس لطريقتي الخاصة التي كنت قد ابتكرتها في رواية بنات نعش وطورتها أكثر في سلطانات الرمل واعتبروا ذلك ميزة مضافة إلى أسلوبي الروائي الخاص والذي لا تشبهه تجربة سابقة.
*"قطنة بنت الكنج" التي بسببها نشبت حرب بين "الرولا" من "العنزة" وبين "بني صخر"، هذه المرأة اللبؤة، كرست صورة المرأة البدوية القوية التي تتمثلينها بامتياز، هل نسمع رأيك بهذه الشخصية؟
**ربما بسبب "قطنة الكنج" أطلقت تسمية "سلطانات الرمل" على روايتي فلم أقل مثلا: سيدات الرمل أو إناث الرمل . . قلت "سلطانات" أي السلطة الآمرة الناهية والمستبدة التي لا تكترث لشرِّها المحتمل. . أردت تقديم نموذج للمرأة الخام والتي تفوق الرجل في إصرارها على هواها أو ما تريد وقدمت بعض السلطانات الحقيقيات وسقت الشواهد التاريخية لصالح مصداقيتي بالدرجة الأولى وذكرت مصادري بالتفصيل وهذا أيضا ساهم في رسوخ "سلطاناتي" أكثر بذاكرة كل من يقرأ الرواية وهذا ما أريده بالضبط.
*هل فكرت يوماً أن روايتك قد تساعد على تغيير فكرة عامة، أو مصير ما؟
**على الكاتب أن لا يفكر وحسب, عليه أيضا أن يخطط, وبذلك يجعل لنصه مستقبلا ويمنحه روحا والروح لا نشعر بها إذا لم يكن لها تاريخا! لذلك كتبت مع إصرار مسبق متعلق بنيِّةٍ حقيقية بتغيير نظرة سائدة عن عالم مغبون وحقيقته لا تشبه ما اعتاد الناس رؤيته في المسلسلات البدوية التي لم تزل لا تشبه أرض الواقع. وكل من قرأ "سلطانات الرمل" عاش دهشة المفارقة بين المتخيل والواقع .
ولدى سؤال الصحفي والناقد "راسم المدهون" عن رأيه بالرواية عبر اتصال هاتفي قال" لقد كتبت عن تلك الرواية وقلت إن "سلطانات الرمل" رواية حياة، وتقدّم "نكهة" أخرى للرواية العربية، حيث تكشف قراءتها الاختلاف في بنائية العمل الروائي، إذ أنها تستحضر التاريخ بما هو حوادث تعني شخصيّاتها وأبطالها، فهي تختار أبطال روايتها في صورة انتقائية، وتختار معهم زمنهم أو ما يلتصق بهم من زمنهم، وتذهب نحو معاينة حيوية لصورهم الداخلية، ومفاهيمهم للحب والحرب، للمرأة والفروسية، ولسيل التاريخ الجارف وهو يقصيهم عن رتابة عيشهم وسكونيته ويزجّ بهم في حمأة الحضارة، التي يجدون أنفسهم في ارتطام معها عند صدور "قانون إلغاء نظام العشائر"، زمن الوحدة المصرية السورية. هنا بالذّات يمكن التاريخ أن يكون حدّا فاصلا يطيح تلك الحياة، أو يخلخل ركائزها، ويدفعها للتأقلم مع نوع آخر يقع في المساحة الرجراجة والملتبسة بين البداوة والريف. قارئ الرواية سيتوقف طويلا أمام رمزية "السراب"، مفردة التيه والمخيلة والوهم في بيداء شاسعة مفتوحة على كلّ شيء
يذكر أن "لينا هويان الحسن":
مواليد ريف حماه / الحمرا /1977/م
تحمل إجازة في الفلسفة من جامعة دمشق- دبلوم دراسات عليا / فلسفة.
من مؤلفاتها:
معشوقة الشمس رواية / دار طلاس /2000/
التروس القرمزية رواية / دار الشموس /2003/
مرآة الصحراء / كتاب توثيقي / 2004
بنات نعش رواية / دار شهرزاد الشام / 2005/
-سلطانات الرمل /دار ممدوح عدوان/ 2010