استطاعت الكاتبة السورية "عبير اسبر" أن تتواجد في عالم الأدب والرواية السورية بعد صدور روايتها الثالثة "قصقص ورق" التي أراد موقع "مدونة وطن" أن يحاور الكاتبة عنها فكان اللقاء التالي:
نقرأ عن بطلة الرواية "عهد" أنها موسومة بكل صفات المثقف العربي الليبرالي الذي يثير رعبه التهديد دوماً بالفكر الأصولي الديني. ما تواجهه مثل هذه الرواية من تحدي الراهن أو الشهادة على الراهن، ومن فخ المرحلي، وبالتالي، من تحدي التاريخ، وهذه الرواية تسجل منذ البداية إدراكها لذلك كله، وتوجزه بتحدي الحاضر والتاريخ. لا تترك رواية "قَصْقِصْ ورق" نسبها مترجحاً بين السيرة والرواية، وتوفر على النقد أن يصنفها كرواية سيرية، منذ أن تعلن الكاتبة عن سكناها للهامش كممثلة لجيلها الذي كره الحروب والقضايا، وورث من الهزائم ما جعله ينسى كيف هي الأحلام، أو حتى الأوهام. وهذه الناطقة باسم الجيل الشاب، السوري أولاً أو العربي أولاً، لا فرق، تعلن امتلاءها بالشك والخيبة، هي القادمة على الدنيا حرة حتى من الأحلام. لقد قررت الكاتبة أن تدع الحكاية معلقة أي أن تبقى خاتمة الرواية معلقة، متعللة بتبرئة نفسها من التاريخ، ومن الحقيقة، ومن تهمة السرد، ومن الهويات ولعناتها
** داخل اللعبة الروائية وأرجو التشديد على فكرة اللعبة الروائية.. الإحالات أو المتكأ كان تجربة "زياد الرحباني" الفنية، وأود التوضيح في هذا السياق أن خياري كروائية "كعبير اسبر" هنا، كان يتراوح بين مقاربة تجربة "زياد الرحباني"، أو الكاتب البريطاني "دوغلاس آدمز" كما صرحت مراراً، واخترت الرحباني لأن تجربته متداولة على نطاق أكبر في بلداننا العربية ومن السهولة بمكان التعاطي معها..
** لأنه بالنسبة "لعهد داغر" بطلتي كان الشخص الوحيد الذي لم يعطِ إجابات.. هو آت من الشك ومن الأسئلة، من هزهزة المسلمات، ومن المحاكمة بمعناها الأعمق.. بمعناها الوجودي، وجدتْ إجاباتها لديه لأنها اعتنقت الشك مبدأ، ولم تعد تبحث عن أجوبة، طريقته في المساءلة، كان جوابها، فلم تعد تعبأ بإيجاد "الإجابات" أو التمسك بيقين.
** الفكرة الأساسية هنا هي عدم البحث أو ملاحقة فكرة "الوصول" أن نصل إلى مكان ما!؟؟ وما الذي يعنيه ذلك بكل الأحوال.. هل يجب حقيقة أن نصل لخلاصة، لحكمة، لمكان مريح، يجعلنا نقف أو نريح أنفسنا من البحث والتقصي، من التعب المضني الذي تفرضه الأسئلة علينا!؟ هذا هو سؤالي الاشكالي "أنا" الروائية، وطبعا حمّلته "لعهد" التي أرادت أن تصل كما أشرتِ، إلى مكان ما يريحها إن كان عبر التهتك، أو الإيمان، الثقافة أو الفن!
واستطرد هنا: أن أكبر معضلة فرضت علينا كبشر، هي حالة "الطريق"، الحياة طريق نمشيه تجاه الموت، بداية نقطعها تجاه النهاية، ويبقى السؤال! هل الوصول هو الهدف، أم متعة الرحلة!؟ عهد السائرة لا أدري إلى أين، كانت بغباء يشبه غباء معظمنا تريد الوصول إلى مكان ما.. تريد اليقين، الذي هو عصي على التجسد، لا هيئة له، متغير، منزاح، يهندس دوما بمقاييس اعتباطية، لا قواعد، لا منهج! إذا لا يقين.
** علي الإجابة بدقة هنا، نحن جيل الارتباك، لم نجتمع مرة "أعني كجيل" تحت حالة ممسوكة توحد رؤيتنا، التخبط هو سمة أساسية تصم أداءنا الحياتي، كل وجد يقينه بطريقة فردية، هو جيل الفردانية بامتياز! وأعني ذلك وللمرة الأولى بمعنى سلبي.. أنا دوما كنت أصر على أن الفردية المطلقة هي أصل وفرادة الأمم.. لكن انتبهي عزيزتي، ذلك ينطبق على المنظرين، العلماء، الساسة، الفنانين، لكن معظمنا يكون بحاجة إلى أبوية ما! شيء ملتقط يوحد روح الجماعة.. نحن كائنات أمانها يقبع في حضن كبير، في أمة مثلا، في حلم، حتى إن تحول إلى كابوس، الأمان الذي تحتويه الجماعات، هو ما نفتقده كجيل.. ذو الفقار هنا، وجد أمانه في مكان ما، مكان ديني، عسكري، إيماني بالمعنى الأيدولوجي المعتقداتي، لا يهم.. أنا لم أوافق، أو أبارك ما وصل له من قناعات، اتفاقي أو اختلافي معه، ليس هو السؤال، لكن الذي أعجبني، هو الإيمان، قوة الإيمان، وخاصة أننا اتفقنا أننا جيل الشك واللا يقين، هو بطل هامش بامتياز، وأنا كتابي كان عن أبطال الهامش، صناع الحكايات، أكنت أوافق على تلك الحكايات أم لا أوافق..
** التهتك هنا، إن كان عند الأب، أم عند "عهد"، لم يكن سوى دليل آخر على الخواء الروحي، والبؤس الذي نصل له جراء الملل.. في الرواية، جملة تقول "الملل هو أصل كل الرذائل" لم أتحدث عن التهتك بالمعنى الأخلاقي المحدد للفضيلة وللشرف إلخ.. هذه معالجة فقيرة وساذجة لفكرة معقدة كالتهتك الجنسي.. الخواء هنا ما عناني عند أبطالي.. أشابهت البطلة أباها، أم لم تشابهه.. لم يكن هذا سؤالي على الإطلاق، بل الوحشة الروحية التي تأكلنا عند افتقادنا للمشروع الفردي، للقناعة، للسكنى إن كان في أرواح آخرين، أو حتى في أجسادهم، افتقاد الأمان، أن تسلمي روحك، جسدك لآخر.. وهو ما لا يستطيع معظمنا فعله، فنلجأ عندها لحيل مثل التهتك الجنسي، نكران الحب، السخرية من الحميمية، تعدد العلاقات.. إلخ.
** أنتِ قلتِ.. هو دليل على تشوه كل شيء.. الحب.. الأفكار.. الأحلام.
** أعتقد أن أهم الثورات التي حصلت في تاريخنا الحديث ووجدت نفسي أتعاطف وأنخرط بها هي الثورة الرقمية، أعطتني أملا بأن الفنون المكلفة مثل السينما، الموسيقا، أو حتى الكتابة، بامكاننا تنفيذها بأقل التكاليف وبجودة ونوعية معقولة، وليست حكرا على الحيتان، على الأقل البدايات وتقديمك إلى الآخرين كخطوة أولى، الفنون الجميلة، لم تعد متعالية، أصبح من حق الجميع الانخراط بها.. وهذا الأمل وُزع بالتساوي على الكل، وأصبح من الممكن لنا الآن أن نصل وننفذ الفنون بموارد ضئيلة، لن أتناول صناعة الأفلام، هي قصة معقدة قليلا، وأنا تحدثت طويلا عن الأفلام، ولم يشاهد لي فيلم منذ ست سنوات!! سأتحدث عن ذلك عند النهاية من فيلمي هذا العام.. بكل الأحوال.. أعطيك مثالا آخر.. أنا لم ألتق في رواية "قصقص ورق" بناشري وأعني "دار الريس" بشكل شخصي إلا بعد أن تمت كل المراسلات والاتفاقات والعقود عبر الانترنت وهذا شيء مشجع جداً. وقيسي على ذلك في معظم أنواع الفنون التي تجري في غرفة مع كاميرا ولاب توب وبضعة برامج كمبيوتر اختصاصية.. التجاوز كبير عما حصل في الثمانينيات، الوضع أفضل بمسافات.. ومن هنا يأت الأمل.
** أتمنى ذلك.. الآن يتم العمل على ترجمة "قصقص ورق" إلى الفرنسية، وكذلك هناك اتفاق مبدئي على ترجمة رواية "منازل الغياب" إلى اللغة الدانماركية.
الكاتب والناقد "نبيل سليمان" قال: «نقرأ عن بطلة الرواية "عهد" أنها موسومة بكل صفات المثقف العربي الليبرالي الذي يثير رعبه التهديد دوماً بالفكر الأصولي الديني. ما تواجهه مثل هذه الرواية من تحدي الراهن أو الشهادة على الراهن، ومن فخ المرحلي، وبالتالي، من تحدي التاريخ، وهذه الرواية تسجل منذ البداية إدراكها لذلك كله، وتوجزه بتحدي الحاضر والتاريخ.
لا تترك رواية "قَصْقِصْ ورق" نسبها مترجحاً بين السيرة والرواية، وتوفر على النقد أن يصنفها كرواية سيرية، منذ أن تعلن الكاتبة عن سكناها للهامش كممثلة لجيلها الذي كره الحروب والقضايا، وورث من الهزائم ما جعله ينسى كيف هي الأحلام، أو حتى الأوهام. وهذه الناطقة باسم الجيل الشاب، السوري أولاً أو العربي أولاً، لا فرق، تعلن امتلاءها بالشك والخيبة، هي القادمة على الدنيا حرة حتى من الأحلام.
لقد قررت الكاتبة أن تدع الحكاية معلقة أي أن تبقى خاتمة الرواية معلقة، متعللة بتبرئة نفسها من التاريخ، ومن الحقيقة، ومن تهمة السرد، ومن الهويات ولعناتها».
يذكر أن عبير اسبر حاصلة على إجازة في الأدب الإنكليزي- جامعة دمشق- عام 2000.
أصدرت روايتها الأولى "لولو" عام 2003.
أصدرت روايتها الثانية "منازل الغياب" عام 2007.
أصدرت روايتها الثالثة "قصقص ورق" عام 2008.