"الجاهلي الذي أنا" هي المجموعة الشعرية الثالثة، التي صدرت للشاعر السوري "خضر الآغا"، والتي تثير الحيرة لدى القارئ خاصة بوجود تلك اللغة الشعرية، والمفردات، والحدس الشعري.
في لقاء مع الشاعر لموقع "مدونة وطن" كان الحوار التالي:
شعرية "خضر الآغا" في هذا الديوان تحتفظ بالكثير من الأسرار اللغوية التي تعلن قرب الشعر وسقوطه، كأن سقوط الشعر مرهون بسقطة تلك الأسرار اللغوية المرتبطة بذلك الزمن المتقطع من دلالات تراها محمولة في هواء النص، لتصبح هذه الدلالات فيما بعد شكلاً من أشكال اللغة القطعية التي لا تتصدع ولا تنكمش مادام النص استحواذاً جمالياً، ونص كهذا عندما يبنى على أرض مقامها كلمات يغدو نصاً استنطاقياً مملوءاً بالإشارات الوهمية وتصدعات صياغية شاسعة على جنبيه، فالكلمات ما هي إلا إيماءات حركية عفوية مصحوبة بممارسة لغوية غامضة وواضحة كثيرة الفتن والافتنان، وتهيّج معرفي باطل محروم من إرثه التاريخي المؤسطر
** لو كنا نتاجاً فعلياً للمرحلتين، أو العصرين على وجه الدقة: العصر البدائي والعصر الجاهلي، لكنا، على الأغلب، أكثر إبداعاً وجمالاً وحقيقيّة. إن ما حدث أننا قمنا بخيانة إنسان ذينك العصرين، لقد أجهزنا على الإنسان الذي يسمى، استخفافاً، بدائياً، وحطمنا صياغته البديعة للكون. لقد صاغ البدائي الكون، وسمى الأشياء، ووضع القواعد الأولى للسلوك المعرفي للبشر وباقي الكائنات تجاه الحياة والكون... لكننا أجهزنا على كل ذلك وسخرنا منه، وأسميناه بدائياً في إشارة إلى تخلفه، وحرمناه من المعرفة، وزعمنا أنه لا يعرف! وعندما اكتشفت البشرية منذ زمن ليس بالبعيد أنها أخطأت بحقه، رأيناها تحاول، دون جدوى، ترميم ما بناه ذلك الإنسان وخرّبته هي.
حدث أمر مشابه للإنسان الجاهلي. لقد سخرنا منه، وأوقفنا نموه الثقافي والحضاري الفطري، وأطلقنا عليه تلك اللفظة التي تشي بأنه متخلف وجاهل: جاهلي! هو الذي بنى نظامه المعرفي والحياتي على الشعر!
إنه تاريخ مهمل، مسحوق، تاريخ بشر في حركتهم الدائبة نحو الحياة، تاريخ صنعه البشر والأشجار والحجارة والطيور والحيوانات والوعي واللا وعي.. وليس تاريخ الطغاة والعساكر والقوة... لهذا أمتدحه، ولهذا أنتسب إليه. بعبارة أكثر وضوحاً: أنا ابن العصر البدائي والجاهلي أكثر مني ابن الحضارة الحديثة والمعاصرة.
** الشعر بطبيعته، ووفق قوانينه الخاصة، يعمل في المهمَلات والمتروكات والمحرّمات.. وهو على علاقة وطيدة مع البعد الجواني للإنسان. يخرج من تلك المنطقة المعتمة والأحشائية والغائرة لدى الشاعر. وكلما أصغى الشاعر جيداً إلى جسده، كان حقيقياً، وكان شاعراً بطبيعة الحال، الأمر الذي يعني أنه سيتصدّى للمحرمات والمكبوتات وكل ما لا تستطيع الثقافات الرسمية التصدي له، بل تمنع ذلك، باعتباره، كما ترى، من التوافه، من جانب. ويكشف الحقيقة، فيما تريد هي الزيف، من جانب آخر!.
** في الشعر يحضر النص ويغيب الشاعر، ويبقى البحث عما قاله النص وكيف قاله عبر العلاقات بين المفردات، بين الكلمة والشيء، عبر اللغة إذاً؛ لا عبر مشاعر وأحاسيس الشاعر؛ هذا يفسر القلق في القصيدة، أو قلق القصيدة. يتحرك الشعر في هذه المنطقة غير المستقرة، على رمال متحركة، على زجاج مكسور، على شفير هاوية.. أتحدث عن الشعر الجديد بصفة خاصة، فهو شعر البحث عن السؤال الذي، كما يبدو، لا إجابة عنه! من هنا يظهر هذا القلق الذي تحدثت عنه، المسألة ليست شخصية فحسب، إنها شعرية.
** الشعر، لا يقدم معلومات، إنه يستكشف. بمعنى أنه حتى بعض التفاصيل ذات الصلة بالتاريخ التي يمكن أن تظهر هنا وهناك في هذا الديوان "الجاهلي الذي أنا" تبدو أنها مستندة إلى معلومات، فإنها لا تجيز للباحث في التاريخ الاستناد إليها توثيقياً، إنها حتى لو بدت، افتراضاً، على أنها معلومات، فإن ما يهم الشاعر هو شعريتها، البحث، طولاً وعرضاً، عن شعرية ما فيها (حتى في المعلومة، تصوري) إذ؛ عندما تحضر القصيدة فلتذهب المعلومات جميعها إلى الجحيم!
** الشعراء يقولون إنهم لا يفكرون، أثناء كتابة القصيدة، بالقارئ. بمعنى: لا يفكرون بقارئ ذي مواصفات معينة. إنهم يكتبون انطلاقاً من رؤيتهم للشعر، لفنيته، لقوانين القصيدة الخاصة، إنهم يصغون لذواتهم لا لما يريده القارئ.. وباعتبار أنني أقلد الشعراء فسوف أجيب الجواب ذاته، سواء أكان القارئ مثقفاً أم لم يكن.
** ثمة إعادة قراءة للتاريخ، إعادة كشف له، ثمة دخول في فراغاته، التاريخ الذي أحب استكشافه هو التاريخ الذي لم يكتبه المؤرخون، تاريخ هامشي، مقصي، تاريخ الآلام والكبت... مع هذا؛ فهذا التاريخ هو تاريخ شعري بلغة شعرية، وآفاق شعرية. مع التوضيح أن حضور هذا التاريخ في الديوان ليس حضوراً طاغياً، لقد حضر في بعض النصوص وبعض الإشارات.
أما بشأن أن ذلك يشكل عبئاً علي، فأرى المسألة من وجهة نظر تقول بأن الشعر معني بذلك، يجب عليه ذلك. الشعر، وإن كان لغة، فإنه لغة تقول... وأن تقول فهذا يعني الدخول من الباب الضيق، الموارب، الدخول من الجهة الأخرى للحياة. لا ينبغي للشاعر أن يعرف الآلام البشرية، بل ينبغي أن يسمع صوتها، أن يسمع صوت الاستغاثات البشرية المنطلقة منذ البدء الأول للإنسان، وأن تؤلمه أيضاً، بصرف النظر عن سؤال التعب والإرهاق والأعباء.
** الحب أسطورة، لكنها ليست عامة. أقصد أنه لا توجد أسطورة حب واحدة تنطبق على جميع العشاق. الأحداث المريرة في الحب متشابهة ومتقاطعة، لكن ذلك لا يعني أن ثمة أسطورة واحدة للجميع. أرى أن لكل عاشقين أسطورتهما الخاصة، لم يعد يُشترط في الحب أن يموت العاشقان جنباً إلى جنب وفي وقت واحد، بل ربما إن لكل منهما عدة ميتات في اليوم الواحد. الحب وباء البشر، لكنه الوباء الذي نتبعه مدركين، منذ البداية، أننا نتبع انهيارنا، وبؤسنا، ودمارنا، لكننا نتبعه، وسنبقى كما يبدو. هكذا هو الحب: الثقب الوردي الذي نتسابق للدخول الكارثي فيه!.
الشاعر والناقد "ابراهيم حسو" يقول عن ديوان "الآغا": «شعرية "خضر الآغا" في هذا الديوان تحتفظ بالكثير من الأسرار اللغوية التي تعلن قرب الشعر وسقوطه، كأن سقوط الشعر مرهون بسقطة تلك الأسرار اللغوية المرتبطة بذلك الزمن المتقطع من دلالات تراها محمولة في هواء النص، لتصبح هذه الدلالات فيما بعد شكلاً من أشكال اللغة القطعية التي لا تتصدع ولا تنكمش مادام النص استحواذاً جمالياً، ونص كهذا عندما يبنى على أرض مقامها كلمات يغدو نصاً استنطاقياً مملوءاً بالإشارات الوهمية وتصدعات صياغية شاسعة على جنبيه، فالكلمات ما هي إلا إيماءات حركية عفوية مصحوبة بممارسة لغوية غامضة وواضحة كثيرة الفتن والافتنان، وتهيّج معرفي باطل محروم من إرثه التاريخي المؤسطر».
يذكر أن الكاتب خضر الآغا شاعر وناقد سوري من السلمية/1963/. أصدر ثلاثة كتب شعرية (كتب يقول /1995) و(أنوثة الإشارة /1998) و(الجاهلي الذي أنا /2008) مع ثلاثة كتب نقدية.