تصدى الباحث "محمود مفلح البكر" لمشروع بحث وتدوين التراث الشعبي، وقدم مؤلفات متعددة في هذا المجال منها كتابه "القهوة العربية، والهجيني، وبيت الشعر، والعرس الشعبي، وآخرها كان "البحث الميداني في التراث الشعبي".. وغيرهم.
حول مشروعه التوثيقي تحدث الأديب "وليد أبو فخر" لموقع eSyria، قائلاً:
يعمل الأستاذ "محمود البكر" على جمع وتدوين التراث منذ أكثر من أربعة عقود وهو واحد من المهتمين والباحثين المنهجيين في دراسة التراث، وهو إضافة إلى أنه من بيئة تراثية شعبية، فقد قدم للمكتبة العربية أكثر من عشرة مؤلفات مرجعية، ووضع رؤية للباحثين في هذا المجال لأن يستعينوا بكتابه الذي يعد مرجعاً في البحث الميداني للتراث الشعبي، إذ عرض فيه المصطلحات واللهجات، ومقترحات لتطوير العمل
«يعمل الأستاذ "محمود البكر" على جمع وتدوين التراث منذ أكثر من أربعة عقود وهو واحد من المهتمين والباحثين المنهجيين في دراسة التراث، وهو إضافة إلى أنه من بيئة تراثية شعبية، فقد قدم للمكتبة العربية أكثر من عشرة مؤلفات مرجعية، ووضع رؤية للباحثين في هذا المجال لأن يستعينوا بكتابه الذي يعد مرجعاً في البحث الميداني للتراث الشعبي، إذ عرض فيه المصطلحات واللهجات، ومقترحات لتطوير العمل».
موقع eSyria التقى الباحث في التراث الشعبي "محمود مفلح البكر" بالحوار التالي:
** ماهية التراث الشعبي واحدة قديماً وحديثاً، فهي تمثل الأرضية الذهنية للشعب وقد ظلت أحقاباً مديدة تقوم بهذا الدور، إلى أن بدأت أجهزة الاتصال الحديثة بدءاً بالإذاعة وما لحقها من وسائل اتصال مسموعة ومرئية، ثم انتشار الكتابة، فأثرت كثيراً خاصة في الخمسين سنة الأخيرة، وبالتأكيد مع نهاية العقود الثلاثة الأخيرة، هذه الفترة تساقط كثير من حملة التراث الأصلاء وتشوشت ألسنة وأساليب تفكير الأجيال الحديثة، هذا التشويش جعل التواصل مع التراث محدود العمق وبالتالي صارت هناك منافسات قوية من المؤثرات الخارجية العابرة.
** التراث الشعبي في سورية محط اهتمام عدد محدود من المهتمين العرب، من أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين في تلك الفترة لم تكن الدول القطرية معروفة في بلاد الشام، ولم تكن قد تشكلت بعد وبالتالي كان التراث الشعبي في سورية جزءا لا يتجزأ من التراث الشعبي العام في المنطقة لذلك كل من اهتم في التراث الشعبي في تلك المرحلة لم يكن معنياً بالحدود القطرية، مثلاً الأب "بولس سيور البولسي" حمل مهمة دينية وتنقل بين "لبنان وسورية والأردن وفلسطين"، وخلال رحلاته نزل في المضافات العربية واجتمع بفئات مختلفة من الفلاحين والبدو وأبناء المدن، وشغف في تدوين كثير من العادات والمعتقدات وفنون الأدب الشعبي في كل المناطق التي مر بها، كذلك الدكتور "توفيق كنعان" ابن "القدس" الذي عمل طبيباً في الجيش العثماني وحتى بعد سيطرة القوى الاستعمارية على بلاد الشام جمع التراث الشعبي في جميع المناطق التي تجول بها من "فلسطين" إلى "حلب" ودون المواد الشعبية وكتب الكثير من الدراسات باللغتين الألمانية والانكليزية، وهو صاحب مقولة شهيرة أطلقها عام 1924 قائلاً: "علينا الإسراع في توثيق التراث الشعبي لأن هناك متغيرات كثيرة تؤثر على هذا التراث"، فإذا كانت هذه مقولته عام 1924 فماذا نقول اليوم؟...
ولاحقاً برز مهتمون بتدوين تراث بعض المناطق كما في القلمون والجزيرة "دير الزور" مثل "عبد القادر عياش" وغيره الكثير ساهموا باهتمام فردي دون رعاية من أي جهة، حباً بالتراث وخوفاً من اندثاره، إلا أن أساليب الجمع كانت تفتقر إلى المنهجية باستثناء كتابات "د. توفيق كنعان" وقد استمر هذا النشاط الفردي حتى اليوم، مع أن وزارة الثقافة بدأت تولي الموضوع اهتماماً بعد أن وقعت سورية على اتفاقية حماية التراث اللا مادي عام 2003، وتسعى إلى تطوير العمل في هذا الميدان الذي ما زال مرتبكاً لعدم وجود خبراء في مجال إدارة عملية التوثيق وجمع التراث.
** وسائل الاتصال أدوات محايدة وهي جهاز مثل أي جهاز مثل التلفاز الذي يمكن توظيفه حسب ما تريد الجهات أو الأفراد أو المؤسسات، وبالتالي لاحظنا في السنوات الأخيرة تداول بعض المصطلحات والمسميات والمواضيع فعلى سبيل المثال لفظة مصطلح الشعر النبطي لم تكن متداولة في سورية بتاتاً لكن تكرار اللفظة بأجهزة الاتصالات الخليجية أصبحت على ألسنة كثير من المهتمين في سورية، كما لعب التلفاز عبر البرامج الثقافية التراثية إلى تداول المواضيع والفنون وجعلت ابن الساحل يطل على التراث الشعبي في الجزيرة، كذلك ابن البادية أطل على تراث الساحل والمدينة والقرية، وهذا ما سهل تناقل الفنون والأفكار فأصبحت الدبكات والرقصات التي كانت في منطقة محدودة معروفة ومتداولة عند الآخرين.
** الإشكالية في الشعر الشعبي الحديث لأن هذا الشعر متأثر بمؤثرات كثيرة داخلية وإقليمية وعالمية وبالتالي يختلف عن الشعر الشعبي الذي كان يقال قبل خمسين عاما أو أكثر فكان الشعر القديم أكثر أصالة وارتباطاً بالبيئة، أما اليوم فأصبح يمتحُ، من ثقافات مختلفة ومتأثراً بمقولات إقليمية وبالتالي الشعر الشعبي الحديث ذا نزعات مرتبطة بسلطة ما سواء أكانت ذات سمات قبلية أو سياسية أو عائلية وفيه كثير من التزلف الذي لم نكن نشهده في الشعر الشعبي قبل مئة سنة مثلاً، فكان القديم أكثر تعبيراً عن منظومة القيم الشعبية السائدة حينذاك ففي زماننا هذا نلاحظ عدداً غير قليل من الشعراء الذين يتسم سلوكهم بالانتهاز، لكن إلى جانب هؤلاء الشعراء المرتزقة، هناك شعراء شعبيون أتاحت لهم معارفهم وثقافتهم الحديثة في التعبير عن هموم الأمة وشؤونها وطموحاتها، بفنية جيدة قل مثيلها في الشعر الشعبي القديم، الذي كان يغلب عليه النزعة القبلية والذاتية.