في مدينة "جرمانا" وأمام المقر الاجتماعي فيها ترى متحفاً تراثياً دمشقياً تتصدر واجهته السيف والترس، والدف، يستقبلك رجل ذو قامة مهيبة بصوت أجش يحمل أنغاماً موسيقية فيه، وأبيات من الشعر الزجلي يرحب بك بطريقة شعبية "يا حيََ الله" ثم يعرفك أنه الشاعر "لطفي عبد الرزاق" رئيس رابطة الزجل في "جرمانا".
حول انسجام إيقاع الشعر والصوت عند الشاعر "لطفي عبد الرزاق" أثناء أدائه للزجل بيّن عازف آلة الأورج الموسيقي "معتز علي جبر" المرافق لجوقات الزجل منذ عقدين لموقع eSyria قائلاً: «منذ أكثر من عشرين عاماً وأنا برفقة أخي الشاعر "لطفي عبد الرزاق" اسمعه واستمع إلى شعره الزجلي وأرى تفاعل من يستمع إليه، فهو شاعر مختلف بأمرين الأول أنه لا يحب الهجاء في الشعر أثناء الحوار الزجلي، رغم أنه عنصر تشويق، والطابع الذي يكتنف الزجل بحواراته بالهجوم وبروز العنترية المنبرية ومحاولة التغلب على الخصم، فهو ليس كذلك، بل هو شاعر الكلمة والصورة التي تحمل المعالجة، وهي خاصية إيجابية له بين الشعراء الزجل المنبريين، ومن ناحية أخرى تعابيره تدخل إلى قلب المتلقي بموسيقا خاصة فيها إيقاعية ومعنى دلالي، وهو متعدد المواضيع الاجتماعية والثقافية التي يطرحها، الأمر الثاني أنه يتقن التنقل بين المقامات أثناء غناء شعره، ربما كان سباقاً بين شعراء الزجل بذلك».
منذ أكثر من عشرين عاماً وأنا برفقة أخي الشاعر "لطفي عبد الرزاق" اسمعه واستمع إلى شعره الزجلي وأرى تفاعل من يستمع إليه، فهو شاعر مختلف بأمرين الأول أنه لا يحب الهجاء في الشعر أثناء الحوار الزجلي، رغم أنه عنصر تشويق، والطابع الذي يكتنف الزجل بحواراته بالهجوم وبروز العنترية المنبرية ومحاولة التغلب على الخصم، فهو ليس كذلك، بل هو شاعر الكلمة والصورة التي تحمل المعالجة، وهي خاصية إيجابية له بين الشعراء الزجل المنبريين، ومن ناحية أخرى تعابيره تدخل إلى قلب المتلقي بموسيقا خاصة فيها إيقاعية ومعنى دلالي، وهو متعدد المواضيع الاجتماعية والثقافية التي يطرحها، الأمر الثاني أنه يتقن التنقل بين المقامات أثناء غناء شعره، ربما كان سباقاً بين شعراء الزجل بذلك
موقع eSyria التقى الشاعر الزجلي "لطفي عبد الرزاق" في منزله "بجرمانا" بالحوار التالي:
** للزجل أوزان كثيرة وكل نوع منه له إيقاعه ووزنه وطريقة أدائه، وهناك أوزان وانماط للزجل تفوق عدد بحور الشعر الفصيح، أما من حيث الأوزان المنتشرة فذلك يعتمد على اختيار الشاعر لنوع قصائده وهي تختلف باختلاف الوزن والخواطر، إذ يأتي بعضها على المقاطع الصوتية فمثلا "المعنى والعتابا" هناك أثنا عشر مقطعا صوتيا في كلا الصدر والعجز، "والقرادي" سبعة مقاطع في كل شطر، و"الشروقي" أربعة عشر مقطعا في كل شطر، أما "الموشح" فصدر البيت سبعة مقاطع والعجز أربعة مقاطع صوتيه وأنا والحمد لله كتبت فيها جميعاً.
** نعم اعتماد الشعر الزجلي على الموسيقا ومن ضروريات فن الزجل أن يكون شاعره يتقن الموسيقا سواء بالنغمات والإيقاع والألحان والتنقل بين المقامات، لأنه شعر منبري مغنى.
** إذا أردنا أن تعيش القصيدة في نفوس الناس يجب أن تكون من الواقع وأنا غالبا ما أختار قصائدي من الواقع ولا أنكر بأنني أضيف من خيالي لهذه الوقائع، ولهذا فإننا نستخدم السرد الواقعي في تصوير لوحة ما كأن يستخدم بعض الشعراء أبياتا تعرف بالأبيات الاستنادية للوصول إلى صورة، بينما الزجل غالباً يستخدم التكثيف في تعابيره والصورة لديه واضحة لأنها الجزء الأهم في الشعر عامة، وعلى الأغلب فإن الجملة الشعرية أعرفها وأعيش بها عندما تساعدني دموعي في سكبها..
** كيف لا؟ الزجل له مكانته لدى الأوساط الثقافية حيث تجد العديد من شعراء اللغة الفصحى يقرضون الزجل والعكس أيضاً، فهناك تلاقح ثقافي واضح في البيئة والمكان والزمان وبالتالي استطاع نشر الوعي والثقافة لأنه يعتبر نفسه حامل رسالة وطنية اجتماعية ثقافية، ويهذب بعض الألفاظ العاميّة ويقربها إلى الفصحى، وهناك ما يسمى حرباً وهمية بين الفصحى والعامية، لكننا لا نشعر بذلك إذ العديد من النقاد والكتاب أعطوا الزجل مكانة ومنهم على سبيل المثال الناقد اللبناني والأديب "مارون عبود" الذي قال: "ليس هناك شاعر عامي وشاعر فصيح هناك شاعر" أي بمعنى أن الشعر هو صورة ودلالة وثقافة، والجدير بالحياة من هو أقرب إلى الناس وهمومهم والسؤال لماذا كثر من شعراء الفصيح يكتبون الشعر العامي والعكس أيضاً؟
وإذ عدنا إلى التاريخ نجد أن الشعر هو ديوان العرب، والشعر بكافة أنواعه، أليس لسان المجتمع العربي؟ والزجل واحد من الأنواع الشعر الذي يحمل الإيقاع والجِرس الموسيقي والصورة والمعاني والعبارات التي تدخل على الأفئدة وتدفع بالمتلقي إلى التصفيق والحماس والتأثر لشعوره بالحاجة للتصفيق، وهناك العديد من يحفظ أبيات من الزجل كما في الشعر الفصيح لجماليته، وبالتالي فهو يجسد تراثا عربيا حمله الأقدمون وصبغوه بصبغة الأدب الرفيع بعد مزجه بعادات وتقاليد عربية أصيلة، ليكون الرافد الحقيقي للغة الأم بالحرص على استمرار الثقافة العربية بشخصيتها وميزتها التي تميزت بها عن لغات العالم.
** بلا شك لأن حواراتنا الزجلية المنبرية يتم طرح مواضيع ومعالجتها وكل شاعر يقدم الأدلة والبراهين الواقعية والمنطقية لإغناء موضوعه، ومن خلاله يتم نشر جوانب السلبية والإيجابية من الشعراء المتحاورين، وبالتالي نطرح مواضيع هامه تهم مجتمعنا ووطننا، لأن إحساس الشاعر دائما يحثه على العلم ومحاربة آفات الجهل لذلك اعتبر كل حفله زجلية عبارة عن محاضرة اجتماعية لتوعية الناس ونشر الثقافة وتخفيف المشاكل والهموم التي تعترض حياتهم.
** قرأت في المراجع الأدبية أن الزجل نشأ في القرن الخامس عشر الميلادي على يدي "مقدم بن معافر العزيزي" في الأندلس ثم جاء "ابن قزمان" و"الأعمى التطيلي"، وكان في عصر "ابن قزمان" شاعر كبير هو "عبد الله ابن الحاج المعروف بالمدغليس"، حيث على يد هؤلاء بدأ انتشار الزجل وتطور إلى درجة أن الأندلسيين وضعوا "ابن قزمان" بمنزلة "المتنبي" و"المدغليس" بمنزلة "أبي تمّام" بين الشعراء، وتطور بعد ذلك بانتقاله إلى البلاد العربية بردات وجمل وأوزان وأخذت ألوانه تنتشر بين الناس، وأن أول ديوان شعر زجلي ظهر في الأندلس ومنها انتقل إلى مصر واليمن والعراق وبدأ الناس يرددون هذا الشعر في التجوال، والأفراح والمديح وامتد إلى عصرنا هذا عن طريق بعض الشعراء المنبريين في لبنان وسورية وفلسطين ولا أنكر بأن شعراء لبنان، هم أكثر من اهتم بألوان الشعر الزجلي وألوانه وتطويره في المهرجانات المحلية والعالمية، ويعتبر هو الفن الرخيم المغنّى الذي يبرهن فيه الشاعر عن اتساع خياله وتصويره بالحروف والصور الإبداعية التي يحبها عامة الناس.
* ما مقومات شخصية الشاعر؟
** الثقافة والتواضع والواقعية، وبصدق أقول على الشاعر أن يكون متسلحاً بصفات المؤمن الصادق، لأن الله سبحانه وتعالى منحه موهبة غالبا ما تكون نادرة ومميزة وعليه أن يجملها بصفات تجعل الآخر يرى فيه صفات الموهبة الخلاقة الممنوحة من الخالق.