«الدخول في حرم شاعر مثل "البرادعي" في عجالة كهذه امر صعب، فهو أديب متنوع الإنتاج، شاعر ومسرحي ودارس، وله ما يزيد على ثلاثة وأربعين عملاً وإذا اجتزنا عملاً من هذه الأعمال بمعزل عن عصره وثقافته وإنتاجه أولاً وبمعزل عن أعمال الشاعر نفسه ثانياً، فإن ذلك يجعل الدراسة مبتورة عن سياقها العام والخاص معاً، ولكن هذه العجالة تفرض علينا بقوة أن نتوقف عند عمله الشعري الهام "عبد الله والعالم" مع ان في أعماله الأخرى مسرحياً وشعرياً ما يماثله أو يوازيه أو يضاهيه».
هكذا يقول الدكتور "خليل الموسى" عن الشاعر "محي الدين البرادعي".
لقد استطاع "محيي الدين خالد البرادعي" أن يسبر أغوار مادة السيرة ليتيح لنا السباحة من جديد في فضاءاتها. وما من أحد قرأ "الملحمة المحمدية" إلا استشعر المنابع الأصيلة التي انبثقت منها، وقد صيغت بلغة حية ومتجددة. هنا وحين يحتفل المبدعون وبذكراه السنوية الأولى فإنه حقٌ طبيعي لهم جميعاً، فـ"خالد" ثابت في ذاكرتهم وذاكرة أبناء بلدته "يبرود"، فهو جزء أصيل من مكوناتها، غمس ريشته بعطر نسيمها، ورصّع شعره بعبق تاريخها وأفراد طيفه على ذرا رباها
موقع "eDamascus" التقى عدة أشخاص تحدثوا عن حياة الاديب والشاعر "محي الدين خالد البرادعي"، الدكتور "حسين جمعة" رئيس اتحاد الكتاب العرب يقول: «الصديق "البرادعي" سيبقى خالداً خلود تجربته الشعرية الناضجة؛ والمتفردة بخصوصيتنا. فهو الذي تربع على ذرا المسرح الشعري العربي، إذ لم يطاوله أحد في هذا المقام من شعراء العربية. وكذلك تربع على قمة أخرى حين عقد العزم على نظم السيرة المحمدية فكان له "ملحمة محمد" التي بلغت سبعة آلاف بيت في ثلاثة مجلدات وفيها كان نسيج وحده. ففي هذه الملحمة فتح الباب لتشكيل مادة الرؤية المعرفية والجمالية لمفهوم السيرة، إذ تجاوز طبيعة الفعل التاريخي والبعد الأفقي لطبيعة السيرة السردية حين انطلق إلى فضاء اللغة الشفافة الموحية الذي يطوف بعالم الأحداث والشخصيات زمانياً ومكانياً إلى مادة فكرية جمالية تثير فينا فعل الممارسة والتمثل المتجدد.
بحثت عن لقب أو كنية لعبد الله، لأنني ما أحببت أن يظل الرجل يتيماً ومجهول الهوية، جبت معه بلاد الغربة والاغتراب وسافرت معه براً وبحراً وجواً وحططت حيث حط في بلاد العجم والروم والهند وسواها وسافرت معه إلى قيعانه النفسية وقرأت هناك أحلامه وهواجسه وذكرياته ووجدته في كل هذه البلاد وفي كل تلك الأصقاع ذا عباءة عربية، وهو على الرغم من محنته المعاصرة ومأساته الوجودية لا ينتسب إلا إلى قومه هو "عبد الله العربي"، هو أنا أنت، هو في زمننا هذا وذلك كان الشاعر موفقاً إلى حد بعيد في رسم شخصيته التي قدمها لنا لنتحدث عن تجربتنا المعاصرة أو في قناعه الذي كان يحدثنا من خلاله، ومن هنا فإنني اقترح أن يكون العنوان، وهذه وجهة نظر "عبد الله العربي والعالم" وإن كان أي قارئ يعود إلى هذا النص يدرك منذ السطور الأولى انتماء "عبد الله" هذا».
يتابع: «وليست سمات شخصية "عبد الله" غريبة عنا، فهو واحد منا تربى بيننا، أكل مما أكلنا وشرب مما شربنا، جاع مثلما جعنا ويعشق مثلما نعشق، أو هو نحن يسير حين نسير ويتوقف حين نتوقف.
"عبد الله" أولاً رجل يخاف والخوف يلازمه في الصباح والمساء، في حله وترحاله، ظاهراً وباطناً والخوف علامة مميزة من علامات هذا الكائن، هي علامة إيجاب مثلما هي علامة سلب، فهي دليل على واقع مريض ولكنها في الوقت ذاته دليل على وجود "عبد الله"، "أنا أخاف فإذاً أنا موجود" وهذا يعني أنه يسير ويتجول ويغامر بلا قدمين وهو يتحرك باتجاه الداخل في حين أن الآخرين لا يقدرون على السير وليست أقدامهم قادرة على حمل أجسادهم المهترئة بعد أن غدوا أرقاماً ولذلك جاء تساؤل "عبد الله مشروعاً "هل يمكن أن يحيا من غير الخوف الإنسان؟"».
ويضيف: «و"عبد الله" ثانياً نام طويلاً وكأنه واحد من أصحاب أهل الكهف، فلما استيقظ وجد نفسه على غير ما كانت عليه سابقاً فقد كان قبل أن ينام حراً سيداً عزيزاً ولكنه الآن مكبل بسلاسل الأعوام وهذه الحالة لم تكن مقتصرة عليه وحده ولكنها انتقلت منه إلى محيطه والدمار لحق بكل عالمه.
"عبد الله والعالم" أخيراً قصيدة طويلة معاصرة بكل معنى وهي تختصر تجربة الإنسان العربي المعاصر وهي معلقة وقصيدة واحدة لا مجموعة قصائد كما يظن من تعدد العناوين الجزئية داخل هذا العمل وهو معلقة معاصرة لا من جهة الحجم ولكن من جهة التجربة والرؤيا وإذا بحثنا عن سبب الطول والنزعة الدرامية وجدناهما في أن "البرادعي" شاعر ومسرحي، ومسرحي وشاعراً معاً».
أما الأستاذ "أنطون المقدسي" فيقول: «في ذاكرته سافر "عبد الله" وفي الحلم، تجاوز يوماً ذاكرته وأحلامه حيث تمنياته، تطلعاته، أحاسيسه، صوره، إشراقاته، ذاته، رؤاه وعالمه كله، وفيهما أيضاً عذابه، مرضه، بؤسه، سجنه وموته، في ذاكرته عاش أبوه، فيها وجد ومات، وكل ما يعرفه عنه "عبد الله" هو أنه قضى حياته يعبد إلها هو في حقيقته صنم هش رآه يتداعى وهو يموت، وفي ذاكرته التقى "عبد الله" أمه، قضت حياتها تسقي كرامة لم تثمر، وفي ذاكرة "عبد الله" طيف امرأة، أهي زوجته، عشيقته، صبية رآها أو تخيلها، لا يدري ما إذا كانت من الأثير أم من لحم ودم، ما إذا كانت صلته بها قد تحققت فعلاً أم أنه حول احساسه إلى وقائع».
وتقول عنه الدكتورة "أنطوانيت زحلاوي": «القصيدة لديه تشبه القصة أو الحكاية بمتانة التركيب وتراص الصور وتتابع المقاطع، والمسرحية الشعرية لديه لا يشبهها إبداع آخر ولا حتى الإبداع الذي ينتسب إلى جنسها، وأي مسرحية شعرية له تمتلك قارئها وتأسر متلقيها ثم تنام وتصحو في ذاكرته، وقد طرق أبواب الإبداع الشعري جميعها، ففتحت له هينة لينة مطواعة، القصيدة الوجدانية والقصيدة السياسية والقصيدة الدرامية المتنامية بتصاعد أحداثها وتوترها والقصيدة التي فتتت جزءاً من التراث وأعادت صوغه بصورة لم تكن تخطر على بال.
وإن كان ثمة إضافة مشرقة تتبع شعره ومسرحه ونقده هي بناء الملحمة التي وصلت إلى ذروة نضجها وسلامتها في "ميسلون" تلك الملحمة الهائلة التي لم أعثر على ما يشبهها في الشعر العربي المعاصر».
وفي حديثنا مع الدكتور "حسين جمعة" رئيس اتحاد الكتاب العرب عن الشاعر "محيي الدين خالد البرادعي" قال: «لقد استطاع "محيي الدين خالد البرادعي" أن يسبر أغوار مادة السيرة ليتيح لنا السباحة من جديد في فضاءاتها. وما من أحد قرأ "الملحمة المحمدية" إلا استشعر المنابع الأصيلة التي انبثقت منها، وقد صيغت بلغة حية ومتجددة. هنا وحين يحتفل المبدعون وبذكراه السنوية الأولى فإنه حقٌ طبيعي لهم جميعاً، فـ"خالد" ثابت في ذاكرتهم وذاكرة أبناء بلدته "يبرود"، فهو جزء أصيل من مكوناتها، غمس ريشته بعطر نسيمها، ورصّع شعره بعبق تاريخها وأفراد طيفه على ذرا رباها».
من الجدير بالذكر أن "محيي الدين خالد البرادعي" من مواليد "يبرود" التابعة لريف دمشق، درس فيها وبدأ حياته الأدبية في الخمسينيات حيث نشر في الصحف والدوريات السورية. عمل في "الكويت" رئيساً للقسم الثقافي في صحيفة "القبس"، ثم مديراً لتحرير مجلة الرسالة الكويتية خلال الستينيات، وهو يكتب الشعر والدراسة الأدبية والمسرح، وقد نشر في العديد من الدوريات العربية. ومن مؤلفاته المطبوعة "أناشيد للأنصار- شعر، بدءاً من حزيران- شعر، الوحش- مسرحية، الجراد- مسرحية، خصوصية المسرح العربي- دراسة، المؤتمر الأخير لملوك الطوائف- مسرحية، أبو حيان التوحيدي والامبراطور زمسكيس- مسرحية شعرية".