من الحياة ومشاكلها نسج كاتبنا قصصه مستنداً إلى سخرية تهكمية بالنظر إلى مرارة ما نعيشه، ليقدم قصصاً تصدم القارئ بواقعه، تضحكه وتبكيه في آن معاً، لتكون خير معبر عن هذا الواقع.
الأدب والقصة بالنسبة له فن تشكيلي، يرسم خلالها عوالم واقعية ساخرة ويرتب شخصياته، ويبني حواره بحبكة درامية لتظهر قصصه كلوحة تشكيلية تحوي كل جديد وفريد، بدأ مسيرته الأدبية كمسرحي قبل أن يعرف "نجم الدين السمان" كقاص، حيث شكل المسرح المدرسي انطلاقته الأولى بدءاً من المرحلة الابتدائية، وتابع العمل بالمسرح لمدة طويلة متدرجاً بمشاركاته من عبارة قصيرة يقرأها إلى دور كامل حتى أصبح يكتب نصها كاملاً ثم توقف عن العمل كمسرحي لتوقف المناخ المشجع على الاستمرار، ولغياب الزخم عن المسرح لصالح التلفزيون، بسبب الشهرة، والأجور المرتفعة.
أسس "السمان" مجلة نصف شهرية اسمها "شرفات" تتبع لوزارة الثقافة، حيث تلعب دوراً مهماً في الساحة الثقافية بعد أن ضمت أسماء شابة وقديمة، وهذا يعود لـ"نجم الدين السمان" الخفيف الظل والروح، وصاحب النكتة الظريفة
"السمان" وخلال حوار مع "eSyria" يقول: «تأثرت بجميع الأدباء وبنفس الوقت لم أتأثر بأديب معين ولم أقلده، فكل من قرأتهم سكنوا في ذاكرتي وأثروا في كتاباتي، فأي كاتب يتكون أدبه من قراءاته وشهاداته وتفاعله مع الحياة، فالعملية عبارة عن تأثر وتأثير لكتابة الأدب عموماً والقصة خاصةً، وأنا تأثرت بتشيخوف ومن أدبه تعلمت كيف ألتقط النفس البشرية، وأمسك بالمفتاح».
**من الملهم بالنسبة لك؟
*الحياة أكبر ملهم، كذلك الناس والقصص التي تستمد من المجتمع فلا نبحث عنها في الكتب بل نشاهد مصائر البشر وتحولاتهم الاجتماعية، وبذلك تكون الحياة أكبر ملهم ومعلم، أما من تنقطع صلته بالحياة يكتب أدباً بعيداً عنها وعن مشاكل الناس، فهو يكتب زخرفة لغوية وعبارات لا فائدة منها، فهذا الأدب نص فقط، لأن الكاتب مرآة لما يحدث في مجتمعه ولا يمكن أن يكون معزولاً عنه، وأحياناً وبشكل نادر يكتب الأديب عما سيحدث إذا امتلك نظرة إلى المستقبل.
**لماذا اخترت كتابة القصة؟
*بدأت كتابة القصة تتبلور لدي في الخمسينات، رغم أنها أصعب أنواع الفنون الكتابية، فهي أصعب من السيناريو والرواية، فبصفحات ثلاث ينبغي أن تكتب المناخ العام للقصة تكثف أحداثها وترسم شخصياتها وتضع نقطة التحول الدرامي ولحظة الكشف وتكتب الحوار، فيما بقية الأنواع الأدبية لديها هامش المساحة والزمن أوسع وأكبر بكثير من القصة، ويتيح لها سهولة في الإنتاج الأدبي وسرعة وكماً كبيرين.
**لماذا تميل إلى المدرسة الواقعية والساخرة في قصصك؟
*أميل للكتابات الواقعية والساخرة التي تصنع الحياة اليومية لأن مصدرها الشارع وألسنة الناس وسخريتهم الشفوية، وهنا لا تكون السخرية لفظية، وهي ليست تهريجاً أيضاً، إنما هجاء ساخر، يمكن أن يبكي ويضحك في آن معاً، وهذه المفارقة قد تكون خاصة وتعمم هذا النوع، فالسخرية لغتي الأدبية.
**هل تشعر بالرضى عما أنجزت؟
*لا أشعر بالرضى، لأنه يعني الموت على الصعيد الشخصي والأدبي للكاتب، فمثل هكذا أمر معناه التقاعد بكل المعاني الوظيفي والكتابي ونهاية للإبداع والحياة، فعلى الكاتب الإبداع والإنتاج الأدبي حتى اللحظة الأخيرة من حياته.
**ما الذي تطمح إليه وتتمناه؟
*أن يكون المثقف العربي فاعلاً، ويحظى بشعبية مثل المطربة والمغنية التي تظهر على شاشات التلفزة، فعندما يختفي المثقف، يكون هناك مشكلة كبيرة، لأن الثقافة هي الجدار الأخير لأي أمة، إذا انهار هذا الجدار ينهار نمط التفكير واللغة والعادات والتقاليد، فالثقافة مرتبطة بالجامعات أيضاً وليست حكراُ على الأدب حيث تجد أن الأمية الثقافية منتشرة بشكل كبير في أوساط كثيرة وهي مشكلة بنيوية تجمع ولا تفرق.
**كيف ترى واقع القصة السورية؟
*هناك كتاب مهمون، إلا أنها تعاني مشاكل كثيرة، فلا يوجد اهتمام كاف بها، ولا حتى دعم قليل لمبدعيها وشبابها، فالملتقى الوحيد للقصة بحمص تجد الوجوه فيه ثابتة لا تتغير، وتتكرر فيه نفس الأسماء، ونتمنى أن نسمع صوتاً جديداً ونقرأ لاسم جديد، على عكس مهرجانات الدبكة الكثيرة، أما القصة لها مهرجان واحد، إلا أن هناك أموراً تبشر خيراً حيث أصبحنا نتابع أسماءً جديدة عبر الانترنيت، وهي مواهب واعدة تستطيع أن تقدم الكثير.
**كيف ترى تأثير الحداثة على الأدب؟
*البعض لجأ إليها ليتخفى وراء قناع الحداثة كي لا تظهر عيوب ما يكتب، متستراً بغياب المعايير التي تضبط الحداثة، وأرى أن الكتابة مثل الفن التشكيلي فمن لايعرف رسم الوجه بالمعايير الستة لا يمكن أن يكون حداثوي فينبغي أن يكون القاص والروائي مستنداً إلى معايير معينة، حتى تظل القصة أو الرواية حية لمدة طويلة، فهناك من القاصين من تطبع روايته بعد 100 سنة وتبقى تقرأ كأنها بنت يومها، وذلك مرده إلى أن القصة الجيدة ينبغي أن تصلح لأي زمان، حتى لو اختلفت الظروف، وهنا عندما تقرأ أدب "تشيخوف" و"يوسف إدريس" تشعر أنك تعيشهما الآن، حيث يتميزان بكيفية إلتقاط اللحظة الفردية التي تكون خارجة عن الزمن، وليست خارجة عن المكان الذي أصبح عابراً بدوره، ويمكن تجاوزه بسهولة.
وعن القاص "نجم الدين السمان" قال الشاعر "شوقي بغدادي": «تعرفت عليه في أحد النوادي الأدبية بـ"حلب" عندما تقدم لمسابقة في القصة الصغيرة مخصصة للشباب، وكنت عضواً في لجنة التحكيم، فأصريت أن تكون القصة الأولى، ووافقت اللجنة على ذلك، وكان وقتها طالباً جامعياً، وصرت أتابع هذا الاسم وكان دائماً يدهشني بأعماله في القصة القصيرة أو الصحافة ففيها جاذبية خاصة تجعلني أشعر بمتعة حقيقية وأنا أقرأ "نجم الدين السمان"، حتى استطاع أن يكون اسماً بالقصة القصيرة».
وأضاف: «أسس "السمان" مجلة نصف شهرية اسمها "شرفات" تتبع لوزارة الثقافة، حيث تلعب دوراً مهماً في الساحة الثقافية بعد أن ضمت أسماء شابة وقديمة، وهذا يعود لـ"نجم الدين السمان" الخفيف الظل والروح، وصاحب النكتة الظريفة».
وعن تميز أدب "السمان" عن غيره من الكتاب رأى "بغدادي": «أن المناهج الأدبية الحديثة اتجهت نحو الفنتازية أو الواقعية السحرية وبدأ الكتاب العرب كتابة قصص تبدو خيالية، تختلط فيها الأسطورة بالواقع، وصار الأدب العربي ينافس كي يقتحم النادي الأدبي العالمي ليصير عضواً فيه، وقد نجح الأدب العربي في ذلك بفضل عدد من الكتاب، وعند "السمان" ما يكفي من الذكاء ليكتب القصة الحديثة ليجمع بمهارة بين الفانتازية وبين الواقع الحقيقي بشكل لا يمكن الفصل بينهما فتقول هذا واقع وهذا خيالي، فأرجو ألا يصرف ذهنه إلى غير القصة القصيرة لأنه أبدع فيها».