كتب في العديد من الأجناس الأدبيّة، قدّم الكتابة على غيرها من الفنون، اختار طريقاً شائكاً ليخوض فيه، تقدّم بخطا ثابتة وظلّ عنيداً في الحقّ لا يخشى لومة لائم. إنّه الكاتب "حسن دريعي" الذي أتحفنا بعدد من النتاجات الممتعة الهامّة.
التقى موقع eHaskeh الكاتب "حسن دريعي" وكان معه الحوار الغنيّ التالي، حول تجربته الحياتيّة والكتابيّة:
من خلال شراكتي الأدبيّة مع الكاتب "حسن دريعي" أدرك أنّه يمتاز بمقدرته الفنّيّة العالية على التقاط التفاصيل اليوميّة، يشتغل عليها في كتابته وفنّه، يوظّفها توظيفاً ملائماً. تتّسم كتابته بالطابع الشعريّ، يشعر معه القارئ كأنّه يقرأ قصائد شعريّة منثورة بين طيّات كتبه، حتّى أنّه حين يكتب في الجانب القانونيّ، لا تفارقه السمة الشعريّة، ولا تبارحه العناية بالأحاسيس، يوليها اهتمامه، يتّخذها مرتكزاً أدبيّاً وفنّيّاً. تتخلّل كتابته روح الطفولة الصادقة البريئة، يقاربها بشفافيّة، ومن هنا فإنّ كتابته تحوز إعجاب شرائح واسعة من القرّاء
** ترعرعتُ عموماً في بيئة سياسية، أدبية، فنية، موسيقية، وكان طبيعياً تماماً أن أقطف من كل بستان زهرة، وإن بحثت عن زهرة لوتس بينها، وهكذا فقد تأثرت بها جميعها، والتي تركت ببصماتها في مجمل حياتي اللاحقة ومن كل النواحي والمناحي..
في المرحلة الابتدائية كان توجهي الفني فرسمت، وعلقت لوحاتي على جدران الصفوف، وفي الصف الثاني الإعدادي رسمت أول لوحة زيتية، وفي دار المعلمين كانت المعارض السنوية التي اشتركت فيها، أو في المركز الثقافي، حقيقة أولاً تحت إشراف الفنان الرائع "عمر حمدي" وأستاذينا القديرين "ممتاز البحرة" و"ممدوح النابلسي"، وفي سنوات الدار تتلمذنا أنا وصديقي "أحمد حسين" الفنان الرائع عازف الجمبش والكمان، وعلى اهتمام أستاذنا للموسيقا، خريج المعهد العالي الموسيقي في "القاهرة" العلامة المبدع في العود "زياد عجان"، وكما قلت في لقاء آخر: كسرت ريشي بعد حادثة القاهرة والعام 1968 بسبب لوحة مشتركة بين الفنان العالمي "عمر حمدي" وبيني قمعت فيها بعنف لا حدود له، وهذا لا يعني أنني تركت الرسم وآلة العود نهائياً، ولكنني وفي مرحلة متأخرة جداً، وفي عام 1994 بالذات، تلمست وعرفت أعماقي أكثر في الكتابة، وكانت محطتي الأخيرة..
** السؤال يا صديقي يجعلني أحلّق هائماً مع أعماقي وفكري مع تلك الجمل التي أجدها شاعرية، وأحبها إلى قلبي ونفسي تلك الجمل القصيرة التي ترتقي بقناعتي إلى مستوى النثر المدغدغ لشغاف القلب، تلك الجمل التي أستجدي فيها الحبيبة حباً، أو تلك التي أجدها صاروخية في أحشاء الظلم الطبقي والسياسي والاجتماعي والقومي، وذلك من خلال "عامودا تحترق" الجزء الأول والثاني الذي لم يجد النور رغم إنجازه منذ ما يقارب العام والنصف، وكذلك في الثلاثية المنجزة لروايات اليتيم المركونة في جهاز الكمبيوتر، أو في المخطوطات التي بين يدي..
** يؤلمني جداً عدد سنوات إنجاز هذا الكتاب الذي رأى النور في خصام شديد ولدود معه، الكتاب الذي يعني لي حبيبتي، مهجة قلبي، حياتي ذاتها، ابنتي، رفيقتي، صديقتي، "حلا" المثقفة، الجميلة، الرائعة، وعلى الرغم من وجودي في محيط قانوني، فقد خاب أملي في كل من التجأت إليهم من القانونيين، وعندما خذلت في الدرك الأسفل من صراعي الرسمي والقانوني والمحاكماتي في قضية حضانة "حلا" نفسها، وأنا في بدايات تمريني كمحام، ما فرض ذلك علي تحدياً حقيقياً في الرجوع إلى بطون أمهات الكتب الفقهية، واجتهادات الغرفة الشرعية لمحكمة النقض، ليقدمني بعد عشر سنوات أستاذي المشرف على رسالتي هذه الجندي المجهول المجندل في ساحة قانون الأحوال الشخصية السوري، وفي المواريث خاصة، الشيخ الجليل "سليم الحسيني" مرجعاً في الحضانة فقهاً وقانوناً.
** وما الرواية في كل حالاتها، ومع جميع كتابها، هل قدّت من فراغ، من خيال بحت، طبعاً لكل منا رأيه الشخصي الذي يجب ألا يخرج عن المعقول في حده الأدنى، ومن هنا فالرواية إن لم تكن كل تفاعلات حياتي فهي من نسيج حياتك، أو كليهما، أو حياته، حياتها، حياة أمي أمك، أبي أو أبيك، حارتي حارتك، بكل ما فيها من تلاوين، وهكذا مع عدم تجاهل المايسترو الذي يخلق هذا العمل الروائي بإبداعات خياله وثقافته وتجربته، أي إن شخوص أية رواية هم من الواقع، مع ترك الكاتب لنفسه لذاته مواقع متقدمة هنا وهناك، أو لدرجة أنه قد يجعل من نفسه بطل روايته، ومن هنا وبهذه اللمسات والتوجه هو تعاملي مع ما كتبت حتى الآن..
أو لم يكن أبطال "مكسيم غوركي" في روايته "الحضيض" من أبناء ذلك الحضيض الذين عايشهم وعاصرهم، أو لم يكن بطل الرواية "الطروسي" في رواية "حنا مينه" "الشراع والعاصفة" هو ذلك الصياد الذي عايشه في "مقهى البطرنه" على شاطئ البحر المتلاصق للحديقة العامة حتى اليوم، أو "حسن جبل" في رواية "فارس زرزور" "حسن جبل"، ومن هم ذلك اللفيف الحاشد في رواية "آرام سليل الأوجاع المكابرة" للروائي "هيثم حسين"..
ومن هنا فالرواية نسيج خلاب رائع من ذوات الجميع، مكان الجميع، زمان الجميع.. وأعتقد أن عالمي الذاتي خصب جداً لأغوص فيه منقباً في تشققات أرجائه، في تصدعات حناياه، وأخرج منها مداميك تصلح لبناء أدبي ما، أو قصص حب وحياة تتنفس عبق الورود والرياحين، أو ألملم أحلاماً وأماني لم تتحقق في الكتابة حتى نهاية حياتي..
* كيف تتعامل مع النقد؟
** صديقي العزيز النقد والنقد الذاتي "أس الحياة وساموكها" ولا تستقم الحياة دونهما، ومن هنا فحياتي بمجملها بنيت عليهما منذ نعومة أظفاري وحتى الغد، أو غد الغد، وأكثر الناس جرأة هو من يستطيع أن ينقد ذاته قبل انتقاد الآخرين، وهكذا في جميع الفنون من كتابة وموسيقا ورسم، مع أخذنا بعين الاعتبار أن لا يكون نقداً من أجل النقد، ولكنه ذلك النقد المشروط الذي يرتقي إلى مستوى البناء الذي يشمخ، لا تهديم ذلك البناء للنيل من "المنقود أو المادة المنتقدة" لمرض النشوة الفخفخاتية لذات متقيحة مصابة بأورام سرطانية تحطم كل ما في دائرتها ومحيطها.
** "عامودا" هي طفولتي بجورها وحرماناتها.. "عامودا" هي أمي التي فقدتها وأنا بحاجة إلى أمومتها.. "عامودا" هي جوعي الحقيقي المرعب فيها.. "عامودا" هي مراهقتي المقموعة.. هي حبي الأول والأخير.. هي ذكرياتي بحلوها ومرها.. "عامودا" على الرغم أنها حكمت علي بالنفي ثلاثين حولاً وأكثر، ولكنها ظلت طوال هذا الزمن تدغدغ شغاف قلبي وفكري ونفسي ووجداني، ولم لا؟ وهي الرائعة التي تركت فيها قلبي مكرهاً..لأهيم في سمواتي.. ومن هنا ما وجدت مدينة أجمل منها في هذا العالم، وانتقدني الآخرون على ذلك..
* ما مشاريعك القادمة؟
** قل لي ما إنجازاتك المركونة في أعماق جهازك الكمبيوتري اللعين، لدرجة أنه أصبح لي وصية في غير أوانها مع ابنتي في أن تتابع من بعدي مهمة التصدي لمشاهدة هذه الأعمال المنجزة النور، فهل بعد هذا للشرفاء، للفقراء مشاريع. وما هو منجز تماما؟
"الحضانة فقهاً وقانوناً، عامودا تحترق2، اليتيم: عندما يقبر اليتم الطفولة ينتشله التهريب إلى أوحاله، اليتيم: لو كان الفقر رجلاً لقتلته. اليتيم: ومن الحب ما قتل وهذا ما يترك ببصماته على المخطوطات الجاهزة أيضاً: "الغبرة، مجزرة "أومريان"، الناي الحزين: "عبد الرحمن دريعي"، رسائل لم تنشر، "زو مر": قصص قصيرة. هكذا تجد حجم مأساة من يريد أن يكون كاتباً، والله يا صديقي ينتابني حزن شديد عندما أتذكر أو أعيش مشاريع عمل أدبي أو فني، أو يسألني أحداً ما هي مشاريعك؟ ألا يكفي ذلك يا صديقي لكي لا نكون دون مشاريع ولو مؤقتاً؟..
يقول عنه الناقد "هيثم حسين": «من خلال شراكتي الأدبيّة مع الكاتب "حسن دريعي" أدرك أنّه يمتاز بمقدرته الفنّيّة العالية على التقاط التفاصيل اليوميّة، يشتغل عليها في كتابته وفنّه، يوظّفها توظيفاً ملائماً. تتّسم كتابته بالطابع الشعريّ، يشعر معه القارئ كأنّه يقرأ قصائد شعريّة منثورة بين طيّات كتبه، حتّى أنّه حين يكتب في الجانب القانونيّ، لا تفارقه السمة الشعريّة، ولا تبارحه العناية بالأحاسيس، يوليها اهتمامه، يتّخذها مرتكزاً أدبيّاً وفنّيّاً. تتخلّل كتابته روح الطفولة الصادقة البريئة، يقاربها بشفافيّة، ومن هنا فإنّ كتابته تحوز إعجاب شرائح واسعة من القرّاء».
يُذكَر أنّ الكاتب "حسن دريعي" من مواليد مدينة عامودا 1948، يعمل حالياً محامياً. وهو معلّم متقاعد.