في قاعة اتحاد الكتاب العرب، وضمن نشاطاته أقامت جمعية النقد ندوة حول المجموعة الشعرية "لا وقت إلا للحياة" للشاعر الدكتور "نزار بريك هنيدي"، حيث قدم دراسة نقدية موسوعية الأستاذ الدكتور "خليل الموسى" بحضور مجموعة من الأدباء والنقاد وبعض من أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب.
حول الرؤية النقدية الشخصانية للشاعر "نزار بريك هنيدي" بين الأستاذ الدكتور "غسان غنيم" رئيس جمعية النقد في اتحاد الكتاب العرب لموقع eSyria قائلاً: «لم يكتف الشاعر "نزار بريك هنيدي" بالطب والجراحة، وبالأجساد يمخر أعطافها فيستأصل العفن منها، فاتجه نحو الأرواح يحاول أن يستل منها تراكمات الأسى، وأوجاع التوق الإنساني غير المتحقق نحو الكمال، فكان اتجاهه نحو الشعر، فكتبه وهو ما يزال حدثاً، واستمر لما وجد فيه من قدرة على استكناه صوت الجوهر الإنساني الذي لا يتحقق كما يرى، إلا بالشعر، هذا الجو الذي يحفظ للإنسان إنسانيته ويكفل له تفرده وتميزه، ويطلق قدراته ويفجر إبداعاته ويمنحه المجال متسعاً للتمتع بالجمال والحب والحرية"، وقد آمن بالشعر والشعراء سدنة لحلم الإنسانية، فكتب وما يزال على الرغم من قسوة العالم الجديد، الذي لم يعد الشعر من بين اهتماماته وانشغالاته الأساسية، وهو يدرك ذلك ويعبر عنه نظرياً "في أسطورة الماضي الذهبي" ولكنه ما يزال يقاوم، هذا الموات في الروح الإنساني وهذا الجفاف، وهذا التخشب، بمزيد من الشعر لأنه يرى فيه وهو الطبيب المداوي، انه الدواء الوحيد لهذا الخواء الروحي الذي يلهث العالم المعاصر نحوه، فما يزال بعد سبع مجموعات أفرغ فيها الكثير من مكنونات روحه يكتب الشعر، صمتاً فرحيلاً، فطوفاناً، لا يتوقف إيمانه بالشعر».
ما قدم من نقد حول مجموعتي من قبل الدكتور "خليل" في الحقيقة اشعر انه نقد حقيقي ذلك لأنه قرأ النص من نظرته النقدية وأسلوبه، وليس بأسلوب النقد التقليدي، ونحن بحاجة إلى نقد كهذا في الدخول للنص وقراءة ما وراء المعنى
وعن تجاوز الشاعر "هنيدي" حدود الشعر تابع الدكتور "غنيم" بالقول: «لا يقف عند حدود الشعر، وهو الذي رفد شعره بمخزون ثقافي، داعم، يلمسه كل من يتحدث معه بدقائق معدودات، وقد تجلت ثقافته الأدبية العميقة في ممارسته للنقد تنظيراً أحياناً، وتطبيقاً غالباً، فكتب "صوت الجوهر"، و"في مهب الشعر"، وكلا الكتابين يتناول جنس الشعر، دون غيره، مع تعرضه قليلاً للراوية في معرض الحديث عن قضية نقدية سادت مفادها أن الشعر لم يعد ديواناً للعرب، بل الرواية، فيستل قلمه منافحاً عن الشعر ومكانته في الحياة العربي، وهو يقول: "فقرّاء الشعر سواء أكانوا قليلي العدد أم كثيري العدد، إلا أنهم اهم من قراء النثر"».
صاحب الدراسة النقدية الأستاذ الدكتور "خليل الموسى" عضو اتحاد الكتاب العرب بين ما انتهى إليه "جيرار جينيت" في دراسته للعتبات النصية قائلاً: «التحذيرات من العتبات النصية، ربما تنطبق على عنوان هذه المجموعة "لا وقت إلا للحياة" الذي يوهم القارئ بالفرح والتفاؤل والتعلق بالحياة وأطايبها، في حين أن في المجموعة تيارين متعاكسين متقاطعين مختلفين، الأول ظاهر للعيان، وهو يتصدر العنوان الرئيس، ويوهم القارئ بأن الذات المتكلمة تقيم أعراسها وأفراحها، وهذا التيار سطحي وضعيف، والثاني يجري في الأعماق بقوة غير مرئية وهو يتحكم بكل شيء، ولا يستطيع القارئ العادي الوصول إليه، وخاصة أن الذات المتكلمة نصبت له الفخاخ بالعنوان الرئيس فأوهمته بالأعراس، في حين أن الذات المتكلمة ترثي نفسها والإنسانية والكون في هذه التراجيديا الوجودية الجنائزية، وكأنها تعيد علينا سيرة "جلجامش" المهزوم إزاء الخلود أو سيرة "أوديب" المهزوم إزاء الحقيقة».
ويتابع الناقد الدكتور "الموسى" حول المجموعة الشعرية بقوله: «تتضمن المجموعة ثلاثة أقسام الأول بعنوان "منمنات" وهي أيقونات ذات صور مختلفة في الظاهر أو مشاهد يستقل بعضها عن بعض، ويشكل كل منها لوحة، ولكنها في النهاية متجانسة، وكأنها مقاطع قصيدة واحدة وهي متصلة بحبل سري بالتصدير الأول الذي ينطبق على القمسين الأول والثالث وهو لـ"مالارميه"، قدم المؤلف التصدير على تصدير "محمود درويش" لتقديم المنمنمات، وكأنها فواتيح للقصائد ومفاتيح لها، وهي ذات صلة بشعر "مالارميه" في التكثيف، والرمز، والإيحاء، ثم لا تبتعد عن التراث الشعري العربي "القِطَع"، المشدودة بخيطين "الحداثي، والرمزي، والتراثي، وفي القسم الثاني القصائد الطوال وهي ست عين، ذوات حس درامي وأقرب إلى المعلقات وتنتمي إلى رافدين الأول "محمود درويش" المعلم الثاني في هذه المجموعة، وهو غالباً من شعراء القصيدة الطويلة، والرافد الثاني المعلقات والجمهرات والمطولات في التراث الشعري العربي، عن التمدد الدرامي يجري في أعماق القصيدة وليس سطحها، وهو ليس وثاباً بالضجيج والشعارات والهتافات، وليس ظاهراً كما يتوهم القارئ، ولديه قسم المعارضات المقسوم إلى غزل مقابل الغزل، وهي جديدة تنهج نهج الاصل، والثاني الجوهر والمطلق والمثال الذي يقرب البشري فما هو فوق بشري وهو الشعر، والثالث تراجيديا الوجود الإنساني في الصراع مع الزمن، لقد جاء عنوان المجموعة مخاتلاً "لا وقت إلا للحياة" ليخفي تحت ظلاله ما كان ينبغي أن يبدأ به "لا وقت للحياة" ليكون العنوان ثنائياً كوتر العود "لا وقت للحياة، لا وقت إلا للحياة"».
وحول الدراسة النقدية أوضح الناقد الدكتور "محمد شيخ موسى" قائلاً: «ما قدمه الدكتور "خليل الموسى" جولة ثقافية إبداعية في النقد الثقافي، وربما يكون النقد التكاملي، وهي من إبداعات منمنمات، والإشارة هنا إلى تناص المجموعة وهي لب هذه الدراسة الرصينة وهي ترضي "كرستي او بارت" وغيرهما، لكن ثمة سؤال هل الدراسة هي تناص أو محاورة وخاصة في الجزء الأخير بالمعارضات ولا يكون شيئا توصل إلا من قلب الشاعر».
صاحب المجموعة الشعرية الشاعر الدكتور "نزار بريك هنيدي" قال: «ما قدم من نقد حول مجموعتي من قبل الدكتور "خليل" في الحقيقة اشعر انه نقد حقيقي ذلك لأنه قرأ النص من نظرته النقدية وأسلوبه، وليس بأسلوب النقد التقليدي، ونحن بحاجة إلى نقد كهذا في الدخول للنص وقراءة ما وراء المعنى».